تتوالى على الولايات المتحدة أعاصير تأتي تباعا الواحد تلو الآخر تنذر بمخاطر وفيضانات ودمار يكاد يكون مؤثرا وكأن أعاصير السياسة الترامبوية الغريبة الاطوار بقلاقلها وصرعاتها الهجينة وإرباكها المتواصل وتياراتها الكاسحة لم تعد تكفي ، وهاهو الخرتيت المرعب " إرما " يجهز ويعد العدة لمزيد من الكوارث المقبلة بسيوله العارمة ورياحه الهائجة المخربة ويبدو ان خلَفه الاول " هارفي " خارت قواه وارتخت يداه بعد ان قتل مايزيد عن اربعين شخصا وأهدر ما يفوق المئة مليار دولار من خسائر مادية لحقت اكثرها في ولاية تكساس فأوكل لرفيقه " إرما " ان يزيد من تخريبه وفيضه ويضاعف من خسارات الولايات المتحدة الانسانية والمادية .
أتذكر خلال الهجوم الكاسح الذي أوقعه إعصار" ساندي " مكتسحا السواحل الشرقية للولايات المتحدة في العام / 2012 ؛ اتصلت بأحد اصدقائي الاعزاء المقيمين في نيوجرسي التي تأثرت كثيرا به بحيث أغرق البلاد والعباد بالماء وهدم سقوف البيوت على ساكنيها وقطع الكهرباء وخرب شبكات الصرف الصحي حتى وصل الامر ان اكتسحت اسماك القرش شوارع المدينة الفائضة بالماء وعبثت الحيوانات البحرية ودخلت البيوت من اوسع ابوابها تماما مثلما حدّثني صديقي الذي طار سقف داره في الاعالي وبات هو واسرتهفي العراء مدة من الزمن شأنه شأن مجاوريه ساكني الأحياء العربية هناك والتي تضررت كثيرا بفعل الإعصار الى ان تمّ اصلاح بيته وبيوت بقية الساكنين بجهود حثيثة وبشقّ الانفس .
" ساندي" هذا الاسم الجميل الذي سمّي به الاعصار ويالها من تسمية ظالمة لاتتناسب بين رقّة المرأة وشراسة الاعاصير والحق انيغالبا ماكنت اتساءل ؛ لماذا يقترن الاعصار المدمّر والعاصف بالنسوة الجميلات ؟ هل ان المرأة يصعب التنبؤ بعنفها وتمتلك امزجة متقلبة وتبطش حينما تغضب وتظهر عنفها ولا تستطيع كظمه مثلما الأعاصير ، ربما يكون هذا التبرير صحيحا مقنعا الى حدّ ما لدى البعض لكنني أرجّح ان هدف التسمية والغاية منه هو للتخفيف من اهواله على سبيل التفاؤل عسى ان يكون رحيما ناعما رقيقا كالنساء اللائي يتمتعن بطبع جميل حتى وان غضبن وثارت ثائرتهن .
بعد الحرب العالمية الثانية طوّرت القوات الاميركية المسلحة تسمية الاعاصير ورصدها وقد قامت ادارة الطقس الفيدرالية بوضع جداول لأسماء الحروف الابجدية النسائية وكان الهدف من هذا الاجراء منع التضارب الحاصل في وسائل الاعلام ومنع تعدد الاسماء والاختلاف حولها ؛ لكن هذا الامر اثار حفيظة المجتمع النسوي الاميركي فأخذتحركات تحرير المرأة تطالب ادارة الطقس بإعادة صياغة أسمائها من جديد وقد رفضت تلك الحركات إلصاق الاسماء الانثوية بالأعاصيرالمدمرة والعنيفة وطالبت الادارة المذكورة بحشر أسماء ذكورية في ثنايا قوائمها ، وعلى اثر هذا الضغط تقرر طرح قوائم جديدة كل ست سنوات تتضمن اسماء ذكورية وأنثوية بالتتابع سنة بعد اخرى .
وما ان وضعت اسماء الذكور على الاعاصير (وليتهم لم يفعلوا) حتى حلّ الدمار الشامل والتخريب الهائل كما حصل للإعصار / اندرو الذي ضرب جنوب الولايات المتحدة في آب/1992 وخلّف قتلى كثيرين وخسائر تربو على 21 مليار دولار وكذلك اعصار / ميتش الذي اهلك الحرث والنسل وإعصار / تشارلي و/ ايفان اللذان ضربا فلوريدا وكوبا عام /2004 مما اضطر المسؤولين في دوائر الارصاد إبعاد ايّ اسم ذكوري على ايّ اعصار مقبل مادام تأثيره وضرره ونتائجه بهذه الخطورة والفداحة في الخسائر البشرية والمادية ولجأوا الى انتقاء اسماء نسائية ناعمة الجرس تطلّعاً الى التخفيف من هول الفواجع التي تسببها الاعاصير المقبلة .
والطريف في الامر ان اعصار / كاترينا ( 2005) الذي دمّر " نيواورليانز " والمناطق المجاورة تدميرا هائلا مخلفا مايزيد عن 1800 قتيل قد سُمِّي باسم سيدة جميلة كانت اول من اكتشفت وجوده وهو يقترب من السواحل الاميركية كونها موظفة تعمل في مركز بحوث الارصاد الجوية مما حدا بالمسؤولين ذوي الاختصاص ابعاد اية تسمية ذكوريةوالتعويل على اسماء النساء فقط تفاؤلا بالجنس الناعم الذي يعتقد القسم الكثير منهم ان هذه الاسماء الجميلة مجلبة للحظّ والسعد ومخففةً الى حدّ كبير من آثار الاعاصير وأهوالها اذ يلعب العامل النفسي دورا لايستهان به في التقليل من وطأة الدمار والخراب ، وهذا ماحصل ايضا حينما اقترب اعصار" ريتا " بعد كاترينا ، وكان اعصار / ريتا وديعاً وغير مؤثر بالقياس الى الاعاصير المهولة الخطيرة التي سميت بأسماء الرجال .
حقا كانت وجهة نظرهم مصيبة فاليد الحانقة للمرأة قد تخدش بأظفارها ولكنها لاتبطش مهما غضبت وثارت ثائرتها فهي كالنسائم العليلة تمرّ عليك وتشرح صدرك لكن يد الرجل الغاضب قد تمتدّ اليك ساخطة غاضبة موجعة مثل رياح صرصر عاتية وطوفان هادر كالأعاصير الاميركية الصنع وأسوأها أعاصير ترامب المنزوعة الحياء والتي أحسبها اكثر خطورة بكثير من أعاصير الطبيعة الغاضبة .
التعليقات