الاجتماع الثالث لـ"اللجنة الثلاثية السعودية- الصينية- الإيرانية" الذي عقد في العاصمة طهران في 9 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، يكتسب أهميته في ضبط مسار العلاقات الثنائية بين السعودية وإيران، وهي التي عادت برعاية صينية عام 2023، وشكلت صمام أمانٍ في منطقة شديدة الاضطراب. ويعتقد مراقبون أن هذه العلاقة لو لم تكن، لكان الوضع الأمني والسياسي أكثر توتراً في الشرق الأوسط، إذ استطاع البلدان نزع فتيل التوتر في العديد من الملفات، وذلك بفضل التعاون الثنائي وسياسة الرياض الخارجية القائمة على الحوار الصريح والشفاف واحترام سياسات كل دولة ومصالحها وشؤونها الداخلية. "البيان" الذي صدر عن الاجتماع الثلاثي ونقلته "وكالة الأنباء السعودية" لا يعكس لحظة توافق سياسي شامل – فهي بالأساس غير متحققة - بقدر ما يكشف انتقال العلاقة من منطق "استعادة التواصل" إلى منطق "ضبط الاستمرارية ودفعها" في بيئة إقليمية شديدة السيولة، وترسيخ الحوار وسيلة وحيدة لحل التباينات بين البلدين. تركيز "البيان" على مرجعيات القانون الدولي وميثاق "الأمم المتحدة" و"منظمة التعاون الإسلامي" مقروناً بالتشديد على احترام السيادة ووحدة الأراضي والأمن، يشير إلى رغبة في ديمومة العلاقات على أسس متينة، وإطار واضح قابل للقياس والمساءلة، لا داخل تفاهمات فضفاضة تسمح بتفسيرات متناقضة! إنها محاولة لإغلاق مرحلة عدم الوضوح والازدواجية، الذي كان يُستخدم لإدارة تناقضاتها الوكلاء الإقليميون والميليشيات المسلحة وأدوات ضغط غير قانونية. في هذا السياق، يبرز الدور الصيني بصفته أداة ضبط، من دون أن يعني ذلك أن بكين هي من تحدد المسار أو توجهه أو ترسم خطواته المستقبلية! الإشارة في البيان الذي صدر عقب الاجتماع إلى "المتابعة" و"الدعم المستمر" تعكس إدراكاً سعودياً وإيرانياً، أن العلاقة الثنائية لا يمكن تركها رهينة الإيقاع الإقليمي الذي تؤثر فيه عوامل أخرى كالسياسات العدوانية الإسرائيلية حيال سوريا ولبنان وفلسطين، والأزمات المعلقة في اليمن وليبيا، والحرب في السودان، والميليشيات المسلحة التي قامت في وقت سابق بأدوار إقليمية مضرة! ضمن هذا الإطار العام، تكتسب الإشارة إلى اليمن دلالتها الحقيقية، وذلك بصفته ملف اختبار حقيقي ليس للنيات وحسب، بل للأعمال. فالسعودية تدعم المصالحة و"الحكومة الشرعية" في اليمن، وإيران تدعم "الحوثيين". والتوصل إلى بناء شراكة حقيقية بين اليمنيين، بعيداً من قوة السلاح، ودعم مساعي الرياض للسلام، سيرسلان إشارات عن مدى صدقية الخطاب الذي يطلقه الساسة في طهران! "البيان" تحدث صراحة عن "دعم الحل السياسي الشامل في اليمن" تحت رعاية "الأمم المتحدة" ووفق المبادئ المعترف بها دولياً. وهذه الصيغة المقتضبة تعكس قراراً استراتيجياً لدى المملكة تريد من خلاله إخراج اليمن من الجمود السياسي. إن الاجتماع الثلاثي بإمكانه أن يؤسس لعلاقة تُدار بفاعلية، وتتطور بواقعية، بناء على الثقة المقرونة بالأفعال، من دون أن تُترك العلاقات في مهب التأثير السلبي الخارجي! نجاح هذا المسار لن يكون سهلاً، لأنه يتطلب إبقاء الملفات الدقيقة بعيدة من التدهور الأمني والسياسي، وضبط إيقاعها عبر التنسيق المشترك الدائم، ووضع جدول زمني وخطط عملانية، تدفع نحو حلول دائمة، وليس مجرد إدارة الأزمات أو تدوير الزوايا الموقت. هنالك بالتأكيد مصالح مختلفة، وسياسات مستقلة لكل من إيران والسعودية، وهنالك اجتماعات، وتحديداً الجانب الأمني سيكون صريحاً فيها، إلا أن وجود إرادة سياسة عليا من قيادتي البلدين، وترجمة لهذه الإرادة، وشفافية في التطبيق، كل ذلك يمنح دفعة مستقبلية للعلاقات الثنائية، ويساهم أيضاً في التوصل إلى حل سلمي لـ"الملف النووي" وملف "الصواريخ البعيدة المدى"، يحفظ مصالح دول الخليج العربي وإيران والولايات المتحدة.
- آخر تحديث :















التعليقات