لا يختلف معظم متابعي الملف السوري حول التغييرات الجوهرية التي حدثت فيه وحوله في الأسبوعين الأخيرين، حيث حدث تغيير جوهري في شكل النظام وطبيعته، والأشخاص الفاعلين فيه، كما اختلفت بيئة علاقاته الخارجية في بُعديها الإقليمي والدولي.

وترسم هذه الخلاصة ملامح التحديات والأعباء، التي تواجه سوريا اليوم، والتي تتجاوز ما كانت تواجهه في السابق، وكان جوهره الأساسي الحفاظ على النظام وبطانته ومصالحهم، ولا سيما رأس النظام بغض النظر عن أي موضوعات وتفاصيل لا تتعلق بالنظام وبطانته مباشرة.

وسط انقلاب الأولويات، يجد العهد السوري الجديد نفسه أمام عبئين متلازمين، العبء الأول مواجهة التركة الثقيلة التي تركها النظام السابق ليس نتيجة وجوده الطويل في السلطة لمدة فاقت الـ55 عاماً، تقاسم السلطة فيها الأب ووريثه الابن، إنما أيضاً نتيجة سياسة القتل والتدمير والتهجير، التي تابعها النظام ضد السوريين في نحو 15 عاماً مضت، دمرت فيها البلاد وتم تحطيم أهلها وإدارة الدولة السورية، كما يواجه العهد الجديد عبء تلبية الاحتياجات الراهنة والمستقبلية للسوريين وبلادهم في ضوء الأوضاع الصعبة التي صاروا إليها، وسط بيئة إقليمية ودولية فيها ارتباكات سياسية واقتصادية وأمنية كثيرة ومتزايدة.

ولأن الأعباء في الاتساع والتنوع المشار إليه، فإن من الطبيعي، أن يركز العهد الجديد على أولويات ذات مكانة خاصة بعدّها تحديات عاجلة، لا يمكن تأخير التعامل معها والتساهل في مقاربتها، ويقع الأمن في أول القائمة، شاملاً الحفاظ على أمن البلد ووحدته، وأمن مواطنيه وحياتهم، وهذا أمر لا يحتاج إلى شروحات في أهميته وضرورته، إنما يكفي قول إنه ومن دون الأمن لا يمكن توفير حتى الاحتياجات الأساسية من ماء وغذاء ودواء، التي هي في جملة تحديات ضرورات الحياة، التي تشمل خدمات الصحة والقضاء والتعليم والمواصلات، والتي ستدفع السوريين للانخراط في الأنشطة الإنتاجية والخدمية في سياق إعادة تطبيع الحياة السورية، وتجاوز ما خلفه العهد البائد من آثار كارثية في جوانبها ومفاصلها المختلفة.

وبالتأكيد فإن في سلم التحديات العاجلة بسوريا، إعادة بناء الدولة السورية وهياكلها الإدارية والتنفيذية، التي تم تحطيمها وتشويهها في الـ15 عاماً الماضية بشكل خاص، نتيجة عوامل متعددة؛ منها سياسات القتل والتهجير للكوادر والخبرات، وتردي مستويات الحياة ونوعيتها، وتوقف وتباطؤ عمل وإنتاج القطاعات الإنتاجية والخدمية، وحالة العسكرة التي جرى تعميمها من جانب النظام والأطراف الأخرى.

لقد باتت على إدارة العهد الجديد مهمة صعبة تحتاج إلى سنوات وسنوات من تعليم وإعداد وتدريب، من أجل تعويض ما خسرته سوريا في هذا الجانب، وتوفير ما سوف تحتاج إليه في المرحلة المقبلة.

ما تمت الإشارة إليه من تحديات عاجلة ليس إلا أمثلة، بعضها مكشوف وآخر سوف يظهر وسط مسيرة العهد الجديد، ومثل ذلك وضع التحديات التي سيكون علاجها طويل الأمد، وتحتاج إلى مزيد من الاهتمام والتدقيق والجهد والوقت والإمكانات. غير كل التحديات، سوف تحتاج إلى توفير بيئة مساعدة في المستويين الداخلي والخارجي، خلاصتها توفير دعم ومساندة سياسية ومادية وتقنية أيضاً، وما لم تتوفر البيئة الداعمة في عالم لا يمكن لأحد أن يكون خارجه، فإنه لا يمكن تحقيق أي تقدم.

سيكون على العهد السوري الجديد، أن يقيم علاقات حيوية وتفاعلية في داخله ومع مواطنيه أولاً، ثم مع الإطار العربي الحاضن والداعم الذي لابد منه، ومع المحيط الدولي، الذين لولاهم ما استطاع العهد الجديد، أن يولد بهذا اليسر وتلك السهولة، رغم أهمية روح التغيير السورية واستعداد السوريين الكبير للتضحية من أجل الخروج من قبضة نظام القتل والتدمير والتهجير الذي كانوا تحت سيطرته لوقت طويل.