سُأل "أرسطو" ذات يوم: من يصنع الطغاة؟ فأجاب على الفور قائلا: ضعف المظلومين.
يُعرف الفيلسوف "أرسطو" الطغيان على انه: صورة للحكم الفردي في ممارسة السلطة من دون رقيب او حسيب، فهو بذلك يسبغ على نفسه صفات الألوهية، ولا يسمح لأحد بالتدخل في شؤونه.
ويُقال ان اول من استعمل مصطلح "الطغيان" هم اليونانيون في منتصف القرن السابع قبل الميلاد، حيث أطلقوه على الملك "جيجز". قد يكون الطغيان أقدم من ذلك بكثير، لكن عصر الطغيان تم تدوينه بصورة رسمية في التاريخ اليوناني القديم الذي أطلق عليه مسمى "عصر الطغاة الإغريق".
وقد عايش الكثير من فلاسفة اليونان مثل "افلاطون" و "أرسطو" حكم بعض الطغاة كأنظمة فاسدة، وفيما بعد ظهر الطغيان على أشده في بلاد الشرق حيث بلغ حد الطغيان لدرجة الألوهية والعبادة، إذ ان الطاغية كان يعتبر نفسه يمثل إرادة الشعب، ويستخف به ويستعبده، لدرجة ان "أرسطو" قال: "أن الشرقيين كانوا بطبيعتهم عبيد".
"الطغاة يجلبون الغزاة" مقولة تتكرر كثيرا في الأدبيات العربية، ويقال ان عالم الاجتماع العربي "ابن خلدون" تطرق لها في كتابه الشهير "مقدمة ابن خلدون". هذه المقولة الشهيرة أصبحت كثيرة التداول والاستخدام في الكتابات العربية منذ بدية التسعينيات من القرن المنصرم، نتيجة أفعال وتصرفات الطغاة العرب الذين استعبدوا شعوبهم، وانتهى بهم الأمر بما يليق بالطغاة على مر العصور.
"صدام حسين" الذي حكم العراق بالحديد والنار، ارتكب حماقته الكبرى عندما غزا الكويت في الثاني من شهر أغسطس عام 1990م، حيث قامت الولايات المتحدة بتشكيل تحالف دولي – من ضمنه دول عربية – لطرده من الأراضي الكويتية وقد تم ذلك. ولكن الكويت التي لم يكن على أراضيها أي وجود اجنبي قبل الغزو المشؤوم، اضطرت حكومتها بعد الغزو للقبول بوجود اجنبي على أراضيها على شكل قواعد عسكرية لحماية امنها من غدر وعدوان جيرانها واشقائها.
لم تكتف الولايات المتحدة بما فعلته من طرد الجيش العراقي من الكويت، ففي شهر مارس من عام 2003م، قامت الولايات المتحدة بالتحالف مع ربيبتها بريطانيا بغزو العراق واحتلاله، بحجة وجود حاكم طاغية يقتل شعبه بالسلاح الكيماوي ويهدد جيرانه. الواقع ان الولايات المتحدة تريد ذريعة لتدمير القوة العسكرية العراقية، ونهب ثرواته النفطية وتقسيم العراق الى دويلات ثلاث على أسس عرقية ومذهبية. اما مصير "صدام" فكما يعرف الجميع، أُخرج من حفرة تحت الأرض وهو بهيئة يرثى لها، وحوكم وأعدم شنقا في صبيحة "عيد الأضحى". منذ ذلك الوقت والى يومنا هذا، والعراق عمليا بلدا محتلا من عدة دول اجنبية وإقليمية، وشعبه يقاتل بعضه البعض.
اما طاغية دمشق "بشار الأسد" الذي ورث الحكم من الطاغية أبوه في شهر يونيو عام 2000م، بعدما أجبر مجلس الشعب السوري على تعديل الدستور وخفض الحد الأدنى لعمر الرئيس من 40 سنة الى 34 سنة، فبدلا من التجاوب البناء للمطالب السلمية لشعبه بالإصلاح والمشاركة، قام جلاوزته باعتقال 15 طفلا من مدينة حوران – جنوب سوريا – وتعذيبهم وبتر أطراف أصابع بعضهم، لأنهم كتبوا عبارات مناهضة للنظام على الجدران. سوريا منذ العام 2011م غارقة في بحر من الدماء والدمار الذي طال البشر والحجر. اكثر من 300 الف قتيل، وربما ضعف هذا العدد او اكثر من الجرحى والمعوقين، وحوالي نصف عدد السكان مهجرين في الداخل والخارج، والمدن الكبرى التي على شاكلة "حلب" مدمرة بشكل كبير.
كغيره من الطغاة، لم يتوانى "بشار" عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه مرتين، وها هي سوريا ارض مستباحة من قبل الغزاة القريبين والبعيدين، يعيثون فيها الفساد والدمار. اما مصير "بشار" وكيف سينتهي به الأمر فالعلم عند الله، ولكن لا استبعد ان يلقى نفس المصير الذي لقيه كل طاغية على مر العصور.
وفي هذه العجالة، لا يفوتنا ان نذكر طاغية ليبيا "معمر القذافي" الذي وصف الشعب الليبي بالجرذان، لا لشيء سوى انهم، كشعوب العالم الأخرى، طالبوا بحقهم في المشاركة والإصلاح وبناء وطنهم. كلنا يعلم كيف كانت نهايته، القى الثوار القبض عليه وهو مختبئ في أنبوب لصرف النفايات، وأطلقوا عليه رصاصتين في الرأس واراحوه الى الأبد.
الأمر الذي يحير العقول، ان الطغاة العرب جميعا يصرون على ان الانتفاضات التي قامت ضدهم هي نتيجة تحريض ومؤامرات من الخارج، وينكرون ان هذه الانتفاضات انما انطلقت جراء ما تعرضت له شعوبهم من مظالم وقمع واهدار للحقوق. الطغاة لا يخشون شيئا كما يخشون يقظة الشعوب وصحوة القلوب، ولا يكرهون شيئا كما يكرهون الداعين الى الوعي واليقظة، ولا ينقمون على أحد كما ينقمون على من يوقظون الضمائر الغافلة. السؤال: هل يعتبر الحكام العرب الحاليين بما جرى، أم على قلوب اقفالها؟
- آخر تحديث :
التعليقات