يُسلّط انهيار وقف النار بين كمبوديا وتايلاند وبين الجيش الكونغولي وحركة "إم 23" الموالية لرواندا، الضوء على حربين يزعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنه تمكن من إيقافهما في سياق جهوده لوقف 8 حروب في العالم. لجأ ترامب قبل أشهر، إلى تهديد كمبوديا وتايلاند بالعقوبات الاقتصادية، في حال لم توقفا الحرب التي اندلعت بينهما بسبب خلافات حدودية، لكنه لم يذهب إلى أعمق من ذلك، كالبحث عن الأسباب الجذرية للنزاع، مما أبقى الجمر متوقداً تحت الرماد. ولم يكد يجف حبر اتفاق السلام بين الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي والرئيس الرواندي بول كاغامي برعاية ترامب في واشنطن الأسبوع الماضي، حتى استأنفت حركة "إم 23" هجومها على مدينة أوفيرا الاستراتيجية في شرق الكونغو الديموقراطية. ومعلوم أن الجيش الرواندي يدعم الحركة التي تضم مقاتلين من عرقية التوتسي، في مواجهة الجيش الكونغولي المدعوم من بوروندي. وحتى حرب غزة أيضاً، لا يمكن اعتبارها نزاعاً متوقفاً بشكل تام، نظراً إلى أن إسرائيل تنتهك وقف النار يومياً، بينما أصل المشكلة لا يزال بعيداً من المعالجة. وكذلك، لا يوجد سلام مستدام بين الهند وباكستان، وإنما وقف للنار في الوقت الذي تبقى المشاكل الفعلية التي تسببت بثلاث حروب بين البلدين، موجودة ومستعصية على الحل، على غرار النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، الذي يعود إلى عام 1948 وما قبل. وهناك النزاع المصري-الأثيوبي حول سد النهضة والذي يعزو ترامب الفضل لنفسه في منع نشوب حرب بين الجانبين. أما أصل المشكلة فلا يزال قائماً، ولم تتوصل القاهرة وأديس أبابا إلى اتفاق مستدام على تقاسم مياه النيل. أما أوكرانيا، فلا يبدو أن ظروف الحل قد باتت متوافرة، على رغم كل الضغوط التي يمارسها ترامب على كلٍ من موسكو وكييف. ويقف الأوروبيون إلى جانب أوكرانيا، بينما يبدي الرئيس الأميركي مرونة إزاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولم تظهر مؤشرات على أن أخطر نزاع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، في طريقه إلى الحل بسهولة. وهناك السودان أيضاً وتعقيداته. ولم تحرز الوساطة الأميركية الأخيرة أي تقدم يذكر، في الوقت الذي تمضي فيه الحرب في مسار تصعيدي. يهم ترامب أن يظهر بمظهر صانع للسلام. لكن تهديده بغزو بري لفنزويلا، يفقده الصدقية على هذا الصعيد. فهو من جهة يطفيء حروباً ومن ثم يعمد إلى التهديد باشعال أخرى. حتى أنه يهدد بتوسيع الحرب على القوارب التي يزعم أنها تنقل مخدرات في البحر الكاريبي، من سواحل فنزويلا، إلى المكسيك وكولومبيا. ويطلق الرئيس الأميركي تصريحات يستشف منها اعتزامه شن غزو بري وشيك لفنزويلا، في حال لم يرضخ رئيسها نيكولاس مادورو، لطلبه التنحي عن السلطة. ويحاول الكاتب في صحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية ديفيد إغناتيوس، تلمس الأسباب التي تقود إلى اخفاق ترامب في وقف دائم للنزاعات، فيقول إن الرئيس الأميركي "يركل أكثر من كرة ديبلوماسية في الوقت عينه. فمن أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، يعد الرئيس بما لا يستطيع تحقيقه". أما الكاتب في صحيفة "الغارديان" البريطانية بيتر بيمونت، فيرى أن ترامب يميل إلى إيران أكثر من الغوص في عمق النزاعات وأسبابها، مما يجعل التسويات التي يتوصل إليها تحمل طابعاً موقتاً. وهذا ما حدث بالضبط في مسألة وقف النار بين كمبوديا وتايلاند ومن ثم بين الكونغو الديموقراطية ورواندا، بينما قللت الهند أساساً من الدور الأميركي في لجم الاشتباكات الحدودية مع باكستان في أيار الماضي. ولا يخفي ترامب طموحه إلى الفوز بجائزة نوبل للسلام. وهو من خلال تعظيم دوره في وقف الحروب هنا وهناك، فإنه يقدم نفسه على أنه يستحق الجائزة أكثر من أي شخص آخر على ظهر الكوكب.