كلاهما .. إيران وتركيا تخاطبان ود موسكو بقوة هذه الأيام .. وتسعي كل منهما لتوظيف مخططات بوتين السياسية وتكتيكاته العسكرية لخدمة أهدافها السياسية والأمنية ليس فقط علي مستوي الملف السوري بل علي مستوي المنطقة ككل ..
تحت غطاء جولة الرئيسين التركي والإيراني لبعض دول الخليج العربي ، شنت وزارتي خارجية ووسائل إعلام الطرفين عمليات هجومية صاخبة .. فهذه تتهم تلك بأنها تعمل جاهدة علي مواصلة سياسات " تشييع " الدول العربية السنية .. وتلك تتهم هذه باعتبارها المُشعل الأساسي لنيران الخلافات بين قوي المعارضة السورية بهدف تعطيل نتائج مباحثات جنيف 4 بعد ان ساهمت بقوة في تقليص النتائج التى أسفرت عنها إجتماعات إستانة ..
كمقدمة ، نقول ..
نحجت موسكو حتي الأن في أمرين علي درجة كبيرة من الأهمية ..
الأول .. استغلال محدودية الدور الأمريكي الذيكانت تتبناه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لبسط نفوذها في سورية علي وجه الخصوص ، واستغلت ضبابية الإستراتجية التى سيتبناها سلفه دونالد ترامب لكي تُفسح المجال لحل سياسي يمنحها حق إمتلاك الورقة السورية " بالكامل " دون مشاركة فعاله من جانب واشنطن للمقايضة عليها بورقة أخري ..
وعلينا أن نأخذ في الإعتبار أن تراجع حلم التقارب بين موسكو و واشنطن ، كما لاح في الأفق منذ إعلان فوز المرشح الجمهوري بمنصب الرئيس الامريكي في نوفمبر الماضي ، بعد إستقالة مستشار الأمن القومي مايكل فلين علي أثر التسريبات التى أكدت إرتباطاته بموسكو ، زاد من فرص هذا الإستغلال ..
الثاني .. توظيف إمكانيات كل من تركيا و إيران لتحقيق أهدافها في سورية برغم مواقف كل منهما المتناقضة حيال نظام حكم الرئيس السوري من ناحية ورؤيتهما للتنظيمات التى تشهر السلاح في وجه قواته سواء كانت معتدلة أو نشطة أو دموية من ناحية أخري ..
تركيا .. إحتلت مواقعها علي الساحة منذ ست سنوات بعد ان اقنعت واشنطن بقدرتها علي تنظيم قوي المعارضة وتسهيل حركتها وتدريبها ومدها بالسلاح .. ولما توسع تنظيم داعش الإرهابي في علمياته التي نالت من السيادة التركية نقلت العديد من أوراقها إلي جانب موسكو ، ثم أعادت بعضها –مؤخراً - إلي إدارة الرئيس الأمريكي الجديد الذي تعهد بالقضاء علي قواعد الإرهاب في كل من سورية والعراق ..
أما علي الجانب الإيراني .. ففي حين خططت طهران لبسط نفوذها علي مستوي الدولة السورية بالدعوة الدائمة للإبقاء علي النظام الحاكم .. حيث عملت علي تعويض الجيش النظامي السوري بكل ما يحتاجه من أسلحة ومعدات ومستشارين عسكريين ، بل وميليشيات إستقدمت بعضها من خارج دول الشرق الأوسط ..
من هنا يمكن القول أن روسيا يعنيها اليوم في المقام الأول تقوية الجبهة التى تحارب معها الإرهاب حتي تتمكن بقيادتها من القضاء مرة واحدة علي تنظيم داعش في كل من سورية والعراق .. ويعنيها في المقام الثاني أن تتمكن من وضع الحل السياسي المرتقب موضع التنفيذ عبر رؤية تحدد ملامح الفترة الإنتقالية وما يعقبها من ترتيبات لوضع دستور جديد للبلاد ولإجراء إنتخابات تشريعية ..
موسكو تستغل الجانبين التركي والإيراني لتعزيز توجهها المزدوج هذا .. القضاء علي إرهاب تنظيم داعش و ترسيخ مقومات الحل السلمي .. ولن تسمح لأي منهما ان يعطل أو يخلط أوراقها علي كلا الجانبين .. ومن يواصل المسيرة منهما إلي جانبها بدون خلق عقبات او سعي للحصول علي مكاسب ذاتية من تحت منضدة التفاوض .. ستتحفظ له موقفه المساند .. أما من تسول له نفسه أن يعبث بأوراق الملف السوري من وراء ظهرها ، فعليه أن يتحمل نتيجة عمله ..
علي المستوي التركي ..
هناك من المؤشرات ما يفيد أن أنقرة تخطط لأن يكون لها دور ضمن سياسات واشنطن التى ترسم ملامحها إدارة ترامب في الوقت الحالي .. وهذا ليس بخاف علي موسكو ولا هي رافضة له ، بل هي ترحب به ..
علي الجانب الآخر ..
تؤكد العديد من المؤشرات أن طهران مُصممة علي تصعيد سياساتها الرافضة لنوايا واشنطن التى تخطط لإعادة النظر في إتفاقها النووي مع مجموعة 5 + 1 .. ولإعادة فرض عقوبات اقتصادية أكثر تشدداً عليها .. ولمحاصرة نشاطاتها في الشرق الأوسط خاصة في سورية والعراق ..
المحصلة المبدئية لهذا التناقض بين أنقرة و طهران حيال إدارة الرئيس رونالد ترامب تعني ..
إستعداد تركيا لأن تكون إداة في يد مخططاته في حالة ما إذا نجحت سياساته في خفض سقف اطماع القوي الكردية التي تحارب ضد النظام السوري من ناحية والموافقة علي إستصدار قرار من مجلس الامن باقامة منطقة آمنة فوق الشمال السوري المطل علي حدوها الجنوبية من ناحية أخري ..
موسكو تقف علي تقاطع من كلا المطلبين .. فبينما تؤيد تحجيم القوي الكردية العسكرية المتنامية .. ترفض إقامة منطقة آمنة علي الحدود الفاصلة بينتركيا وسورية .. وكررت أكثر من مرة أن هذا الامر لا يمكن ان يتحقق إلا بموافقة دمشق ..
طهران لن تفرط في أوراق الملف السوري التي في حوزتها ، إلا إذا حصلت علي مقابل مجزي ، مثل .. عدم المساس بمواد الإتفاق المبرم بينها ومجموعة 5 + 1 بما في ذلك جدول الرفع الترديجي للعقوبات الإقتصادية .. والابتعاد كلية عن العراق ..
نقول ..
إن إحياء أواصر التحالف التركي / الأمريكي إلي القرب لما كان عليه قبل نحو ثلاثة أعوام لخدمة محاربة الإرهاب في سورية ، يتلاقي مع الأهداف الروسية .. خاصة بعد أن أكدت صحيفة الصنداي تايمز – الأحد 26 فبراير - أن وزارة الدفاع الأمريكية عززت قواتها الخاصة في سورية بـ 500 عنصر إضافي " من قواتها البرية " لتنفيذ مخطط الحاق هزيمة نهائية بتنظيم داعش وطرده تماما من جميع المناطق السورية ..
قراءة الوضع الراهن تؤكد أن موسكو مستعدة لمبادلة تنازل أنقرة عن المنطقة الآمنة ، بإطلاق يدها حيال الملف الكردي .. خاصة وان هناك تصميم من جانب الرئيس أردوغان علي تصفية بقايا تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الدموية في كل من سورية والعراق .. كما تؤكد إحتمال توافق الطرفين علي مقومات الفترة الإنتقالية بين حكم الرئيس بشار الأسد ومن سيليه في تولي المسئولية ..
أما التصعيد المحتمل من جانب طهران حيالالسياسات الأمريكية التي يجري حالياً التريب للأخذ بها في الشرق الأوسط وخاصة علي مستوي دول الخليج العربي ، فمن المتوقع أن تتعامل معه موسكو علي مستويين ..
1 – تقديم النصح بتأجيل التصدام لحين الانتهاء من الوصول إلي حل سياسي لقضية الشعب السوري ..
و 2 - إعادة ترتيب الأوراق الإيرانية الموزعة داخل أراضي عدة دول ، بهدف تقليص جبهة التصادم مع واشنطن ومن ثم تقليل حجم الخسائر المعنوية ..
انقرة البرجماتية ، ستنصاع لحين ما تلوح فرصة مواتية في الأفق ..
طهران المندفعة ، ستركب رأسها ..
موسكو ستقف إلي جانب كل منهما ..
مؤيدة مع الأولي لتحقيق الإختراق السلمي لقضية الشعب السوري ..
وعلي مسافة من الثانية لكي لا تُفشل مساعيها للحد من تداعيات ذلك الملف ، وللحفاظ علي مكاسبها الإقتصادية والتنموية في داخل الساحة الإيرانية ..
وإن غداُ لناظره قريب ،،،
التعليقات