أعلن السيد مسعود بارزاني مرة أخرى قبل عدة أشهر إستعداده للتخلي عن منصبه كرئيس لإقليم كردستان!. وأستقبلت تصريحاته بهذا الشأن بترحاب من لدن الجماهير العريضة،على أمل أن تكون هذه المبادرة مفتاحا لحل الأزمات السياسية والإقتصادية المستعصية بكردستان.حتى أن العديد من الأحزاب تشجعت و" تجرأت" بترشيح عدة أسماء ليكونوا بدلاء عن السيد بارزاني لرئاسة الإقليم.. وبدأت قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بجولة جديدة من المفاوضات مع الأحزاب الرئيسية بهذا الإتجاه، ولإضفاء طابع من التشويق والإثارة على المبادرة التاريخية التي تقدم بها السيد بارزاني، خرج علينا المتحدث الإعلامي برئاسة الإقليم بتصريح يؤكد فيه، أن رئيسه سيتخلى عن السلطة وهو بإنتظار حسم المرشح البديل عنه لكي يسلمه الأمانة ويقف خلفه داعما وسندا لأداء مهمته بتمام وكمال..

لكن..قيادة الحزب الديمقراطي أوقفت فجأة مفاوضاتها مع الأحزاب، وأكد السيد بارزاني بذاته في تصريحات صدرت عنه أثناء مشاركته بمنتدى دافوس الإقتصادي بسويسرا، بأن تلك المفاوضات قد ولت الى الأبد. فيما أرغم المتحدث الإعلامي الى التراجع عن بشارته الطيبة مؤكدا بأنه حدث خطأ في ترجمة تصريحاته بشأن تخلي السيد بارزاني عن منصبه وقال ما نصه" أن حقيقة الحديث حول المبادرة هو ان البارزاني اقترح للأحزاب الكردستانية إختيار شخص آخر لرئاسة الإقليم وانه سيدعمه ويقف معه، إضافة إلى انتخاب هيئة رئاسة جديدة للبرلمان وتشكيل حكومة فاعلة”. وأضاف “أبدي أسفي لتحوير التصريح ونشره كما لو أن الرئيس قد قرر ترك موقعه” نافيا “تلك الانباء جملة وتفصيلا"؟!.

وبما أنني لاأدعي بأني " سيبويه" زماني باللغة العربية، ولا بأنني تلميذ نفطويه،لذلك أدعو من قرأوا أو تتلمذوا على يد هؤلاء الفطاحلة من أساتذة الجامعات والمعاهد ومن المؤلفين والشعراء النابغين في مجالاتهم،أن يفسروا لي هذا التصريح الذي يقول" أن بارزاني إقترح على الأحزاب الكردستانية إختيار شخص آخر لرئاسة الإقليم، وأنه أي السيد بارزاني لن يترك موقعه"؟؟؟!!!.

إن هذا التصريح من المتحدث الإعلامي ليس شعرا جاهليا حتى نحتاج الى قاموس أو الى المختار الصحاح لكي نفهمه، كما أنه ليس آية من القرآن حتى نحتاج الى إبن كثير أو القرطبي ليفسره لنا، كل ما في الأمر أنه تصريح واضح بأن تلك المبادرة لاتعدو سوى لعبة أخرى يلعبها بارزاني وحزبه من أجل الإستمرار في السلطة الى أبد الآبدين.

لقد أعلنت في الكثير من حواراتي التلفزيونية ومقالاتي منذ عامين بأن السيد بارزاني لن يتخلى عن السلطة الى يوم أن يتوفاه الله، وأن طبخة تجري في الكواليس إستعدادا لتوريث السلطة من بعده الى أولاده وأحفاده، ولصدقية توقعاتي أشير الى ما خرجت في الآونة الأخيرة من تصريحات ومقالات من مرتزقة إعلا م حزب بارزاني تقول" بأنه في حال تخلي بارزاني عن منصبه كرئيس للإقليم سيتولى إبن شقيقه نيجيرفان بارزاني المنصب من بعده"

وقلت في تلك الحوارات بأن ما يفعله حزب بارزاني منذ إنتهاء الولاية الثالثة الممددة له ورفض البرلمان والأحزاب التمديد الثاني لولايته المنتهية، لا تعدو سوى محاولة منه لكسب المزيد من الوقت وإشغال المجتمع والأحزاب بقضايا ثانوية من أجل إستمرار بارزاني في السلطة غير الشرعية وخارج سياقات القانون والدستور العراقي، وقد نجح حزب بارزاني في ذلك نجاحا باهرا.. ففي كل مرة ينصب فيها فخا للأحزاب الكردية يقعون فيه بكل غباء.. ففي البداية منع هذا الحزب بقرار من مكتبه السياسي دخول رئيس البرلمان الى مدينة أربيل وتعطل بذلك البرلمان، ومضت سنة ونصف تتحدث الأحزاب خلالها عن كيفية تفعيل البرلمان، والذي لم يفعل لحد الآن وسيبقي ذلك حلما أثيرا لدى تلك الأحزاب. ثم جاء حرب داعش ليشغل الكل بقضية أساسية تتطلب بقاء بارزاني كقائد عام للقوات المسلحة وكرئيس للإقليم، واليوم يقترب داعش من نهايته فجاؤا بمسألة مبادرة ترك السلطة..لقد خاضت تلك الأحزاب مفاوضات مستمرة مع حزب بارزاني لأكثر من سنتين ولكن دون جدوى ودون مشروع واضح قابل للتطبيق، وأخيرا دق السيد بارزاني المسمار الأخير بنعش تلك المفاوضات وقال صراحة" بأنه لم تعد هناك ما تسمى بالمفاوضات الخماسية" وبذلك يتبين لنا صدق توجهات وسياسة هذا الحزب في الإستمرار بالسلطة رغما عن أنوف الأحزاب والجماهير.

لقد شدد بارزاني في تصريحاته الأخيرة على أهمية الإتفاق مع الإتحاد الوطني الكردستاني بديلا عن الأحزاب الرئيسية الأخرى، بمعنى إعادة الحياة الى الصيغة الفاشلة بالحكم المسمى" فيفتي فيفتي" وتوزيع السلطة مرة أخرى بينهم بالمناصفة البغيضة وإخراج الأحزاب الأخرى من المعادلة السياسية رغم أن تلك الأحزاب لها إستحقاقات إنتخابية وتحتل أكثر من ثلث مقاعد البرلمان.

إن الإتحاد الوطني الذي دفع ضريبة باهضة نتيجة التمديد الأول لرئاسة مسعود بارزاني المنتهية عام 2013 بخسارة أكثر من عشرة مقاعده في برلمان كردستان، سيدفع ضريبة أُكبر فيما لو توجه مع حزب بارزاني نحو صيغة المناصفة الفاشلة التي أودت بتجربة الحكم الديمقراطي في كردستان، وأنه بإصطفافه الى جانب حزب بارزاني في إقامة سلطة ديكتاتورية تسلطية قامعة إنما يخسر ما بقي له من المصداقية وسط الجماهير وسيكون شريكا في جريمة قتل الديمقراطية التي هي أحد مكونات علمه الحزبي وركن أساسي من أركان نشوئه كحزب جماهيري..ولننتظر الأحداث ونرى..