عماد الدين حسين

يكرهه كثير من اليساريين والعلمانيين لأنه يدافع عن قضايا المسلمين، ويكرهه كثير من الإسلاميين، لأنه علماني يساري يدافع عن الأقليات، ويكرهه كل الأغنياء لأنه يدافع عن الفقراء والطبقة المطحونة والمتوسطة، ويكرهه حتى العديد من أعضاء حزبه الديمقراطي لأنه واضح في يساريته واشتراكيته، ويكرهه كل أنصار إسرائيل لأنه من الأمريكيين القلائل الواضحين في معارضتهم للسياسة الإسرائيلية والمؤيدين للحقوق الفلسطينية.

هذا الرجل هو زهران ممداني الذي حقق المفاجأة الكبرى وفاز باكتساح في انتخابات بلدية نيويورك متغلباً على منافسين أشداء في حزبه الديمقراطي وكذلك في الحزب الجمهوري.

فوز ممداني يمكن قراءته من عشرات الزوايا، إحداها أنه يؤكد وجود حالة حادة من الاستقطاب في المجتمع الأمريكي.

ومن هنا جاءت فكرة أن النظام السياسي الأمريكي ثابت، والمتغير فقط هو اسم الرئيس أو الحزب حتى عندما فاز الرئيس باراك أوباما بالرئاسة عام 2008 اعتقد كثيرون أنه سيغير الدستور والمشهد السياسي بصفة عامة، صحيح أن فوز أوباما، المنحدر من أصول أفريقية، كان زلزالاً سياسياً وقتها، لكنه لم يسجل أي هزات كبرى، وظلت السياسة الأمريكية شبه ثابتة رغم أنه قضى فترتين استمرتا حتى عام 2016.

حجم التغييرات التي أحدثها ترامب في المشهد السياسي في الولاية الأولى لم يكن كبيراً بحكم وجود مسؤولين كثيرين حوله ينتمون إلى الدولة العميقة التي لا تحبذ الهزات الكبرى، لكن ورغم مرور أقل من 10 شهور فقط على عودته للبيت الأبيض، فقد نسف ترامب العديد من الأفكار الأساسية التي يقف عليها النظام السياسي، بل ويلمح إلى رغبته في فترة رئاسية ثالثة، في مخالفة صريحة للدستور.

ظاهرة ممداني تشكل الجانب الآخر المتطرف من نسخة ترامب، ولكن في اتجاه اليسار.. فالحملة الانتخابية لهذا الشاب هي النقيض الكامل لكل أفكار ترامب.. فإذا كان الأخير ذا نزعة يمينية محافظة جداً خصوصاً في الاقتصاد، فإن ممداني المسلم الذي يتباهى بأنه اشتراكي يتحدث عن سياسات شديدة اليسارية من قبيل ملاحقة الأغنياء في نيويورك، ومنهم ترامب، حتى يدفعوا ما عليهم من حقوق من أجل حل مشاكل فقراء ومعدمي المدينة، ترامب يحارب المهاجرين وممداني يدافع عنهم باستماتة ويتحدث عن سياسات اقتصادية متصادمة تماماً مع النظام السياسي الأمريكي، بل للكثير من برامج وأفكار الحزب الديمقراطي الذي ينتهى إليه، وبالتالي فالسؤال المهم: هل ينجح ممداني في إقناع غالبية أعضاء حزبه الديمقراطي بهذه الأفكار مثلما فعل ترامب مع حزبه الجمهوري من قبل؟ السؤال صعب جداً ويحتاج وقتاً للإجابة عنه، لكن نجاح ممداني يعني أن المجتمع الأمريكي مقبل على مزيد من الاستقطاب والتطرف وهو ما سينعكس على أماكن كثيرة في العالم.