إيلاف من واشنطن: في أرشيف الصور التاريخية التي جمعت الرئيس الأميركي الراحل جيمي كارتر، ونظيره المصري الراحل محمد أنور السادات، لا يمكن لعين أن تخطأ في إدراك الاعجاب الشديد من جانب كارتر بالسادات، فقد كان يراه صاحب بذرة الأمل الأولى في التعايش والسلام بالشرق الأوسط.
بل إن كارتر وصف السادات بقوله: "هو أحد أعظم الزعماء الذين قابلتهم في حياتي، لديه هدوء وثقة بالنفس لا مثيل لهما".
وفضلاً عن هذا التعبير الواضح بدرجة الاعجاب الشديد بكاريزما السادات، فقد دعاه كارتر إلى مكان في البيت الأبيض لا يزوره إلا عدد قليل من الناس، وهناك تفاصيل صغيرة توضح عمق العلاقة بين الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس الـ39 للولايات المتحدة الذي رحل عن عالمنا، الأحد، عن عمر 100 عام.
شهادة جيمي كارتر في حق السادات
احتفالًا بالذكرى العشرين لاتفاقية السلام التي أنهت الحرب بين مصر وإسرائيل، قال جيمي كارتر في ندوة بجامعة "ميريلاند" الأميركية عام 1998، إنه كان لزاماً عليه أن يتخلى عن سياسات التحالف الإقليمية المتبعة في العالم وقت بداية توليه السلطة، ليبحث عن وسيلة لإحلال السلام في المنطقة المشتعلة.
فبدأ يلتقي زعماء الشرق الأوسط، خاصةً المتأثرين بالصراع الأبدي، لافتاً في حديثه إلى أنه شعر بالحزن وخيبة الأمل عندما التقى بأكثر من زعامة سياسية في المنطقة، وتلقى الصدمة بعد اللقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين، الذي كان شديد الحذر من تجربة السلام.
وذلك على عكس الرئيس الراحل أنور السادات الذي اتخذ أولى خطوات السلام بعزم وشجاعة وقوة متحدياً بها المجتمعين العربي والصهيوني، وكلاهما لم يتوقع أن الزعيم الذي نجح في إلحاق الهزيمة باسرائيل في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، سيريد عقد السلام معهم وهو الطرف المنتصر.
صداقة صنعت السلام في الشرق الأوسط
ويتابع كارتر وهو يروي شهادته عن كواليس معاهدة كامب ديفيد، فيقول إنه بعد لقائه بالسادات بشأن مباحثات السلام، شعر بما وصفه بقوله :"لقد رأيت نوراً ساطعاً تسلل إلى حياتي بزيارة هذا الرجل الفريد"، فطلب مساعدته في كسر جبل الجليد الذي تكوّن نتيجة 4 حروب بين مصر وإسرائيل.
حينها أخبره أنور السادات بنيته في الإقدام على عمل قمة في الجرأة والصدمة، وهو توجيه دعوة للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من أجل الاجتماع معاً لتعزيز السلام في الشرق الأوسط، وأمام صعوبة تحقيق تلك الخطوة لما ستحدثه من تعقيد يحول دون الوصول إلى اتفاق، فوجئ جيمي كارتر بإعلان السادات عن استعداده لزيارة القدس فوافقه على ذلك مبدياً إعجابه بشجاعته منقطعة النظير.
السادات في الكنيست
وقف السادات في الكنيست الإسرائيلي يلقي على إسرائيل بيان النصر الشاهد على غطرستهم، وتجاهلهم دعواته السابقة للسلام التي بدأها عام 1971، أي قبل اندلاع الحرب بعامين.
لقد كان حدثاً بالغ الأهمية، فقد قررت الكنيسة المعمدانية الأولى في واشنطن، إنهاء صلواتها مبكراً حتى يتمكن الجميع من العودة إلى منازلهم ومشاهدة خطاب السادات التاريخي عام 1977، الذي حدد فيه المطالب القصوى للعالم العربي في العيش بسلام والحفاظ على الأرواح وحماية حقوق الشعوب، في العيش في مناخ بعيد عن الحرب والدماء.
وبعدها وجه السادات دعوته لرئيس الوزراء الاسرائيلي في ذلك الوقت مناحيم بيجين، للانضمام إليه في الأراضي المصرية التي تمت استعادتها من الحرب، وهو ما تبين أنه كارثة، فلقد كانا غير متوافقين على الإطلاق، ولم يمض على لقائهما سوى 20 دقيقة حتى ابتعدا عن بعضهما البعض في عنف وغضب.
ليقرر كارتر استضافتهما في كامب ديفيد بولاية ماريلاند، وذلك بوصفه الحل الوحيد لكسر العداء بين الطرفين، فكتب لهما خطابات طويلة بخط اليد، ووافقا على اللقاء في النهاية لتخرج إلى العالم سنة 1978 تلك الصورة الأيقونية للسلام في المنطقة العربية والشرق الأوسط ككل بتشابك أيدي القادة أنور السادات وجيمي كارتر ومناحم بيجن.
التعليقات