قبل اثنان وعشرون عاما اصدر الكونغرس الأمريكي قانونا، يعترف فيه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وظل الرؤساء الأميركيين المتتاليين (كلينتون وبوش الابن واوباما) يعملون على تأجيل تطبيق هذا القرار لأسباب تتعلق بمصالح الولايات المتحدة الأميركية او لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط، ولكي لا يعتبر تنفيذه انحيازا أمريكيا لطرف ما ضد طرف اخر.
اليوم اقر الرئيس الأمريكي ترامب بتنفيذ القرار أعلاه، ومعتبرا الأمر قضية داخلية إسرائيلية، كون إسرائيل دولة مستقلة ولها الحق في اختيار عاصمتها، وممهدا إلى ان قراره هذا لا يؤثر في نتائج الحل النهائي للمفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. من الناحية المعنوية ومن ناحية تعنت إسرائيل، باعتقادنا، إن القرار سيساهم في دعم مواقف إسرائيل من القدس، ولكن من ناحية أخرى باعتقادنا، ان العالم لن ينتظر إلى أمد لا نهائي لحين يقرر الفلسطينيون الدخول في مفاوضات جدية، ويعملون من اجل السلام بصورة موحدة، متخذين قرارا فلسطينيا حقيقيا.ومن ناحية أخرى إن اعتراف أميركا بالقدس عاصمة لإسرائيل هو قرار سيادي أمريكي، بالإضافة إلى ان كل المواثيق والتعهدات التي تم التوقيع عليها وبموافقة الطرفين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أقرت إقامة الدولتين وفي الكثير منها يتم ذكر القدس كعاصمة للدولتين، وان اغلب المؤسسات الإسرائيلية السيادية تتخذ من القدس مقرا لها. ولكون موقع السفارة سيكون في القسم الغربي من القدس، فنحن نعتقد ان عملية الاعتراف هذه لم تحدث تغييرا كبيرا في التوجهات الامريكية.
ما يحدث عربيا، هو المهم للمنطقة او للدول التي تحيط باسرائيل بما فيها العراق وكل الدول التي يرتفع احيانا فيها الصوت او الصراخ القومي العروبي.فهذه الدول تعتبر الخطوة الامريكية خطوة عدوانية، وبدأت بعض الاصوات في الدعوة إلى التجمعات والتظاهرات التي ستنطلق في عواصم ومدن هذه الدول، وفي الغالب قد تؤدي إلى خسائر اقتصادية ان لم نقل خسائر بشرية، يذهب ضحيتها الابرياء. اليس هذا ما حدث منذ عام 1948، فلماذا يعتقد البعض ان ردود الفعل قد تختلف؟ لا يزال الحكام العرب والكثير من سياسييها، يعتقدون انهم من خلال صراخهم وتهديداتهم، يمكن ان يغيروا السياسيات الخارجية للدول الاجنبية.أخذين معيارهم كانه المعيار الحقيقي لمسار العلاقات السياسية بين الدول.
المرعب في القضية باعتقادنا، هو ان تقوم القوى الاصولية او بعضها، بالانتقام، من الخطوة الامريكية، بتفجيرات في بغداد ودمشق وبيروت والرياض والقاهرة إلى الرباط. ردا ساحقا وماحقا على الخطوة الامريكية العنصرية والعدوانية كما يتم وصفها من الان. ان خوفنا هو ان تزهق ارواح المواطنين الابرياء في ما يسمى بالدول العربية، ردا مزلزلا لخطوة ترامب هذه، لكي تلقنه درسا لن ينساه ابدا. مما سيدخل الرعب إلى قلبه وقلب كل من وقف إلى جانبه من هذه الخطوة. التي تظهر ان اميركا الامبريالية والصليبية والكافرة، لم تدرك مدى قوة الرد العربي الاسلامي.
هل ستكون الخطوة، خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، نقطة عودة الوعي الفلسطيني؟ هنا هو السؤال المهم، هل سيدرك الفلسطينيين ان قضيتهم تخصهم وحدهم، وهم من يجب ان يقرر فيها، وكفى انتظارا، قرارا من مجلس الجامعة العربية او منظمة التعاون الاسلامي. الم يحن الوقت لكي يدرك الفلسطينيون ان العالم ليس مستعدا لكي ينتظر قرارهم الذي لا يأتي والمجير اساسا لاطراف اخرى. هل سيدرك الفلسطينيون الان ان التظاهرات في المدن العربية، والتهديدات التي تخرج من وسائل الاعلام العربية، وترديد نفس الكلام ونفس القوالب المبررة للموقف الفلسطيني لن تقدم لقضيتهم أي دعم. ام ان الفلسطينيون سيحدثون الانتفاضة المطلوبة وهي الدخول في مفاوضات سياسية حقيقية، مبنية على موازين القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية الحالية، وليس فقط إلى ميزان عدالة مفترض. الم تكفي حوالي سبعون سنة من حروب وخسائر وتراجع.الم يكفي المنطقة هذه الشماعة التي لم تجعل الفلسطينيين يخسرون، بل دفعت كل شعوب المنطقة لتقديم خسائر متتالية.قد لا يكون للفلسطينيين دورا فيها، ولكنها بالنسبة لهذه الشعوب تبقى سبب رئيسي لما اصابهم.
التعليقات