
تجمع آراء الخبراء وصنّاع الاستثمار المحليين والدوليين، على أن الاقتصاد السعودي يعيش اليوم عصرًا ذهبيًا وازدهارًا غير مسبوق مدفوعًا بزخم استثماري، وتدفّق متواتر للاستثمارات ورؤوس الأموال التي يتسابق أصحابها لنيل حصّتهم من الفرص الواعدة التي تزخر بها السوق السعودية مع موجات التحولات النوعية التي تشهدها المملكة على أكثر من صعيد وأكثر من قطاع.
وانفتاح شهية المستثمرين العالميين نحو السوق السعودي، تأتي استجابة لمنظومة عمل متشابكة ولا تهدأ، عكفت عليها دون كلل الإدارات الوطنية المعنية لتبديل الصورة النمطية المتراكمة عن البيئة الاستثمارية المحلية، وتكللت جهودها بالنجاح مع تزايد الاهتمام العالمي وتنامي الثقة بمستقبل الاستثمار في المملكة، لا سيما في ظل عمليات الإصلاح الشاملة التي خضعت لها بيئة الاستثمار في المملكة من الناحية الاقتصادية والتنظيمية والقضائية والإجرائية وحتى الاجتماعية، المحاطة بحزم من المحفّزات والمزايا التنافسية التي دفعت بتحويل المملكة إلى نقطة جذب معتبرة لرؤوس الأموال الأجنبية الباحثة عن النمو في مناخ منتعش وواعد.
ورغم أن قطاعات الطاقة الخضراء، والتقنية، والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية والبنية التحتية كانت من بين أكثر القطاعات استحواذًا على اهتمام المستثمرين الأجانب؛ إلا أن الإعلام الرياضي في المملكة، والذي يشهد تحولًا نوعيًا أهّله هو الآخر ليكون أحد أكثر القطاعات جاذبية للاستثمار في المنطقة، مدفوعًا برؤية 2030 التي وضعت الرياضة والإعلام ضمن ركائز التنويع الاقتصادي، وركنًا من أركان بناء اقتصاد معرفي قائم على المحتوى والإبداع.
هذا التحول النوعي للإعلام الرياضي، دعمه بشكل رئيس تحول المملكة إلى مركز إقليمي ودولي للأحداث الرياضية الكبرى، مع احتضانها لمنافسات عالمية في كرة القدم، والملاكمة، وسباقات الفورميلا 1، إضافة إلى تنامي قوة الدوري السعودي للمحترفين مع استقطابه لنجوم عالميين وتحوله بالتالي إلى منصة جذب جعلته في صدارة المشهد الإعلامي الرياضي العربي والإقليمي بل والعالمي أيضًا، في الوقت الذي أضاف فيه نجاح ملف ترشح المملكة لاستضافة منافسات كأس العالم 2034 فصلاً نوعيًا آخر من فصول رواية التحوّل.
وتمكّن هذا الزخم في البيئة الرياضية السعودية من خلق طلبًا متزايدًا على المحتوى الإعلامي المتخصص، سواء الرقمي أم المرئي أو التفاعلي، ما فتح بالتالي الباب على مصراعيه أمام المستثمرين ورواد الأعمال الباحثين عن قطاعات بكر تحيط بها فرص النمو من كل جانب.
بلغة الأرقام.. فإن التقديرات تشير إلى تجاوز حجم السوق الرياضي السعودي 8 مليارات دولار في عام 2024، مع توقعات بوصوله إلى ما يقارب 22 مليار دولار بحلول عام 2030، مدفوعًا باستثمارات حكومية وخاصة فيما بلغ حجم الاستثمار في شركات التكنولوجيا الرياضية الناشئة في المملكة خلال الفترة من 2020 – 2024 أكثر من 7.4 مليون دولار، واحتضان أحداث رياضية عالمية قدّر مجموعها أكثر من 30 فعالية دولية كبرى خلال نفس الفترة، مع ما رافق ذلك من توسع قاعدة المتابعين محليًا ودوليًا، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على قيمة الإعلام الرياضي على اعتباره الواجهة الرئيسة لتسويق المنتج الرياضي وتعظيم عوائده.
يضاف إلى ذلك البنية الرقمية القوية التي تتمتع بها المملكة والتي تعزز بدورها من جاذبية الإعلام الرياضي السعودي الاستثمارية، حيث تشير البيانات إلى أن أكثر من 95 % من سكان المملكة يستخدمون الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فيما تمثل الفئة العمرية تحت سن 35 عامًا 71 % من السكان، ما يعني تركيبة ديموغرافية ديناميكية وأكثر قدرة على التفاعل مع المحتوى الرياضي الرقمي.
هذه المؤشرات تكشف بوضوح عن سوق استهلاكية ضخمة للمحتوى الإعلامي الرياضي، ما يفتح المجال أمام نماذج استثمارية واعدة وجاذبة للاستثمار الأجنبي، تشمل الإعلانات الرقمية، والرعايات، وصناعة المحتوى للعلامات التجارية، إضافة إلى الشراكات مع الأندية والاتحادات الرياضية، واكتشاف المواهب وتسويقها، وحقوق البث والنقل التلفزيوني حيث ساهم الانتشار العالمي للدوري السعودي للمحترفين الذي يبث حاليًا في أكثر من 180 دولة حول العالم عبر منصات وقنوات عالمية من رفع القيمة التسويقية للمحتوى الرياضي السعودي وتعزيز جاذبيته للمستثمرين في الإعلام والبث الرقمي مع مايتيحه هذا النوع من الإعلام من خيارات لقياس التفاعل، وتحليل سلوك الجماهير بدقة، الأمر الذي ساهم بدوره في تحويل الرياضة السعودية إلى منتج إعلامي قابل للتصدير، وبيئة خصبة ذات معايير عالمية لجذب الاستثمار..
عالميًا، تمكنت تجارب الإعلام الرياضي الرائدة من كسب ثقة المستثمرين في هذا القطاع، حيث نجحت منصة DAZN في بناء نموذج بث رقمي قائم على الاشتراكات وحقوق البث، وجذبت استثمارات بمليارات الدولارات، فيما استطاعت منصة The Athletic المعتمدة المحتوى المتخصص المدفوع، من تحقيق قيمة سوقية عالية انتهت باستحواذ إحدى أكبر المؤسسات الصحفية العالمية عليها.
سعوديًا؛ لم نكن بعيدين عن تلك التجارب. حيث قدّمت منصة «كوره بريك» نموذجًا للإعلام الرياضي الرقمي الذي تمكن من استثمار الزخم الكروي المحلي، باعتماده على المحتوى السريع والتحليل المباشر والتفاعل مع الجمهور عبر المنصات الرقمية. وقد أسهم هذا النهج في بناء حضور رقمي متنامٍ، عكس قابلية المشاريع الإعلامية المحلية للتحول إلى فرص استثمارية حقيقية جديرة بكسب ثقة المستثمرين العالميين، إذا ما تمكنت من تطوير نماذج أعمال مستدامة.
حيث تمكنت «كورة بريك» التي باتت أسرع تطبيقات كرة القدم نموًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتحظى اليوم بمتابعة أكثر من 800 مليون مشاهدة شهريًا عبر حزمة من الحسابات الواعدة وشراكات مع المسابقات الكبرى على رأسها الدوري الإيطالي والدوري السعودي للمحترفين في نهاية عام 2024 من إغلاق جولة استثمارية ناجحة بعدة ملايين من الدولارات مع مجموعة «فرديناند» المملوكة لأسطورة كرة القدم الإنجليزية «ريو فرديناند»، في صفقة تعد الأولى من نوعها التي تستثمر فيها شركة دولية في منصة إعلام رياضي في المملكة العربي السعودية، وتستهدف الوصول إلى قطاع أكبر من الجماهير في أسواق جديدة في أوروبا وآسيا وخلق فرص واعدة لصناعة المحتوى العربي والإنجليزي.
في المحصلة؛ فإن ما قدّمته «كورة بريك» من نموذج ريادي للإعلام الرياضي السعودي، يؤكد أن هذا القطاع الاقتصادي الذي تتقاطع فيه الرياضية مع الإعلام والتقنية، بات يمثّل بوابة واعدة لجذب الاستثمار الأجنبي، ويؤكد ايضاً على قدرة السوق السعودية على إنتاج تجارب إعلامية قابلة للنمو والتطوير وتستحق التشجيع والأخذ بيدها، لتحفيز قدرتها على جذب رأس المال الأجنبي، بما يدفع مستهدفات التنويع الاقتصادي وبناء اقتصاد المحتوى الرقمي.















التعليقات