تغيير المواقف في العلاقات الدولية يشبه استبدال الأقنعة في الأدوار على مسرح الأحداث، مع بقاء مضامين الرؤيا الدرماتيكية في ذات المنطوق المترشح عن فلسفة الدول وثوابت مصالحها، من هنا يمكن قراءة تحركات تركيا أزاء دول الجوار خلال السنة الأخير، والتسليم بمنهج التصالح والحوار بديلا عن إعلان الحرب وانتزاع المطاليب، أوالتهديد الصريح بالإجتياح وبسط الهيمنة بالقوة، في محاولة عبثية لإحياء حلم السلطنة العثمانية .
زيارة رئيس الوزراء التركي يلدرم بن علي الى بغداد ولقائه رئيس الوزراء العبادي، تأتي في سياق تليين الموقف التركي وخفض درجة التوتر والخلاف بين البلدين، حول بعض الملفات الأمنية وأهمها تواجد قوات ال PKK الكردية المعارضة في العراق، مع وجود قطعات من الجيش التركي في مدينة الموصل ( بعشيقة)، والذي يطالب العراق منذ عام بأنسحاب تركيا منها لكن دون استجابه من الجانب التركي.
البيان الصادر عن الإجتماع بين الرئيسين التركي والعراقي، لم يبحث عميقاً في مصير كل من ال pkk وتواجد الجيش التركي، ولم يحدد موعدا لإنسحاب الجيش التركي أو إجلاء الpkk ، إنما تركز الإتفاق على محاربة العدو المشترك "داعش" ومكافحة الإرهاب وحفظ أمن كلا الدولتين وتحت مظلة التحالف الدولي، كما نصت الفقرة السابعة من البيان؛ " اكد الطرفان على عدم السماح بتواجد اي منظمات ارهابية على اراضيهما وعدم القيام بأي نشاط يهدد الامن القومي لكلا البلدين. واتفق الطرفان ان يعملا سوية في مجال مكافحة الاٍرهاب و داعش مع التحالف الدولي".
استنادا ً لما جاء بالبيان المشترك فأن لاتغييرات جوهرية في ثوابت التواجد التركي على الأراضي العراقية، سواء قطعات الجيش التركي أو قوات ال pkk الكردية المعارضة والتي تهدد الأمن القومي التركي، مايعني ان معادلة توازن القوى مازالت قائمة على الأراضي العراقية، وهو ماتريده امريكا التي تقود قوات التحالف الدولي ضد داعش، وبحسب بعض المعلومات، فأن هذا التقارب التركي - العراقي قد جاء نتيجة وساطة أو نصيحة امريكية للطرفين، كما فرضته ظروف المعركة المشتركة ضد داعش، مع بقاء توازن القوى بين الأطراف المشتركة المتنازعة.
سلسلة التفجيرات واعمال العنف والارهاب التي تضرب المدن والشوارع والمراكز المهمة في تركيا وتوقع خسائر بشرية ومادية ومعنوية على نحوغير مسبوق، وضع السياسة التركية أمام خيارين، أما التصالح وتهدئة التوترات مع الأطراف الأقليمية والدولية، أو توسعت المعركة وفتح جبهات متعددة وأصعبها الجبهة الداخلية التي تتعرض لإختراقات محرجة للحكومة التركية، ومن هنا توجه الرئيس اردوغان الى روسيا وانهاء الخلاف معها، كما تغير موقفه بدرجة عالية أزاء الأزمة السورية وأصبح طرفا ً في وضع الحلول للحرب السورية بدلا ًعن تأجيجها، وفي هذا السياق ذاته جاء المسعى التركي في تهدئة التوتر وانهاء الحرب الإعلامية والتصعيد المتكرر مع العراق.
في ضوء ماتقدم فأن نتائج زيارة يلدرم بن علي الى بغداد وكردستان العراق تصب في صالح تركيا ووضعها الأمني، ولم تقدم شيئا ً يذكر لصالح الوضع الأمني العراقي أو تقديم مساعدات للعراق في حربه ضد داعش الذي صار يهدد جميع دول الأقليم .
التواجد التركي المسلح سواءً من الجيش التركي أو قوات المعارضة التركية ال بكه كه، يشكل أزمة رديفة للدواعش، لأن في كليهما تأثيرا سلبيا على الأمن والموقف السيادي للدولة العراقية.
التعليقات