شيرزاد شيخاني

لم يكن رئيس البرلمان الكردستاني الدكتور يوسف محمد مخطئا حين قال في ندوة سياسية عقدت في كردستان العام الماضي" بأن الإصلاح السياسي الحقيقي لا يأتي من أنصاف المتعلمين".كان الرجل محقا وموفقا في وصف بعض قيادات كردستان بالأميين وبأنصاف المتعلمين، لأن تلك القيادات أثبتت بالدليل القاطع أنها لا تعدو سوى شريحة أمية تمارس الحكم بمنطق العشيرة والأغوات وقطاع الطرق، ولذلك تنتهك القوانين في الإقليم ويداس دستور البلاد تحت أقدام بعض السياسيين،وتسود قوانين العشيرة والديواخانات، حتى تتجرأ عشيرة الزيباري" عشيرة رئيس الدبلوماسية الخارجية العراقية" بجمع أكثر من ثلاثة آلاف مسلح أمام محكمة في مدينة دهوك للمطالبة بتسليم أحد المتهمين بقتل فرد من عشيرتها دون أي إعتبار للقانون وهيبة الدولة،وكما يقول المثل" الطيور على اشكالها تقع"..فلو احترم رئيس الاقليم القانون وتنحى عن السلطة احتراما للقانون بعد انتهاء ولاياته الرئاسية، لما تجرأت هذه العشيرة بإنتهاك القانون وفرض قانونها الخاص للإنتقام،وعلى قاعدة " مفيش حد أحسن من حد" فإن رئيس الإقليم حين يفرض قانون عشيرته على الشعب ويرفض التنازل عن منصبه، فمن حق العشيرة الزيبارية أن تفرض قانونها العشائري للأخذ بالثأر وترفض قوانين الدولة للقصاص من القاتل..وهكذا تصبح قوانين العشيرة هي السائدة في مجتمع الغاب بكردستان.

يتفاخر حزب بارزاني كثيرا بنجاح دبلوماسيته الخارجية،ويستدل بزيارات بعض القادة ورؤساء الدول الى إقليم كردستان، ومعلوم بأن تلك الزيارات بمجملها هي من أجل دفع أبناء كردستان الى أتون حرب بالنيابة عن المجتمعات الأوروبية والأميركية ضد تنظيم داعش الإرهابي، فنحن نريق دمائنا من أجل أن ينعم الآخرون بالنعيم والطمأنينة، ويزهو رئيسنا بلقاءاته على أشلاء أبنائنا التي تطحنها حروبنا بالوكالة عن الآخرين. وبرغم ذلك التفاخر المزيف لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو" أين الدبلوماسية في التصريحات الأخيرة التي أطلقها السيد مسعود بارزاني بشأن تأسيس الدولة الكردية في حال عودة السيد نوري المالكي الى الحكم في العراق؟!.

لدينا مثل كردي يقول"بأن الغراب يعير غرابا بأن وجهه أسود".ينطبق هذا المثل على من يتذرع بدكتاتورية المالكي لتبرير موقف سياسي،وهو نفس الشخص الذي صرح العام الماضي قائلا" بأنه سيشكل دولته الكردية قبل إنتخابات الرئاسة الأميركية"؟!. إن السيد مسعود بارزاني هو آخر من يتكلم عن الدكتاتورية، فهو عطل البرلمان ومنع رئيسه من دخول عاصمة الإقليم السياسية، وهو يمنع أعضاء آخرين من البرلمانيين من دخول أربيل لمجرد أنهم يكشفون أوجه الفساد في سلطة الإقليم.. وهو منع نائب رئيس الإقليم من الحزب الحليف الإستراتيجي له من دخول أربيل أيضا قبل عدة سنوات.. وهو يرفض التنازل عن منصبه رغم إنتهاء ولاياته الثلاث الأصلية والممددة.. وهو عين نائبه وإبن شقيقه رئيسا للحكومة منذ سبعة عشر عاما.. وهو عين ولده رئيسا لمجلس الأمن المحلي وإستحوذ على كل الوزارات والأجهزة الأمنية في الإقليم..وهو يرفض حاليا الجلوس الى طاولة المفاوضات مع الأحزاب الأربعة الرئيسية الأخرى لحل معضلات الإقليم.. وأخيرا يأتي ويصرح برفضه إرادة الشعب العراقي الذي ينتمي إليه دستوريا ويصادر حقهم في إختيار من يقود سلطتهم في العراق، فأين السيد البارزاني من الديمقراطية التي يتشدق بها هو وحزبه ليل نهار؟!.

إن السيد المالكي لم يفرض نفسه على الشعب العراقي، بل رفض التجديد لولايته الثالثة رغم كل المزاعم التي سيقت في حينه بأنه هو المسيطر على المحكمة الفدرالية..وحين أصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي قراره بتنحيته عن منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، إمتثل للأمر وجلس في بيته لأكثر من عام حتى أصدرت المحكمة الإتحادية قرارها بإعادته الى منصبه، وأن السيد المالكي ليس هو بل المحكمة الجنائية ذاتها منعت نائب الرئيس الهارب طارق الهاشمي المتهم بجرائم الإرهاب من دخول العراق.. وأن السيد المالكي لم يعين إبنه وزيرا في الحكومة ولا رئيسا لجهاز المخابرات العراقية، فشتان بين الرجلين.

والأهم من كل ذلك ما هذه اللعبة السمجة بمسألة مصيرية مثل مسألة تأسيس الدولة الكردية، والى متى يظل حزب بارزاني يتلاعب بعقول مواطنيه بتسويق هذه الشعارات الزائفة، لو كان السيد بارزاني قادرا على تأسيس تلك الدولة برغم إعتراضات حليفه السيد أردوغان ومعظم دول الإقليم، لماذا يربط هذه المسألة بالإنتخابات الأميركية وبرجوع فلان أو ذهاب علان؟..إن تأسيس الدولة الكردية لن يتحقق بمثل هذه العروض البهلوانية، بل يتحقق هذا الحلم الكردي بالإرادة الشعبية وبقيادة حكيمة وواعية تعرف كيف تتعامل مع دول العالم بأسلوب دبلوماسي ناجح يقوم على أساس الإقناع بالمنطق وبالقوانين الدولية، والأهم من ذلك هو تهيئة الجو السياسي الداخلي لإنجاح هذه الخطوة بتوحيد الصف الكردي وليس بطرد أحزاب رئيسية حققت في الإنتخابات البرلمانية أكثر من ثلثي المقاعد.. هذه الخطوة تتحقق حين يشبع الشعب وينعم بالرفاهية والطمأنينة على مستقبله، وليس شعبا جائعا مقموعا ومعظم أبنائه ممنوعون من دخول مدنهم.. هذه الأمنية تتحقق فعلا على يد القادة المخلصين والحريصين على مستقبل شعبهم وليس على يد أنصاف المتعلمين الذين يسرقون هذا الحلم الكبير كما يسرقون أموال شعبهم..