الأخ الرئيس ترامب حفظكم الله من كيد الديموقراطيين واليساريين المتنفذين في الإعلام العالمي، المستمرين بمحاولة تشويه صورتكم، رغم كونكم رئيسا منتخبا للولايات المتحدة الأميركية، القوة العظمى في العالم، التي يحدث كل شيء في العالم بسبب تدخلها أو عدم تدخلها.
اسمح لي أن أخاطبكم بصيغة الأخ الرئيس؛ لأني متعلقٌ بها منذ بدايات الثورة اليمنية، حيث كان الناشطون اليمنيون يظهرون على الفضائيات ليصرحوا أن "الأخ الرئيس علي عبدالله الصالح طاغية يجب أن يرحل" أو "نقول للأخ الرئيس صالح أننا لن نتوقف حتى إسقاطه" فوجدت في هذا تعبيراً فائق الدلالة على سلمية جيل ثورات الربيع العربي، التي أفسد مسارها تخبط وتلكؤ وجبن وتواطؤ وعدم تدخل إدارة سلفكم أوباما الذي هزمتموه باقتدار فتنفس العالم الصعداء.
وأود تذكيركم في البداية أني كنت أحد أنصار حملتكم الإنتخابية ضد المرشحة الديموقراطية التي لا أريد تشريفها بذكر اسمها في مقالي الموجه لكم؛ حيث نالت الهزيمة المستحقة والجديرة بها وبحزبها. ورغم أني ديموقراطي إلا أني دائما أصوت للجمهوريين في أميركا لأسباب تتعلق بمصالح المنطقة! وقد سخر أصدقائي في شبكات التواصل من تأييدي الحماسي لحملتكم، فقد كان لدى الجميع قناعة أنكم ستخسرون هذه الانتخابات كما روج الإعلام العالمي الذي يقوده فلول اليسار، وساند سلفكم أوباما بوصفه أحد أعضاء النخبة الثقافية في العالم التي تزعم دائماً أنها تعرف مصلحة العالم وبشره وحيواناته الأليفة والوحشية.
النقطة الأخرى التي أود الإشارة إليها، هي أن لدينا خلفية مشتركة في الأعمال التجارية، فأنا تاجرت في الجوارب طويلا في السعودية، وفشلت في تشكيل إمبراطورية مالية لأسباب متعلقة بقوانين العمل في تلك البلاد وليس لعجز شخصي، وهذا يجعل بيننا أرضية ولغة مشتركة للتفاهم.
اسمح لي أيها الأخ الرئيس بعد هذه المقدمة أن نبدأ حديثنا عن الرقة؛ المدينة التي تم تدميرها كليّاً تقريباً، وتحولت لمحافظة منكوبة. لا أريد هنا مناقشة وتحديد المسؤول عن هذا التدمير! فذلك لم يعد مجدياً؛ لكني أود أن أذكر لكم أني التقيت بعض موظفي إدارة أوباما البائدة بعد خروج الرقة من سيطرة النظام السوري، بطلب منهم لعرض مساعدتهم علينا، لكنهم لم يقدموا شيئاً! وحذرتهم أن المتطرفين قوة تتنامى في المدينة، وإن عدم دعم المجتمع المحلي سيجعلهم يحكمون سيطرتهم على المحافظة. وربما ستجد هذا الكلام منقولا عن لساني في تقاريرهم لمخابراتكم أو إدارتكم.
كان بإمكاننا وأد تنظيم الدولة في مهده ذلك الحين لو تم دعم السكان المحليين بكلفة غارة جوية من غارات التحالف الذي تشكل لاحقاً لمحاربة ماسمي "الدول الإسلامية" التي ملأت شرورها الآفاق. حتى عسكرياً كان لدى السكان المحليين إطار عسكري يحظى بالمصداقة والفاعلية وكان يستطيع دحر شرور المتطرفين. وحتى هذه اللحظة لم أفهم السبب الذي جعل إدارة أوباما تدير لنا ظهرها وتتركنا لقمة سائغة "لحنيش وفنيش ومرقوع الطاقية" كما يقول مثلنا.
نريد أن نبدأ من هذه النقطة أخي الرئيس: مدينة مدمرة، تسيطر عليها قوات حليفة لكم، مع وجود ملحوظ لكم على الأرض، مما يمنع أي مغامرة للنظام أو حلفائه الروس والإيرانيين لشن حرب لاستعادتها وهي مدمرة.
أود أن أوضح لكم شخصيا ولبقية أركان إدارتكم، تحسباً للإشاعة التي يكررها الإعلام المعادي بأن مصيركم كرئيس للولايات المتحدة أصبح على المحك بسبب مشاكل حملتكم الإنتخابية؛ بعض الحقائق التي ربما لا يعرفها خبراء الشرق الأوسط الذين يغذون إدارتكم بالأبحاث مدفوعة الثمن عن المنطقة.
وأهم تلك الحقائق هي أن السكان المحليين ليس لديهم عداء مزمن ضد بلادكم، رغم التغذية البعثية على مدار نصف قرن. فسكان المنطقة يهتمون بمصالحهم المباشرة؛ زراعتهم ومواشيهم وأعمالهم، ولا تعنيهم خطابات الممانعة. كما أنهم لا يقيمون عداءا مع أحد على أسس أيديولوجية، فلم تجد الأفكار والأحزاب الشمولية موطئ قدم لها لدى السكان.
إن سكان الرقة علمانيون بالفطرة ولم يكن للدين دور أساسي في حياتهم، ولم يبنوا مطلقاً هويتهم ومصالحهم على أساس ديني، رغم أن الغالبية المطلقة مؤمنون ويتعاملون مع الله بلطف ومودة كأنه شيخ عشيرة مجاورة لديه قدرة أعلى من قدراتهم. أعني أن الدين لم يكن محددا أساسيا للهوية ولا حتى ثانوياً، فقد كانت البنية الإجتماعية المستقرة التي تحكم علاقاتهم ومصالحهم ولمئات السنين هي العشيرة.
أيضاً لم يكن الشعور القومي جزءا من محددات الهوية والمصالح، فلم يكن لدى العرب الذين هم غالبية السكان أي عداء ضد الكرد، أو الآشوريين، أو الأرمن الذين سكنوا منطقتنا هاربين من المذابح فعاشوا بيننا كجزء من النسيج الاجتماعي. فالكرد وبقية المكونات نعتبرهم أشقاءنا في الظلم والاضطهاد الذي تعرضنا له من النظام البعثي الأسدي البائد، الذي وصفتم رئيسه بالحيوان، وهو وصف فيه تجني على الحيوانات فوحشيته لا يمكن أن يرتكبها حيوان. كما أنهم شركاؤنا في الظلم والإضطهاد الذي تعرضنا له من تنظيم الدولة الإسلامية الذي ورث حكم الأسد في منطقتنا وارتكب البشاعات نفسها.
على هذه الأرضية نريد أن نعيد بناء المدينة ونحرض المجتمع على بناء قدراته! إن أي بناء للسلطات والإدارة لن يكون حقيقيا إذا تم تجاهل البنية العشائرية الزراعية للسكان المحليين، وقد فشل البعث في ذلك كما ستفشل أي سلطة جديدة تتجاهل هذا. لدينا بنية إجتماعية قائمة معروفة القوى وأحجامها وتوزعاتها، بل حتى أسمائها، وتمتلك شبكة اتصالها القائمة والقادرة على جمع الناس؛ وأي محاولة لتصنيع وجاهات مستحدثة لن تفلح فيها لا إدارتكم ولا أي إدارة قادمة وأي تطوير لهذه البنية يجب أن ينطلق منها.
يحاول السكان المحليون في المحافظة ترتيب أنفسهم وفقاً لهذا الأساس، آخذين بعين الإعتبار أن إدارتكم ليس لديها خطة واضحة للمحافظة بعد هزيمة تنظيم الدولة وفقا لتصريحات يكررها علناً أكثر من مصدر رفيع في إدارتكم، ومن هنا يمكن أن نبني تعاوناً مستداماً يقوم على المصالح المشتركة بيننا. نستطيع أن نبني بشكل حقيقي وسهل وسريع مرجعية حقيقية لشرعية الحكم في المحافظة؛ بناءً على توزع القوى القائم داخل البنية العشائرية، من الشيوخ والوجهاء والفاعلين الإقتصاديين والإجتماعيين والسياسيين، وبحكم طبيعة المؤسسة العشائرية فهي قادرة على حشد أفراد العشائر خلفها بفاعلية وطواعية. هذه المؤسسة تستطيع حينها منح الشرعية لأي سلطة او إدارة قائمة أو قادمة ونسستطيع حجبها عنها. بالطبع تستطيع السلطات القائمة أو القادمة أن تحكم وتتحكم كما فعلت الطغمة الأسدية وكما فعل تنظيم الدولة الإسلامية دون حاجة لهذه الشرعية وتستطيع أن تلفق شرعية بديلة لوجودها لكن أؤكد لكم أيها الأخ الرئيس أنها ستزول ولن تيسر لكم التعامل الجاد والحقيقي مع السكان.
إن استراتيجتنا كمجموعة من الفاعلين بسيطة تقوم على بناء مجموعة عمل تمثل عموم السكان، وتقوم هذه المجموعة بدور أساسي في مرحلة الطوارئ الحالية في التواصل مع السلطات القائمة أيّا كان شكلها، ومع السكان المحليين لتحقيق أقصى قدر من مصالحهم لتجاوز هذه المحنة التي نمر بها. ننتقل بعد ذلك لتمكين السكان المحليين في كل قرية ومنطقة وبلدة ومدينة، من إنتاج وانتخاب ممثليهم الحقيقيين، وإدارة شؤون منطقتهم التي ستكون سلطتهم عليا فيها، لن يكون هذا على الطريقة الأسدية التي بدأ الأخوة الكرد تكرارها للأسف. وفقاً لهذا سننشئ مجلس تمثيلي [برلمان محلي] منتخب يحتكر شرعية تمثيل السكان كلياً، وتنبثق عنه سلطة إدارية. هذا ليس اختراعنا إنه نظام عالمي للإدارة. مهمتنا هو موائمة هذا مع البيئة المحلية وإنتاج نظام إدارة حقيقي يجعل لسكان المحافظة سلطة عليا ونهائية على شؤونهم، وسيستمر هذا حتى بعد التسوية السياسية على مستوى سوريا لأننا نحن من يقرر شؤون محافظتنا.
وأود لفت انتباهكم أن البدء بأية أعمال متعلقة بإعادة الحياة للمحافظة، دون بناء هذه المرجعية سيجعل الفساد يأكل جل المساعدات والموارد القليلة التي ستخصص لسكان المحافظة، ولن يحصل السكان المحليين سوى على نزر يسير وهذا حدث من قبل حيث ابتلع أشخاص من المدينة مع شركاء آخرين حفنة الدولارات التي قدمت لإغاثة اللاجئين في المدينة حينها.
إيها الأخ الرئيس ترامب نتطلع لتعاون مشترك يحقق مصالح السكان أولاً ويحقق مصلحة العالم في منع إنتاج التطرف والإستبداد. وترى عازمينكم ياطويل العمر أنت وكل أركان إدارتكم عالغدا متى ماحبيتم.
- آخر تحديث :
التعليقات