في مقالي السابق الأسبوع الماضي، تطرقت فيه وباختصار إلى دور الولايات المتحدة الامريكية وروسيا في القضاء على (جمهورية مهاباد) وهي في مهدها, و اخماد (ثورة ايلول التحررية عام 1975 )( راجع الجزء الثاني من المقال ), ودور (جوزيف ستالين ) في القضاء على (جمهورية كوردستان الحمراء )، عندما انحرف عن الايديولوجية الماركسية اللينينية و اعتبر مشروع قرار (لينين) حول العلاقات بين الجمهوريات الروسية وبين الجمهوريات المستقلة الاخرى ( تغريدا خارج السرب).. 
و طرحنا تساؤلات حول الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة الامريكية ان تقف بجانب حكومة حيدرالعبادي بعد اجراء الإستفتاء الكوردستاني في 25 ايلول 2017، كما طرحنا تساؤلات كثيرة اخرى منها : لماذا وقفت الولايات المتحدة ( كمتفرجة ) ولم تعارض انتشار المزيد من الوجود الإيراني والميليشيات الشيعية في المناطق المتنازعة عليها؟ لماذا سكتت واشنطن من استخدام الحشد الشعبي، والجيش العراقي، أسلحة أمريكية في الهجوم على إقليم كوردستان وقوات البيشمركة في المناطق المتنازعة عليها لاستعادة السيطرة على (الحقول النفطية )في محافظة كركوك وفي مناطق اخرى؟ لماذا اعلنت واشنطن عن اجراءاتِ جديدة لتعزيز تواجدها العسكري في ( العراق وسوريا )؟ لماذا انزعجت امريكا من صفقات شركة( روسنفت ROSNEFT ) الروسية العملاقة في كوردستان والتي تعتبر من احدث المناطق النفطية وأسرعها نمواَ في العالم؟ ولماذا لم يراعي المجتمع الدولي الحق التاريخي للأكراد ولم يدعم حلمهم بأن يكونوا أحراراً في دولتهم المستقلة؟ لماذا شعر الكورد بالإحباط والخذلان من جانب ( واشنطن تحديدا ) عنما لم تقف بجانب مطاليبهم، نعم واشنطن التي حاربوا معها وقدموا مئات الشهداء، خلال فترة طويلة من المعارك والتضحيات ضد داعش؟ 
للإجابة عن هذه التساؤلات لابدّ من الإشارة إلى جملة من الأمور, في الجزء السابق تطرقنا الى بعض منها وفي هذا الجزء نتطرق الى نقاط مهمة اخرى يمكن تلخيصها في النقاط التالية : 
1 ارادت واشنطن ان تقول لإقليم كوردستان القابع تحت رحمتها ورحمة الدول الإقيمية : أن تغيير الحدود السياسية في المنطقة وفقا للمنطلقات القومية، يعني أن جميع الحدود السياسية في منطقة غرب آسيا ستتغير وهذا امر مرفوض دوليأ و ليس لصالح واشنطن والمنطقة بشكل عام، اضافة الى ذالك، إن إنفصال كوردستان الذي يتغنى به ساسة الإقليم مرهون بالواقع السياسي في المنطقة و (لايتحقق ) بدون موافقة الدول الجوار والمجتمع الدولي والولايات المتحدة الامريكية والتي ساندت الكورد بعد انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991 و فرضت حظرا جويا داخل العراق فيما عرف بمناطق الحظر الجوي شمالي العراق وجنوبه بحجة حماية الاكراد والشيعة من شراسة النظام البعثي البائد, كما حافظت على الكيان الكوردي (شبه المستقل )منذ عام 1991 ولحد اليوم.. 
2 حاولت واشنطن بصمتها ان تحافظ على موازين القوى بين اربيل وبغداد على رقعة الشطرنج الامريكية في منطقة الشرق الاوسط، كما رفضت علنا توسيع الرقعة بقرارات (احادية الجانب )، بمعنى اخر ( الصمت الامريكي امام الهجوم العراقي على كوردستان و(باسلحة ودبابات امريكية) كان المحاولة الاخيرة لإخبار القيادة السياسية الكوردية بكل شيء لم يفهموها حينما حذرهم واشنطن من تبعات الإستفتاء. 
3ـ يكمن الهدف الامريكي في تحويل الكورد الى لاعب ثانوي في معادلة الصراع الميداني, ليس فقط في العراق وانما في سوريا ايضا وخاصة مع بدء العد التنازلي للقضاء على تنظيم داعش الارهابي. 
4 ارادت واشنطن ان تقول للقيادة السياسية الكوردية في (العراق وسوريا ) : حتى وإن كانت لواشنطن وجهات نظر مختلفة وخلافات مع(بغداد وطهران وأنقرة )، الا انها تدعم جهود الحكومة العراقية للحفاظ على وحدة العراق وامنه وسلامة اراضيه، كما تقدم الدعم لتركيا، حليفتها الاستراتيجية في حلف شمال الأطلسي ( حلف الناتو)، والتي لها دور محوري في منطقة الشرق الاوسط، وانها ستواصل دعم الموقف التركي الرافض لمساعي الكورد لإنشاء دولته المستقلة، وان تصريح المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية (هيذر نويرت )خلال مؤتمر صحفي دوري يوم امس 22 11 2017 والتي قالت : (ان تركيا عضو في حلف الناتو وحليف هام للولايات المتحدة )، كما شبهت علاقات أمريكا مع تركيا كالعلاقة بين زوجين، يجمعهما عقد قران، تحدث بينهما مشادات وخلافات، لكن بعد ذلك يأسف أحدهما عما بدر منه، ان هذا التصريح وتصريحات أمريكية مماثلة خير مثال على دعم واشنطن لتركيا على الرغم من خلافاتهم.. 
, اضافة الى ذالك، دعمت واشنطن إيران و موقفها الرافض للإستفتاء على رغم من ان إيران تشكل خطرا على المنطقة والعالم وتصدر الإرهاب، وتحاول فرض الهلال الشيعي الممتد جغرافيا من إيران الى بيروت والذي سيكون ممر هذا الهلال من خلال أراضي كوردستان، وعلى الرغم من موقفها الصارم بشأن الاتفاق النووي الإيراني، الا انها دعمت ايران وبقوة وسكتت عن تدخلاتها السافرة في الاحداث الاخيرة في كركوك والمناطق المتنازعة عليها، لان واشنطن تعرف جيدا بانها لاتستطيع ان تحكم العراق والمنطقة بدون ايران وخاصة بعد ان تحول العراق إلى (حديقة ايران الخلفية), بمعنى ادق, واشنطن تدعم الدول الإقليمية وحكومة بغداد،ليس حُباً فيهم، ولكن كرهًا فى منافسها (روسيا والتي تحاول إستعادة أمجادها السابقة التي كانت تتمتع بها في عهد الاتحاد السوفيتي في المنطقة )، وخوفا على مصالحها واحتكاراتها الاقتصادية في العراق بشكل خاص والشرق الاوسط بشكل عام.
5 بعد ان خرجت كوردستان من بيت الطاعة الامريكي، شجّعت واشنطن بغداد على القيام بإجراءات عقابية صارمة تجاة اربيل، كما طالبت الدول الاقليمية بمحاصرة الإقليم ( سياسيأ واقتصاديأ )، و إعطت الضوء ألاخضر لأنقرة وايران، للقيام بمناورات وعمليات عسكرية مشتركة مع الجيش العراقي على حدود إقليم كوردستان وفي المناطق المتنازعة عليها، كما فرضت واشنطن من خلال بغداد حصارا جائرا على إقليم كوردستان، بالضبط كما فعلت مع دول كثيرة اخرى منها : ( الصين، كوبا، ليبيا، سوريا، العراق و دول أمريكا اللاتينية التي دافعت عن مصالح شعوبها ضد الهيمنة والاحتكارات الاقتصادية الامريكية. 
6 ارغمت واشنطن السيد مسعود البارزاني على التنحي من منصبه لإنقاذ ما يمكن انقاذه وخاصة بعد ان ( أخطأ البارزاني في قراءة الموقف السياسي وتفسير الرسائل الدولية ( واساء فهم العلاقة والشراكة بين ( اربيل وواشنطن ) المبنية على اساس (محاربة داعش والحفاظ على العراق الموحد)، وليس على اساس دعم واشنطن لمشروع الإستقلال الكوردي، اضافة الى ذالك، اكدت واشنطن، إن بدون( انبثاق قيادة سياسية كوردية جديدة) تبقى المشاكل عالقة بين ( اربيل وبغداد ) وخاصة بعد ان رفض البارزاني النصائح والتوسلات( الداخلية والاقليمية والدولية ) لتاجيل الإستفتاء، واعتبر أن قيام الدولة الكوردية المستقلة بات واقعاً لا عودة عنه اطلاقأ، وعليه رحبت الولايات المتحدة الأميركية،، بقرار السيد البارزاني، بعدم تمديد فترة رئاسته للإقليم، داعية بغداد وأربيل للعمل سريعا لحل القضايا العالقة بموجب الدستور العراقي لضمان إستقرار المنطقة على الأمد الطويل والهزيمة النهائية لداعش)، داعية كافية الأطراف الكوردية إلى دعم الحكومة العراقية في سعيها لحل القضايا العالقة والتحضير لانتخابات عام 2018.
7 النقطة الابرز في الخلاف بين ( واشنطن واربيل ) هي : ارادت واشنطن تقليم اظافر الإقليم اكثر مما تريد الحكومة العراقية وخاصة بعد ان حذرت وزارة النفط العراقية، جميع الدول والشركات النفطية العالمية، من التعاقد أو الاتفاق مع أية جهة داخل العراق بمعزل عن الحكومة الاتحادية وخاصة بعد سيطرة قوات البيشمركة على كركوك والمناطق المتنازعة عليها بعد انسحاب القوات العراقية منها مع قدوم داعش، وذالك من اجل اضعاف علاقة الاقليم الاقتصادية مع روسيا والتي تشكل تهديدا وهجوما على مصالحها الاقتصادية في منطقة الشرق الاوسط ( حسب عقيدة كارتر )(1 ) وتحديدا بعد ان عقدت حكومة إقليم كوردستان، على هامش أعمال المنتدى الإقتصادي الدولي المقام في سان بطرسبورغ، عدة اتفاقات ضخمة ومهمة مع شركة (روس نفت الروسية العملاقة Rosneft)(2 ) لتوسيع آفاق التعاون الاستراتيجي في مجال التنقيب وإنتاج الطاقة، اضافة إلى المجالات التجارية واللوجستية ( راجع الوثائق الموقعة بين اربيل وروسيا لتعزيز التعاون بين شركة( روزنفت )العملاقة وكوردستان العراق التي بدأت في شباط 2017 في إطار توقيع إتفاقية بشأن بيع وشراء النفط الخام في الفترة بين 2017 و2019, وان تأكيدات واشنطن بان الحكومة الاتحادية ووزارة النفط الاتحادية هما الجهتان الوحيدتان اللتان تمتلكان الصلاحيات الدستورية والقانونية، في إبرام العقود والاتفاقيات التي تتعلق بتطوير واستثمار الثروة النفطية والغازية في العراق دليل واضح وصريح على ذالك. 

. *(اتطرق باختصار في الجزء القادم الى اسباب اصرار السيد مسعود البارزاني على اجراء الإستفتاء على الرغم من المبادرة والنصائح الأممية لتاجيل الإستفتاء، وردود الافعال المحلية والعربية والدولية حول نتائج الإستفتاء، ومعضلات وتناقضات بنود الدستور العراقي).
يـتبـع 
ــــــــــــــ

1 عقيدة كارتر : هي سياسة أمريكية تم إعلانها من قبل الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر في 23 كانون الثاني عام 1980, تنص العقيدة على السماح للولايات المتحدة بإستخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها في منطقة ( الخليج العربي ) وكانت العقيدة ردا على وجود الاتحاد السوفييتي في افغانستان عام1979، و ذكر كارتر في خطابه امام الكونكريس الامريكي : إن أي محاولة من جانب أي قوى للحصول على مركز سيطرة في منطقة الخليج سوف تعتبر في نظر الولايات المتحدة هجوما على المصالح الحيوية بالنسبة لها، وسوف يتم رده بكل الوسائل بما فيها القوة العسكرية 

2 اتفقت شركة "روس نفط" كبرى شركات النفط الروسية، مع إقليم كوردستان العراق على بدء أعمال التنقيب عن النفط في خمسة مواقع مختلفة بالإقليم،، وعليه أبرمت "روس نفط" وثيقة مع الإقليم لتفعيل اتفاقيات سابقة تنص على تقاسم إنتاج النفط في هذه المواقع بإقليم كوردستان العراق، وقال بيان صادر عن "روس نفط" إن الشركة تتوقع وجود 670 مليون برميل من النفط في المواقع الخمسة, وفي حال تأكد وجود الخام، ستبدأ الشركة الإنتاج التجاري من هذه المواقع في العام 2021.
وبموجب الاتفاقية، ستتحمل "روس نفط" تكاليف إجراء دراسات وحفر تقدر بنحو 400 مليون دولار، منها 200 مليون دولار قد تدفع من عائدات بيع نفط المشروع بعد استخراجه.
بالمقابل، ستحصل "روس نفط" على 80% من أرباح المشروع. كما أشار البيان إلى أن الإنتاج التجريبي من المواقع يتوقع أن يبدأ العام القادم. ويعد إقليم كوردستان سوقا واعدة للاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة. وبحسب تصريحات لمسؤول في "روس نفط" يمتلك الإقليم احتياطيات نفطية تقدر بـ 45 مليار برميل، وغاز بنحو 5.7 تريليون متر 


المصادر :
1 A HISTORY OF IRAQ – Charles Tripp
2 كورد وكوردستان للعلامة محمد امين زكي المجلد (الاول والثاني والثالث ) مطبعة دار السلام ( بغداد ) 1350 هـ 1931 م
3 م. س لآزاريف تاريخ كوردستان.
4 الكورد والمسألة الكوردية الدكتور شاكر خصباك منشورات الثقافة الجديدة.
5 منذر الموصلي، الحياة الحزبية في كوردستان.
6ـ فلاديمير ايليتش أوليانوف لينين، مسائل بناء الاشتراكية والشيوعية في الاتحاد السوفيتي موسكو دار التقدم.
7 كردستان ودوامة الحرب الدكتور محمد احسان.
8 سنوات المحنة في كردستان اهم الحوادث السياسية والعسكرية في كردستان والعراق من 1958 الى 1980 المحامي شكيب عقراوي
9 حنا بطاطو العراق، الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية، الكتاب الاول.
10 لازاريف، المسألة الكردية (1917-1923)..
11 لقاء الكاتب مع سكرتير الحزب الشيوعي العراقي السابق الراحل ( عزيز محمد ) 2016.
12 ملحق مذكراتي (الشاعر الوطني الكوردي الكبير احمد دلزار الجزء الاول والثاني ).
13 خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان للمؤرخ محمد أمين زكي (1880 – 1948)، 
14 البارزاني والحركة التحررية الكردية الجزء الاول مسعود البارزني.