على خلافِ ما كانَ حسن البنا في مدرسةِ دار العلوم، كانَ سيد قطب نابهَ الذّكر في هذه المدرسة.

يقول صلاح عبد الفتاح الخالدي في كتابه «سيد قطب، الأديب الناقد والداعية المجاهد والمفكر المفسر الرائد»:

«كان يدير النقاشات الأدبية والنقدية بين الطلاب في الكلية، وينقسم الطلاب حول ما يثيره إلى قسمين أو أكثر، وكان هو يتزعم الفريق الذي يرى رأيه، وتدور بينه وبين الفريق الآخر نقاشات عنيفة حادة... وكان أساتذته يقدرون نبوغه وذكاءه، وإن خالفهم في بعض نظراتهم الأدبية والنقدية. ولذلك دعوه لإلقاء محاضرة أدبية نقدية في الكلية سنة 1932، وهو طالب في السنة الثالثة فيها، وحضر المحاضرة أساتذته وزملاؤه الطلاب، وقدمه في محاضرته، وعقّب عليها أستاذه محمد مهدي علّام».

هذه المحاضرة كان عنوانها «مهمة الشاعر في الحياة وشعر الجيل الحاضر»، وقد طبعت في كتيب. وأول طبعة منه كانت في عام 1932، هذا إذا ما أخذنا بتاريخ تقديم محمد مهدي علّام للكتيب الذي أرّخ لكتابته للتقديم بـ 28 فبراير (شباط) سنة 1932، أو قد تكون في سنة 1933، كما ذهب إلى ذلك عبد الله الخباص في كتابه «سيد قطب الأديب الناقد». وهذا يعني احتمالين هما: إما أن يكون سيد قطب حين صدر الكتيب في السنة الرابعة من دراسته وإما أن يكون طالباً حديث التخرّج.

قال محمد مهدي علام في الثناء على سيد قطب في تقديمه لكتيبه: «ولئن كنت قد قدمت المحاضر سيد قطب بأنه طالب يسرني أن يكون أحد تلاميذي، فإنني أقول اليوم - وقد سمعت محاضرته - إنه لو لم يكن لي تلميذ سواه، لكفاني ذلك سروراً، وقناعة، واطمئناناً أنني سأحمّل أمانة العلم والأدب، من لا أشك في حسن قيامه عليها».

وقال أيضاً: «إنني أعد سيد قطب مفخرة من مفاخر دار العلوم، وإذ قلت دار العلوم فقد عنيت دار الحكمة والأدب».

سيد قطب من سنته الدراسية الأولى في مدرسة دار العلوم، كان ينشر قصائد شعرية ومقالات اجتماعية ومقالات في النقد الأدبي في أكثر من مطبوعة، هذا بالنسبة لنشاطه خارج مدرسة دار العلوم أيام كان طالباً فيها. وفي السنة النهائية من دراسته في هذه المدرسة أسس مع مجموعة من زملائه «جماعة دار العلوم»، وأصدروا في هذه الجماعة مجلة فصلية اسمها مجلة «دار العلوم».

بعد تخرجه في مدرسة دار العلوم سنة 1933، تعين مثل حسن البنا معلماً في مدرسة ابتدائية، وقد تنقل لمدة أكثر من ست سنوات في هذه الوظيفة بين مدارس ابتدائية عدة ثم نقل موظفاً إلى وزارة المعارف عام 1940، وشغل فيها أكثر من وظيفة.

في عام 1935، صدر له ديوان شعري عنوانه «الشاطئ المجهول».

وفي الثلاثينات الميلادية لمع اسمُه بسبب المعارك الأدبية والنقدية التي خاضها منذ عام 1934. وقد استمر في خوض هذه المعارك إلى عام 1947.

في الأربعينات الميلادية أصدر مجموعة من الكتب في الدراسات الأدبية النقدية والبلاغية، هي:

«التصوير الفني في القرآن»، «مشاهد القيامة في القرآن»، «كتب وشخصيات»، «النقد الأدبي: أصوله ومناهجه».

وفي فن القصة أصدر «طفل من القرية» و«المدينة المسحورة» و«أشواك».

في عام 1947 تولى لفترة قصيرة رئاسة تحرير مجلة شهرية هي مجلة «العالم العربي». وفي عام 1948 تولى لفترة قصيرة أيضاً رئاسة تحرير مجلة أسبوعية هي مجلة «الفكر الجديد». وفي أثناء رئاسته لتحرير هذه المجلة حصل التصادم بينه وبين حسن البنا مرشد «الإخوان المسلمين».

الآن حان وقت الإجابة عن السؤال الذي تطرحه المعلومة الأولى التي باح بها الشيخ الغزالي للباحث شريف يونس في رسالته للماجستير عن سيد قطب، وهو: لماذا يرفض سيد قطب نشر رسالة إشادة من زعيم ديني سياسي في مصر، كحسن البنا بمجلة، هو يرأس تحريرها؟

ذكرت في المقال السابق أن حسن البنا وسيد قطب قرينان في تاريخ الميلاد، وكلاهما درس في مدرسة دار العلوم، وأن حسن كان خامل الذكر في هذه المدرسة، فلم يكن له نشاط يذكر فيها، في حين أن سيد قطب - كما ذكرت في سطور سابقة - كان نابه الذكر فيها وفي خارجها.

إضافة إلى هذا، كلاهما كان يعمل معلماً في المدارس الابتدائية.

لهذه الأسباب أظن أن سيد قطب وضع شخصه في مقارنة مع شخص البنا، حين برز الأخير بوصفه زعيماً دينياً سياسياً في الحياة الدينية والسياسية في مصر، له أتباع كثر في مختلف أنحاء مصر، فنظر له بمنظور الضغينة والحنق والحسد، معتقداً أنه بلغ منزلة اجتماعية وسياسية ودينية كبيرة من دون أساس موجب وسند مقنع.

وصار يحاكم مواهبه، استناداً إلى رسائله أو كتيباته الدعوية من منظور ثقافي نخبوي، فوجد أنها سطحية وساذجة، ولم ينظر لها نظرة الدارس الذي يلتفت إلى كيف أثّرت في جموع غفيرة، فيحللها على هذا الأساس، بمعزل عن تواضع مستواها.

سيد قطب شديد الكبر في شخصيته ومزهو بثقافته ومتفاخر بشعره ونثره وبمقالاته وبكتبه، فأتيحت له الفرصة المناسبة بأن يشمخ على حسن البنا بأنفه، حين طلب البنا منه نشر رسالة أو كلمة تشيد بمجلته مجلة «الفكر الجديد»، فرفض نشرها، ليظهر له أنه يستصغر شأنه ويحتقره.

فالسبب، سبب شخصي محض ذو طبيعة انتقامية، ولا علاقة له باختلافه السياسي والفكري مع حسن البنا. وللحديث بقية.