في أواخر الأسبوع الماضي، قام أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بجولة ميدانية في جنوب لبنان، وتحديداً في المناطق الحدودية قرب بلدة الخيام وكفركلا، حيث ظهر في مواقع عسكرية إسرائيلية مقابلة لهذه البلدات. نشر أدرعي صوراً وفيديوات على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها وهو يتحدث من مواقع عسكرية مقابلة للحدود اللبنانية. كما ألقى كلمة باللغة العربية، تحدث فيها عن "حزب الله"، وذكر أن عناصره كانوا يرشقون الجدار الحدودي بالحجارة في الماضي، قائلاً إنهم "اختفوا" وإن "المسرحية انتهت". وصف أدرعي جولته بأنها تحمل "رسالة واضحة"، وهي أن "حزب الله" يستخدم البنية التحتية والسكان كـ"دروع بشرية". قال: "نحن خلّصنا هالمهزلة، وهنّي انضبوا"، في إشارة إلى عناصر "حزب الله" الذين كانوا يتواجدون في تلك المناطق سابقاً. الهدف من الجولة كان إيصال رسالة دعائية واستراتيجية، مفادها أن إسرائيل تسيطر على الوضع الأمني في الجنوب، وأن "حزب الله" تراجع. وتأتي هذه الجولة في سياق حرب إعلامية ونفسية، تهدف إلى تقويض صورة "حزب الله" أمام جمهوره، إحباطاً للدعاية التي تقول إنّ الحزب إنما يتمسك بسلاحه من أجل التصدي لإسرائيل والدفاع عن لبنان. الجولة جاءت تكريساً للعمليات الأمنية والعسكرية التي تقوم بها إسرائيل في لبنان، وتزامنت مع نقاش داخلي لبناني حول حصر السلاح بيد الدولة، وهو ما استغلته إسرائيل لتوجيه رسائل سياسية ضد "حزب الله". ولكن هذه الجولة للمتحدث باللغة العربية المكلف التسويق للجيش الاسرائيلي لدى الناطقين بلغة الضاد، تبرز كجزء من استراتيجية دعائية تهدف إلى تقويض سردية المحور الإيراني ضد إسرائيل ولمصلحة جدوى “المقاومة”. وقد جاءت جولة أدرعي في سياق تضمن المحطات الآتية: - في اليمن: لم يقتصر استهداف مواقع الحوثيين على البنية العسكرية، بل ركز، في الهجوم الأخير على مراكز إعلامية تُصنّف كأدوات دعائية، في محاولة لتقويض الخطاب التعبوي الذي تتبناه الجماعة. - في غزة: كان اغتيال أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، ضربة رمزية تهدف إلى إسكات الصوت الكاريزماتيكي الذي شكّل جزءاً من الرواية المقاوِمة، ونجح في بناء صورة إعلامية مؤثرة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. - في قطر: الهجوم الإسرائيلي، وإن كان هدفه المعلن ضرب قيادة "حماس" السياسية، إلّا أنه، استهدف بين ما استهدف أيضاً، الدولة المالكة والمموّلة لأهم شبكة إعلامية تحمل سردية "حماس" ضد إسرائيل، بحيث "تشيطن" إسرائيل. وما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الإثنين، عن حاجة قطر الى إقامة "علاقات عامة أفضل" توقف "الكلام السيّئ حول دورها"، يدخل في هذا السياق الذي تشكو منه إسرائيل وتريد لجمه إن كانت الدوحة تريد المواظبة على لعب دور إقليمي رائد، لجهة ضلوعها في الوساطات. - داخل إسرائيل: تمّ إنشاء جهاز خاص لمكافحة "الدعاية المضادة"، في خطوة تعكس إدراك المؤسسة الأمنية لأهمية المعركة الإعلامية في تشكيل الرأي العام، سواء داخل إسرائيل أو خارجها، خصوصاً في ظل تصاعد تأثير المنصات الرقمية. إن ما نشهده اليوم هو بداية انتقال واضح من المواجهة العسكرية إلى ساحة أكثر تعقيداً: ساحة السرديات. إسرائيل لم تعد تعتمد فقط على تفوقها العسكري، بل باتت تستثمر في أدوات التأثير النفسي والإعلامي، مستهدفة الرموز والخطابات التي تمنح المقاومة شرعيتها الشعبية، بعدما تدهورت صورتها، بشكل دراماتيكي، في العالم. في المقابل، فإن قدرة "حزب الله" وحركات المقاومة الأخرى على الحفاظ على سردية متماسكة، أصبحت أكثر تعقيداً، لأنّ إسرائيل لا تعتمد فقط على الشعارات، بل على الفعل الميداني الفعّال.