في اليوم الذي أعلن عن دخول الفصائل السورية المسلحة إلى دمشق ومغادرة بشار الأسد إلى موسكو الأحد الماضي، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسارع إلى هضبة الجولان السورية المحتلة ليلتقط صورة، وليعلن أنه لولا الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة ولبنان وضرب إيران، لما أمكن إسقاط النظام في سوريا و"تغيير وجه الشرق الأوسط"، وفق ما قال عند بدء هذه الحرب في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. أرفق نتنياهو تصريحه بالإعلان عن سقوط اتفاق "فك الاشتباك" لعام 1974، ودخول القوات الإسرائيلية إلى المنطقة العازلة التي أنشئت بموجب ذاك الاتفاق، لتسيطر على قمة جبل حرمون وخمس مدن في المنطقة المحررة من الجولان السوري، ثم واصلت التوغل لتبلغ مسافة تبعد 25 كيلومتراً عن دمشق، وفق تقارير. ومنذ التاسع من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، شنّت الطائرات الإسرائيلية أوسع حملة جوية على سوريا منذ حرب 1973، مستهدفة البنى التحتية للجيش السوري، تحت شعار القلق من وقوع الأسلحة السورية "في أيدي جماعات معادية لإسرائيل"، علماً بأن أياً من الفصائل التي سيطرت على دمشق، وتتولى إدارة المرحلة الانتقالية، لم تصدر عنها أيّ مواقف يُستشف منها الاهتمام بإسرائيل. ونقلت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية عن بعض المراقبين الإسرائيليين ذهابهم إلى حدّ التكهّن بأن تكنّي زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع بـ"أبو محمد الجولاني"، نسبة إلى مسقط رأس عائلته، "قد يكون إشارة إلى أن لديه مخططات في الجولان" مستقبلاً، في وقت يعتقد آخرون بأن "الهيئة" المصنفة على لوائح الإرهاب في الغرب، تحمل إيديولوجيا شبيهة بإيديولوجية "حماس". ولا يخفي مراقبون أن التدخل الإسرائيلي العسكري قد يكون بمثابة رسالة إلى تركيا التي تدعم الجولاني و"حماس"، بعد بروزها عقب تبدّل النظام في سوريا اللاعب الأقوى في هذا البلد. وفي معرض تبرير الإجراءات الإسرائيلية، قال نتنياهو في رسالة إلى مجلس الأمن: "إنها موقف دفاعي موقت ريثما يتم التوصل إلى ترتيب مناسب". والجدير بالذكر في هذا السياق أن وزراء اليمين المتطرف في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يطالبون بضم أجزاء من الجولان السوري الذي لم تكن تحتله إسرائيل حتى التاسع من كانون الأول. وطالب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة السفير فاسيلي نيبينزيا إسرائيل، في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن بشأن سوريا ليل الإثنين، بـ"تحديد" الأجزاء التي تعتبرها ضمن أراضيها في الجولان. على أن دخول إسرائيل على مشهد الفوضى السورية قد يحمل أبعاداً بعيدة المدى. ولا يمكن استبعاد أن إسرائيل بضربها الجيش السوري تحول بذلك دون استعادته توازنه أو ترميم قدراته على المدى المنظور. وعدم وجود جيش قوي يعني تهديداً لوحدة سوريا وإفساحاً في المجال أمام طرح صيغ أخرى لمستقبل البلاد. ويتعين التوقف ملياً عند تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي قال الإثنين إن "التفكير في قيام دولة سورية واحدة، مع سيطرة فعالة وسيادة على كل مساحتها، أمر غير واقعي". ربما يفسر هذا الموقف الكثير من أهداف الحملة العسكرية الإسرائيلية على سوريا، ويبعث برسالة مفادها أن التغيير الاستراتيجي الذي تنشده إسرائيل في الشرق الأوسط بات يقتضي نظرة جديدة إلى خرائط الدول وإعادة رسمها من جديد، بما يتوافق مع رؤية إسرائيل لنظرية الأمن لديها. وبحسب مديرة برنامج سوريا في معهد دراسات الأمن القومي كارميت فالنسي، فإنه "مع رحيل الأسد، وبينما لم تعد إيران لاعباً قوياً في سوريا، فإن ثمة فرصة لدى إسرائيل لاستخدام الديبلوماسية مع اللاعبين الجدد هناك ومحاولة ضمان الأمن". في المحصلة، تنطوي الحملة الإسرائيلية الواسعة على سوريا على مضامين عسكرية... وسياسية على حدّ سواء!
- آخر تحديث :
التعليقات