الضغط التركي من اجل انتزاع تنازلات من القيادة الكوردية: ـ 

تركيا تعاني من أزمة هوية الدولة احادية القومية المفروضة على مجتمع متعدد القومية , والغاء الهوية القوميات الاخرى وحرمانها من ابسط حقوقها , وعليه أرادت تركيا من توقيت إثارة ازمة الإستفتاء, التخلص من تاثيرات المشكلة الكوردية والأزمة الداخلية اللتين تواجههما من جهة , وانتزاع تنازلات من القيادة السياسية الكوردستانية من اجل القضاء على الحلم الكوردي في الإستقلال وإبعاد التطلع الاستقلالي عن أكراد تركيا وايران وسوريا من جهة ثانية .
فبعد فترة الود والحميمية بين تركيا وإقليم كوردستان عادت العلاقات إلى توترها المعهود بين حلفاء الامس واعداء اليوم , و رداً على إجراء إستفتاء انفصال إقليم كوردستان العراق من طرف واحد اراد اردوغان ان يذكر القيادة السياسية الكوردية بالمثل التركي ( البوزقورتي ـ الذئب الاغبر ) الشائع الذي يقول : (آغاجده ن ماشه ,كورتدان باشا اولماز ) أي (لامن الخشب (ماشه) , ولا من الكورد باشا)(1 ) 

مضافا على ما ذكر في الجزء السابق ، نجد من المناسب الالتفات إلى نقطة مهمة للغاية الا وهي : بالرغم من التنافس الإقليمي الحاد بين تركيا وايران والموروث من الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية وتحديدا بعد معركة ( جالديران )(2 ) ،الا ان مصالح طهران وأنقرة التقت من جديد بحجة حفظ سيادة اراضي العراق ووحدته واخماد شرارة لهيب إستفتاء إنفصال الإقليم عن العراق . 

حيث قطعت تركيا علاقاتها الاقتصادية مع الإقليم وجازفت باكثرة من عشرة مليارات دولار سنويا من العائدات التجارية ومن استيراد النفط والغاز ورسوم المرور بعد ان بات كوردستان العراق أحد أكبر الأسواق المستوردة للبضائع التركية, جازفت تركيا بمصالحها الاقتصادية من اجل القضاء على ولادة دولة كوردية على حدودها والتي تهددها في عقر دارها . 

ومن الجدير بالذكر ان إقليم كوردستان يرتبط مع تركيا عبر منفذين هما:

1 ـ منفذ (إبراهيم الخليل ـ الواقع في مدينة زاخو (70 كيلومترا شرق دهوك) ، ويعتبر من أهم المعابر العراقية مع دول الجوار والذي لم يغلق حتى في فترة الحصار الذي واجهه العراق في العام 1991،
ويقدر حجم التبادل التجاري فيه سنويا بأكثر من 12 مليار دولار، وفقا لآخر تقارير صادرة من بغداد .

2 ـ منفذ (سرزيري ) ، وهو ثاني منفذ حدودي بين العراق وتركيا، ويستخدم في الغالب لعبور الشاحنات الصغيرة وتنقل السياح والمسافرين من وإلى كلا البلدين. ويأتي إقليم كوردستان في المرتبة الثالثة من حيث حجم الاستيراد من تركيا بعد ألمانيا وبريطانيا (حسب المعلومات الرسمية ).

 

تركيا ترفض أي تغيير في جغرافيا المنطقة وتدعم وحدة الأراضي العراقية والسورية : ـ 

ان كلام ( رجب طيب اردوغان) يوم السبت المصادف 2 /12 / 2017 في خطاب ألقاه أمام المواطنين في ولاية (قارص) شرقي البلاد كان واضحا وصريحا جدا عندما قال , انه : ( لا يظن أحد أن تراب هذا الوطن (تركيا) سيقسم، ومن يريدون ذلك عليهم أن يعلموا أن (طائراتنا ستطمرهم بالقنابل وتدفنهم )، كما فعلت في( قنديل )( 3 ) , واستطرد اردوغان قائلا : ( أن تركيا ترفض أي تغيير في جغرافيا المنطقة وتدعم وحدة الأراضي العراقية والسورية ) .

يجدر بنا ان نقف هنا قليلاً على بعض العبارات التي وردت في تصريح( باشبقان اردوغان افندي) وننشر ما تعلق منها بمدينة كركوك لاهميتها : 

 هاجم الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) كرد فعل على اجراء الإستفتاء في المناطق المتنازع عليها وخاصة في مدينة كركوك ,هاجم اردوغان , القيادة السياسية في الإقليم وأكد بأنهم لا يستطيعون أن يدعون أن لهم حق في مدينة ( كركوك) ، وقال أردوغان نصا : تعاونا لمدة طويلة مع إدارة ( شمال العراق) وقدمنا لهم قروضا ماليةً كبيرة , وإذا كان شعب ( شمال العراق) يعيشون برفاهية فيعود الفضل في ذلك لتركيا) .

وأضاف أردوغان أن (حكومة الإقليم ينبغي أن تجيب على سؤال وهو : لماذا أغلقت تركيا معبرها الحدودي ومجالها الجوي بعد إجراء الإستفتاء؟ 

وتابع أردوغان , ( يقول بارزاني أن كركوك تعود له , اسأله : بأي حق تدعي ذلك؟ ماذا تفعل في كركوك ؟ هل لك تاريخ فيها؟ ) ، وخاطب بارزاني "عليك أن تجلس في المنطقة التي تعود لإدارة( شمال العراق ) .

وشدد أردوغان على أن بلاده لن تسمح لحزب العمال الكوردستاني باستخدام الصلاحية في (شمال العراق) ولا لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا .

وأضاف "عندما يلزم الأمر( فسنفعل ما يلزم وقد نأتي فجأة بين ليلة وضحاها ). وسأل (ألم نفعل ذلك في إدلب؟ فعلناها وسنفعلها بعد الآن , وقد اعذر من انذر ) , وفعلا قام ( الجيش التركي و برفقة طائرات الاستطلاع التابعة لها في 14 / 12 / 2017 بقصف (مناطق كلي ره ش والجبال القريبة من مناطق كاني ره ش) في منطقة (خواكورك الجبلية ) و استمر القصف حتى ساعات منتصف الليل، وان القصف تزامن مع نشر الجيش التركي عبر مروحيات (سكورسكي) في اراضي جنوب كوردستان قادمين من مناطق (شمزينان) وشنوا عمليات عسكرية، في مناطق ( تل سرو و كلي رش و كاني رش و محيط قرية برميز التابعة لمدينة ديانا )

 ومن المضحك المبكي في آن , دعا اردوغان افندي , أهالي (شمال العراق) إلى (تأديب قادتهم )على ما فعلوه , ويقصد اردوغان(اجراء الإستفتاء وتبعاته) . 

ومن الغريب حقا ان يتحدث اردوغان افندي بهذه اللهجة وعن( العقوبات التأديبية وحق الاقوى في القرار والحكم ) , وكأن إقليم كوردستان هو ( جامعة تركية يدرها ذي الميول الاخوانية اردوغان افندي , فكل من يحاول عرقلة الدراسة أو الإخلال بالنظام العام و يخرج عن تعليمات رئاسة الجامعة ولا يتقيد بها بصورة عمياء ولا يلتزم بتعليمات ونصائح الرئيس (اردوغان افندي) يتعرض للعقاب و يلغي قيده ويتم تاديبه ويفصل من الكلية نهائياً ) , تناسى اردوغان افندي ( بان اقليم كوردستان يتالف من ذلك الجزء من كوردستان الواقع في حدود دولة العراق الذي تكون بعد الحرب العالمية الاولى، ومن الناحية الدستورية والقانونية يسمى بـ (اقليم كوردستان العراق وليس شمال العراق) وإن من حق الشعب الكوردي المضام , الذي يتوق إلى حريته وحقوقه المشروعة ومعه الشعوب و المكونات القومية الأخرى في كوردستان أن يقرروا مصيرهم بما في ذلك إعلان الدولة المستقلة , والاكثر من هذا تجاهل (باشبقان اردوغان ) الالتزام بمبدأ حسن الجوار واحترام سيادة الدول ، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى . كما تجاهل بإن استقرار الاقليم وتحقيق الامن الشامل فيه سيكون مصدرا لاستقرار العراق والمنطقة ودول الجوار، كما ان عدم استقراره سيكون عامل اساسي للانفلات وعدم استقرار العراق و المنطقة برمتها . 

ان قرار تركيا الرافض لسحب قواتها الغازية المرابطة في جبل بعشيقة ومناطق كثيرة اخرى في اقليم كوردستان (الذي اصبح مستعمرة تركية على غرار قبرص) يساعدنا في استيعاب حدود اطماع تركيا وطموحها التوسعية في خلق كيان سني يبلغ مداه ليشمل المحافظات السنية في العراق ومناطق ذات كثافة سكانية سنية في سوريا وضمها جميعا تحت قبة إقليم (سنستان) التركية ..!

الازدواجية التركية : ـ 

من المهم أيضاً أن نُذكّر القارئ الكريم بتغيّر الظروف الإقليمية ومصالح الأطراف الدولية في المنطقة بعد اجراء الإستفتاء الكوردستاني ، ومعها الضغط الداخلي التركي على اردوغان ، الذي ساعدا بشكل كبير في اجبار أردوغان على اتخاذ سياسة جديدة ـ قديمة ، حيال موضوع الإستفتاء وما يعنيه من انفصال على المدى المنظور. بعد ان كان اردوغان يدعم ويشجع القيادة السياسة الكوردستانية وتحديدا البارزاني ، ولو بشكل غير مباشر، على الوصول الى حالة التمرد على بغداد وخاصة في فترة حكم نوري المالكي , وذالك لتحويل الإقليم الى مستعمرة تركية بحتة ، وإن ضعف الموقف العراقي وسكوته بعد ان اتسعت دائرة الفساد التي نهشت جسد العراق خلال فترة حكم المالكي التي امتدّت إلى ثماني سنوات، ساعد اردوغان على تنفيذ سياسة الاحتواء الخطيرة , وهنا يجدر بنا ان نقف قليلا على بعض العبارات التهديدية لاردوغان تجاه بغداد والمالكي تحديدا وننشر ما تعلق منها بموضوعنا ليقف القراء الاكارم على ازدواجية تركيا في تعاملها مع العراق واقليم كوردستان : 

قال اردوغان في عام 2009 حول المشروع النفطي المشترك بين( تركيا وإقليم كوردستان) بإن (إنشاء إنبوب لنقل النفط من اقليم كوردستان إلى تركيا هو أمر شرعي ولا ينتهك الدستور العراقي)....!!، مبيناً أنه (من حق الاقليم وفق الدستور العراقي التجارة مع أي بلد يريد) ,كما شدد أردوغان على أن رئيس الحكومة نوري المالكي (ذهب بعيداً) في تصريحاته المضادة لتركيا، مؤكدا أنه قرر (عدم الرد) على المالكي., وأوضح اردوغان أن تركيا (تساند) اقليم كوردستان في احتياجاتها التجارية وتشتري النفط بالمقابل منها، مشيراً الى أن (اعتراضات بغداد ليست سوى محاولة لإبقاء كل شيء تحت سيطرتها ).

نعم , بالرغم من التنافس والصراع الحاد بين انقرة وبغداد وطهران , الا ان مصالحهم التقت من جديد وخاصة بعد إجراء الإستفتاء الكوردستاني ، فلا يوجد شيء ما يدعو للدهشة اليوم، فكل هذا معلوم وقديم، والجميع يعرف ذالك جيدا, بان قيام كيان كوردي مستقل يهدد المصالح المباشرة لتركيا وإيران بالدرجة الأولى، كما سيؤثر على النظام السوري إذا استقر له الأمر في سوريا, وعليه اجتمعت مصالح إيران وتركيا وسوريا والعراق ودول أخرى على منع ظهور كيان كوردي مستقل .

بمعنى ادق , ان أميركا وإيران وتركيا، يدافعون عن مصالحهم وليس عن وحدة العراق الذي تحول بعد سقوط الصنم إلى مستعمرة ( ايرنية ـ تركية ـ امريكية ) . 

*( اتطرق باختصار في الجزء القادم ,إلى موقف الجمهورية الاسلامية الايرانية من إستفتاء كوردستان ) .

يتبع 

—-

1 ـ (آغاجده ن ماشه ,كورتدان باشا اولماز ـ Kürt'ten Paşa, ağaçtan maşa olmaz ) , ( الماشة أو الملقط ) يحرك به الجمر في الكوار أو لنقل قطع الجمرالصغيرة لوضعها في المبخرة ، ويصنع من الحديد . ولذلك من غير المنطقي ان تصنع (الماشة) من الخشب. اما (الباشا ـ paşa ) فهي كلمة تركية تشير الى رتبة عسكرية في الجيش العثماني وتمنح عادة لمن يصل الى رتبة اللواء. و(يعادل هذا اللقب في اللغة الانكليزية لقب لورد) . 

2ـ وقعت معركة ( جالديران )عام ( 1514 م ) بين الدولتين ( الصفوية والعثمانية) و انتهت المعركة بانتصار القوات العثمانية واحتلالها مدينة تبريز عاصمة الدولة الصفوية و الإستلاء على مناطق كثيرة اخرى منها ( ارض الكورد ـ موطن الكورد ـ كوردستان ) ونتيجة لهذه الحرب . تجزأت أرض كوردستان لأول مرة وقُسمت بين العثمانيين والصفويين , وبعد معركة ( جالديران ) , وفي عام (1555م) عقدت الدولتان (الصفوية والعثمانية )معاهدة ثنائية عرفت بـمعاهدة (أماسيا ) وهي أول معاهدة رسمية بين الدولتين ( العثمانية والصفوية ) والتي تم بموجبها تعيين الحدود بينهما، وتقسيم كوردستان .

3 ـ تقع جبال قنديل في إقليم كوردستان عند نقطة التقاء الحدود العراقية الإيرانية التركية، وتمتد بعمق نحو 30 كيلومترا داخل الأراضي التركية، وتبعد بنحو 150 كيلومترا عن أربيل. وتمتد من الأطراف الجنوبية الشرقية من تركيا إلى الحدود مع إيران.

تعرف هذه المنطقة الجبلية بغاباتها الطبيعية الكثيفة وتلالها المرتفعة ووديانها العميقة. ويتجاوز امتداد سلسلة جبال قنديل الشاهقة مائتي كيلومتر، وهي امتداد لجبال زاغروس التي استوطنها الكورد، قبل 5 آلاف سنة. وتصل أعلى قمة جبلية فيها إلى ما بين 3000 و4000 متر فوق مستوى سطح البحر.