إن الضربة العسكرية الأمريكية لقاعدة الشعيرات السورية لم تكن تدخلاً عسكرياً مباشراً، كما يحلّله ليل نهار روّاد الفيس بوك وتويتر وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، فالضربة العسكرية كانت رسالة وردّاً على مجزرة خان شيخون بإدلب واستهداف المدنيين بغاز السارين، ولصرف أنظار الإعلام والرأي العام عن آثارها، والتي لم تغير شيئاً في موازين القوى على الأرض السورية، فهي مجرد رسالة سياسية أكثر منها تدخلاً عسكرياً أمريكياً في الشأن السوري.
ولتحليل هذه الضربة العسكرية، لا بدّ من مراجعة السياسات الخارجية للدول الرائدة في إدارة الحرب السورية. الجميع متفق على أن الأسد ونظامه فقدوا الشرعية، وعليه أن يتنحى عن الحكم، وأن الجرائم التي ارتكبها هذا النظام تدخل في خانة «جرائم حرب»، فلماذا طائرات التحالف الدولي بقيادة أمريكا لا توجّه ضرباتها العسكرية مباشرة في معقل هذا النظام، المتمثل بالقصر الجمهوري ومراكز وقواعد تخطيط الأعمال الإرهابية الانتقامية وتنفيذه ضد الشعب وتخريب المدن؟ وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي تقول بأنها تشن غاراتها الجوية ضد تنظيم داعش وجبهة النصرة، والحقيقة أن هذه الغارات لا يتم توجيهها إلا في الأماكن التي يستوطن فيها المدنيين العزل، إضافة إلى ضربات ثانوية لنقاط في تنظيم داعش.
إدارة أوباما، واليوم إدارة ترامب، وكذلك حلفاء أمريكا كانوا يتحدثون بإيجابية عن النظام السوري، وأن أولوية أمريكا ليست إسقاط بشار الأسد بل محاربة الإرهاب وداعش، وكانت هذه المواقف تثير إحباط بعض حلفاء واشنطن من الدول والمعارضين السوريين، وإن كانت أولوية أمريكا هو إسقاط بشار الأسد في ظل المعادلة العسكرية الميدانية فهذا يعني إعطاء داعش وجبهة النصرة دعماً كبيراً ومساحات جديدة على الأرض، وهذا يتناقض مع الشعار الكبير الذي أعلنه ترامب في حملته الرئاسية بأن أولويته هو القضاء على داعش. ثم أن سوريا بالنسبة لهم ليست فقط بإسقاط الأسد، لكنها أيضاً الحرب على الإرهاب، وهي أيضاً العلاقة مع روسيا التي تربطها مع واشنطن بملفات ساخنة في أوروبا وآسيا.
ما جرى في الشعيرات لم يكن إعلان حرب مباشرة ضد الأسد ونظامه، فقط كانت رسالة للروس والإيرانيين ولكل القوات المتصارعة في سوريا وحتى للكورد، وإلى أن ينجح ترامب في بلورة سياساته الداخلية والخارجية إلى خطوات جدية وعلنية للكل في منطقة الشرق الأوسط، وحتى نعرف ماذا يريد ترامب خلال سنوات حكمه، فسيبقى الأسد هو الطفل المدلل لدى أمريكا وروسيا والدول الرائدة، طالما أنها تحمي إسرائيل وتذيل من أمامها الكابوس الذي يسمى بدول الطوق، وتحافظ على مصالحهم الاقتصادية والتجارية، إذ انخفض سعر برميل النفط إلى أكثر من النصف، وهذا حلم وتحقق بالنسبة لها.
أيضاً الأسد هو الطفل المدلل لروسيا، لأن روسيا لا يناسبها ولا يلائمها وقف العنف والدمار الحاصل في سوريا والعراق واليمن، فهذا حلم يراودها منذ سنين، فلديها ترسانات من الأسلحة العسكرية الضخمة، والسوق الإيراني بالدرجة الأولى يدر عليها المليارات من الدولارات، وحتى باقي الأسواق العربية والتي كانت على تباعد معها منذ الحقبة الشيوعية، نراها اليوم تبتاع منها الأسلحة، أضف إلى ذلك التبادل الاقتصادي والسياحي وحتى السياسي، إذ أن روسيا لن تتنازل عن الأسد، وذلك لحماية نفوذها في البحر المتوسط والساحل السوري، حتى لو كلفها بناء دولة علوية يرأسها الأسد وعائلته.
التعليقات