أحمد الجميعة

مترو الرياض الذي تم تدشينه قبل أيام يمثّل مرحلة جديدة وتاريخية لأهالي وزوار العاصمة، ومشروعاً حضارياً لما هو قادم مستقبلاً، وعموداً فقرياً لقطاع النقل فيها، وأحد أفضل خيارات التنقل التي تغطي كامل المدينة، من خلال (6) مسارات بطول 176 كلم، و(185) قطاراً بـ448 عربة، وطاقة استيعابية تصل إلى 3.6 ملايين راكب يومياً.

المشاهد الأولى من محطات القطار أظهرت إقبالاً غير متوقع من المواطنين والمقيمين، وزاد عليه تواجد المسؤولين في رحلات عملهم اليومية، إلى جانب سلاسة الدخول والخروج من بوابات تلك المحطات، واللوحات والخرائط الإرشادية التي سهّلت من التعرّف على المسارات، والأهم الدروس المستفادة من رحلة المستفيد الأولى، والبناء عليها في أعمال التطوير والتحسين، ومن ذلك خدمة الرحلات الترددية للجهات الحكومية القريبة من تلك المحطات.

ما رأيناه من ازدحام الركاب في بعض المحطات هو أمر طبيعي جداً، فالرحلة الاستطلاعية الأولى تتطلب أن يكون الغالبية حاضرين أمام تجربة جديدة، ومعرفة المسافات والأوقات التي سوف يقطعونها يومياً، وترتيب مواعيدهم في الخروج إلى أعمالهم ومقاعد دراستهم وزياراتهم وتسوقهم، وحسابها بناءً على ذلك، وما بعد تلك الرحلة الاستطلاعية ستتحدد كثير من قرارات المستخدمين، ولكن المطمئن أنهم سيعودون في مرات كثيرة، وحتماً يومية.

المشاهد في محطات القطار تؤكد أن المشروع لا يحتاج إلى تسويق؛ فالجميع كان في أزمة يومية مع الازدحام المروري في شوارع العاصمة، والقطار هو أحد أفضل الحلول للتخفيف منها؛ طبعاً ليس للجميع، ولكن على الأقل لنسبة منهم قد تتراوح ما بين 25 و30%، وهذه النسبة إذا ما تم مقارنتها بعدد السكان وحجم الطاقة الاستيعابية للقطار تعتبر منطقية، وستساهم في التقليل من الازدحام المروري، ومواقف السيارات، فضلاً عن أن القطار سيكون الخيار الأول لكثير من الفئات ممن يقطعون مسافات الجنوب والشمال، أو الغرب والشرق، مثل طلبة الجامعات، والمتوجهين للمطار، والموظفين الذين يفضلون ركن سياراتهم في أقرب محطة وصعود القطار باتجاه أعمالهم، والحضور بنفسية أفضل بعيداً عن ضغوطات الطريق.

القطار حتماً سيغيّر من السلوك الاجتماعي لسكان العاصمة؛ فرياضة المشي سوف تزدهر، واللقاءات الجانبية داخل العربات والمحطات سوف تجدد العلاقات الاجتماعية، والوجوه ستكون مألوفة في الرحلات اليومية، وخصوصاً المتوجهين إلى مقرات العمل، كما أن الطاقة الإيجابية في أعلى مستوى وأنت ترى المجتمع في حيوية ونشاط منذ الساعات الأولى للصباح، إضافة إلى احترام النظام، والذوق العام، وقبل ذلك احترام الوقت.

الرياض -أكثر عواصم العالم نمواً- يليق بأهلها وزائريها هذا المشروع الإستراتيجي العملاق، ويليق بمستقبلها الحافل بمشروعات التنمية، والاستضافات العالمية، والفعاليات والمناسبات التي لا تتوقف؛ بأن يكون فيها خياراً مهماً للنقل والتنقل، وعلى أعلى مستوى من التقنية، والخدمة، وقبل ذلك استثمار الكوادر الوطنية للعمل في هذا القطاع، والعائد الاقتصادي والاجتماعي الذي سوف يتحقق.

شكراً لقيادتنا التي منحتنا هذا المشروع الحضاري، ولرؤية الوطن الطموحة التي تأخذنا للمكان الذي يليق بنا كسعوديين، والقادم أفضل مع مشروعات أخرى ستصنع الفارق.