قامت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات ومملكة البحرين وجمهورية مصر بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر، موجهين لها اتهامات غاية في الخطورة وهي دعم الارهاب والمذهبية. ورافقت عملية قطع العلاقات الدبلوماسية، خطوات تصعيدية اخرى لاظهار جدية هذه الدول في الوصول الى مبتغاها، والا فانها ستستمر في التصعيد. والظاهر ان دولة قطر اخذت على حين غرة وتفاجأت بالخطوات المتتالية. ولذا فانها ظهرت متحيرة في اول الامر.
فقطر التي اخذت على حين غرة، رغم اتخاذها بعض الخطوات مثل الطلب من بعض قيادي حماس مغاردة اراضيها، حيث تفيد الانباء ان بعضهم وصل ماليزيا، الا انها تحركت ايضا باتجاه اخر وهو محاولة تمتين علاقاتها مع ايران، العدو اللدود للدول الاربع المشار اليها اعلاه، باعتبارها المسبب الاول للارهاب. ولكن الخطوة الاخرى التي ظهرت وكانها تثير القلق اكثر هي الطلب من تركيا بتوسيع تواجدها في قطر، لغرض الدفاع عنها، حيث سارع البرلمان التركي للمفاوقة على توسيع القاعدة العسكرية التركية في قطر. وقد رافق ذلك مع اظهار الرئيس التركي الغضب والتهديد لمن اظهر الفرح والسرور بمحاولة الانقلاب في تموز عام2016 دون ان يسمي احد. المثير في ما يحدث، من انقلاب الادوار والتحالفات، ان ايران وتركيا اللتان اعتبرتا راس حرب في تحالفين عدوين محتملين، احدهما يمثل السنة بقيادة تركيا والاخر الشيعة بقيادة ايران. ظهرا في القضية القطرية في نفس الجانب، والظاهر ليس حبا في قطر بل كرها بالسعودية. فايران حتما تريد الانتقام من السعودية لانها احد اكثر الدول التي تقف حجر عثرة اما وضع يدها على المنطقة وتسييرها وفق وسياساتها والتي تخدم تطلعات ايران التاريخية نحو الغرب. اما تركيا فالظاهر انها كانت تطمع باتفاقات تسلح وتعهد مشاريع كبيرة للشركات التركية مما كان سيؤدي الى توسيع قدرات الاقتصاد التركي، الا انها خرجت من الجلبة التي احدثتها خاوية الوفاض. فتركيا ذاتها لا زالت مستوردا كبيرا للاسلحة وما تنتجه لا زال سلاحا غير مجرب ان كانت له فعالية امام اسلحة الامم المتقدمة، والعامل الاخر للتوجه التركي، هو بالتاكيد انضام مصر للتحالف من الدول الخليجية الثلاث.
فهل نحن امام صراع جانبي يمهد الطريق الى صراع اكبر، باعتقادي ان اتخاذ تركيا الجانب القطري، ان كانت الخطوة حقيقية ولا يرمى منها مستقبلا استغلال القوات التركية لفرض التغيير في القيادة القطرية من خلال الضغط او الاستيلاء على السلطة باسم اطراف اخرى من عائلة ال ثاني. اقول ان كان الاتجاه التركي حقيقيا اي دعم قطر ضد الدول الاربع، السعودية والامارات والبحرين ومصر، فان الخطوة تعني الدعوة ان تضطر هذه الدول لدعم حزب العمال الكوردستاني في حربه المستمرة في تركيا، وهكذا تكون تركيا قد استدعت امكانيات غير محدودة لمحاربتها، واحداث تغييرات دراماتكية في المنطقة. اي حرب في المنطقة بين الاطراف المتنافسة في التحالف الواحد، للتهيئة من يمكنه ان يكون عضوا في الناتو العربي المزمع اقامته لمحاربة ايران. الا ان المثير ان هذه الحرب ستكون مسنودة لاحد الاطراف من طرف ايران وان كان على الاقل بدعم قطر بالسلع وتسهيل طريق تواصلها مع العالم.
وقد يفسر ما يحدث في سوريا والعراق بعض الشئ التوجهات القائمة او المستقبلية، فدول الخليج قد انكفأت عن الصراع السوري او كادت، وتنظيم داعش لم يبق منه الا ما يجعله اداة ترهيب لبعض الانظمة، لوضع اللمسات المطلوبة دوليا على الحلول التي يجب ان تطبق والتي هي بالنتيجة، محصلة نتاج القوى القائمة بين الدول الكبرى. والانكفاء لم يحصل فقط للدول الخليجية، بل تركيا اي ايضا. والقوى التي لازالت في الساحة هي قوات سورية الديمقراطية وبعض التنظيمات التي دخلت لعبة تصفيات لاظهار من منها الاقوى والقادر على الاستمرار. وقوى النظام وحلفاؤه.
ان ايران ليست مستعدة لتغيير سياستها، بل لا زالت تعمل بهذه السياسة وان كانت قادرة على تغيير الاسلوب او قوة التوجه لتحقيق ما تريده، ولذا فرغم الضربات الاخيرة فهي لا تزال تعمل لربط حلفائها في العراق بطرق مواصلات ثابتة مع الحلفاء في سوريا ولبنان. ومن هنا قد يكون لوجود داعش وغيرها من التنظيمات السنية المعادية لايران، حاجة لكي يتم التلويح بها او استعمالها من خلال غض النظر عن ما تقوم به. وكثيرا ما شاهدنا من هذه الممارسات في السنوات الاخيرة، لضرب التطلعات غير المنضبطة لبعض القوى الشيعية العراقية، من خلال حرب الكر والفر التي قامت على المدن والمناطق التي استعادتها هذه القوات من داعش ومن ثم عادت الاخيرة لاحتلالها مرة او اكثر. والظاهر ان القوى الشيعية وخصوصا العربية ليست مستعدة للتعلم من الدروس السابقة وتتناسى الخسائر الكثيرة والمتكررة، لانها تملك خزينا بشريا مستعدا للذهاب الى الموت طلبا للجنة.
ما يمكن استنتاجه من دخول تركيا على الخط، هو ان تركيا ستكون الخاسر الاكبر، وايران والكورد سيكونان الرابح الاكبر على الاقل مرحليا، لحين انطلاق مرحلة الناتو العربي.
التعليقات