يعود تاريخ تشكيل المملكة المتحدة الى 1 أيار / مايو 1707 عندما انضمت مملكة اسكتلندا إلى إنكلترا.
وفي الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 1997، صوتت اسكتلندا بأغلبية ساحقة لمنح البلاد أحقية تشكيل برلمان يحظى بسلطات واسعة، وهو الاستفتاء الذي أدت نتيجته إلى إعادة تشكيل البرلمان الاسكتلندي بعد ما يقرب من 300 عام.
وفي 18 سبتمبر/أيلول 2014، شهدت اسكتلندا استفتاء حول استقلالها عن المملكة المتحدة واثناء الحملة الانتخابية لعملية الاستفتاء، قال الوزير الأول لاسكتلندا، أليكس سالموند وهو زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي، إن بلاده على "أعتاب صناعة التاريخ" من خلال التصويت على الاستقلال مشيرا بأنه "عملية تمكين وطني وأن الشعب الاسكتلندي "يعيد اكتشاف ثقته بنفسه".واستغل سالموند، هذه الذكرى للتأكيد على أن التصويت بـ"نعم" على الاستقلال في الاستفتاء سيكون استمرارا لـ"مسيرة اسكتلندا الدستورية حتى الآن"، وسيكون بمثابة "فرصة العمر" للاسكتلنديين".
وفي اقوى رد على وعود المملكة المتحدة بعدم الاستقلال علق سالموند قائلا ان "الوعود المتهورة في اللحظة الأخيرة من جانب حملة "لا" لن تخدع أحدا في هذا البلد، ولن تؤثر البلطجة السافرة والتخويف من جانب الحكومة البريطانية".
ولكن عند بدء عملية الاستفتاء جاءت النتيجة لصالح معسكر "لا" ولم تنل اسكتلندا استقلالها.
ومن هنا نود التوقف عند ابرز الاسباب التي دفعت الناخب الاسكتلندي لصالح البقاء مع المملكة المتحدة مع مقارنة بسيطة لفترتي ماقبل الاستفتاء في اسكتلندا والفترة الحالية في اقليم كردستان مع تقدم الخطوات نحو الاستفتاء حول الاستقلال عن العراق.
أرجوكم، لا تحطموا هذه العائلة
في محاولة لتفادي الانفصال وبعد العديد من الزيارات وتوجيه الخطابات والمؤتمرات الصحفية، خاطب رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون الناخبين وحذر من أن فوز مؤيدي الاستقلال في الاستفتاء حول انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة سيكون «طلاقا مؤلما»، مبديا حرصه الوطني الحقيقي تجاه عدم استقلال اسكتلندا قائلا «أرجوكم، لا تحطموا هذه العائلة». وذكَّرهم بأنهم إذا صوتوا لصالح الانفصال عن بريطانيا، فإنهم لن يتمكنوا مستقبلا من استخدام الجنيه الاسترليني عملة لهم".
لم تقتصر دعوات كاميرون للاسكتلنديين على التحذير والتوسل لتفادي الاستقلال بل عرض عليهم وعودا حقيقية بمنح صلاحيات لامركزية ومالية وتجارية وضريبية أوسع وذكر الاسكتلنديين بان "المملكة المتحدة هي دولة ذات قيمة كبيرة ومميزة، وهذا هو الأمر الذي يواجه مخاطر، ولذا على الجميع في اسكتلندا ألا يساوره الشك بأننا نريدكم بشدة أن تبقوا (ضمن المملكة المتحدة)، ولا نريد لهذه المجموعة من الدول أن تتمزق".
"معا أقوى"
واعقب مواقف كاميرون دخول ماكان يعرف حينها بالقادة الثلاثة وهم قادة الأحزاب الرئيسية الثلاثة في بريطانيا وهم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وزعيم حزب العمال البريطاني إد مليباند ونائب رئيس الوزراء وزعيم حزب الديمقراطيين الأحرار نيك كليغ، حيث دعوا خلالها الاسكتلنديين للتصويت بـ"لا" في الاستفتاء مع اعلانهم تأييد خطة عمل يقودها رئيس الوزراء الاسبق غوردون براون، بمنح سلطات جديدة لاسكتلندا بعد اليوم التالي للاستفتاء مباشرة.
وعند زيارتهم لاسكتلندا قالوا للاسكتلنديين: "نريد منكم أن تفكروا في الأمر، فسنكون أقوى معا، لأنه يمكننا أن نخلق مجتمعا أكثر مساواة وأكثر عدلا". وأضافوا: "فكروا في الأمر من الناحية الوجدانية، إذ تربطنا علاقات قوية، سوف تتمزق في حال الانفصال". وقالوا في بيان مشترك "هناك الكثير الذي يفرقنا، لكن هناك شيء واحد نتفق عليه بقوة، (وهو أن) المملكة المتحدة أفضل معا".
ووقع القادة الثلاثة على ضمان نقل مزيد من الصلاحيات لإسكتلندا إذا صوت الاسكتلنديون في الاستفتاء واختاروا البقاء ضمن المملكة المتحدة.
وتألف التعهد من 3 أجزاء، ويعد الجزء الأول منه بإعطاء "صلاحيات جديدة واسعة" للبرلمان الاسكتلندي وذلك بموجب جدول زمني توافق عليه الأحزاب الثلاثة في حال جاء التصويت بـ"لا" في الاستفتاء.
وينص الجزء الثاني على أن القادة البريطانين اتفقوا على أن بريطانيا وجدت على اساس ضمان الفرص والأمن للجميع عن طريق تقاسم الموارد بشكل عادل".
أما الجزء الثالث فيختص بتمويل خدمات الصحة الوطنية في اسكتلندا (NHS) التي سوف تقع على عاتق الحكومة الاسكتلندية "بسبب استمرار الاعتماد على نظام بارنيت بشأن تخصيص الموارد المالية، وصلاحيات البرلمان الاسكتلندي لرفع الإيرادات".
ورغم انه أيا كانت نتيجة استفتاء، فستظل الملكة إليزابيث الثانية ملكة اسكتلندا، الا انها ايضا خرجت عن صمتها بشأن قضية الاستفتاء على استقلال اسكتلندا ايضا وحرصها على عدم خسارة اسكتلندا، وقالت ملكة بريطانيا إنها تتمنى أن يفكر الاسكتلنديون مليا بشأن المستقبل وهم يدلون بأصواتهم في الاستفتاء الذي قد يسفر عن تفتت المملكة المتحدة.
خيار البقاء
وفق الإتفاقية التي وقعتها كل من الحكومة الإسكتلندية والحكومة المركزية لاجراء الاستفتاء في اكتوبر 2012 وكان نص السؤال في الإستفتاء «هل ينبغي أن تكون اسكتلندا دولة مستقلة؟»، تم اجراء عملية الاستفتاء الشعبي في سبتمبر 2014 التي استغرقت يوما واحدا، ورفض الناخبون استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة بنسبة 55.42% مقابل نسبة 44.58% كانت تؤيد الإستقلال.
العراق والمملكة المتحدة
لقد شهدت اسكتلندا قبل الاستفتاء نشاطا محموما للفريقين المؤيد والرافض للاستقلال الى جاءت النتيجة لصالح البقاء ضمن المملكة المتحدة ولكن في المقابل حصلت اسكتلندا على صلاحيات برلمانية وادارية و ومالية وضريبية اكثر وفق ماجاء في وثيقة براون والتي وقعها القادة الثلاثة حيث بالامكان القول ان قيام الحكومة والاحزاب البريطانية بمسؤولياتهم الوطنية من اجل ضمان بقاء اسكتلندا في احضان المملكة المتحدة حال دون استقلالها.
ولكن فلنأت على ذكر مسألة محاولات اقليم كردستان لاجراء عملية استفتاء (معروفة النتيجة بنعم) حول الاستقلال عن العراق ولكن بعيدا عن أحقية الاقليم في خوضها وقانونية ودستورية تلك العملية نود ان نركز على امر واحد وهو الحرص العراقي على البقاء الكردستاني ضمن العراق أم عدمه وما هي الخيارات والاغراءات التي تعرضها الدولة العراقية بحكومتها واحزابها الوطنية الوحدوية لتفادي اجراء العملية ومن ثم بدء اجراءات الاستقلال كليا والى الابد؟
مقارنة بمحاولات الحكومة والاحزاب البريطانية تجاه الشعب الاسكتلندي نجد الحرص العراقي (حكوميا وحزبيا وشعبيا) في منتهى الضآلة ولن نخطئ الوصف اذا قلنا بانه في ادنى درجة اللامبالاة.
مع اعترافنا بان قسما كبيرا من هذه اللامبالاة اساسه احترامهم لنا في حقنا بتقرير المصير كخيار يحفظ الاخوة العربية الكردية اكثر مما هي عليه الان من حيث بروز تيار شعبوي عراقي عربي يريد قطع كردستان عن العراق ورغم ان الكراهية للكرد هي الدافع ايضا وراء محاولتهم الا انها مهمة ايضا لصالح الاستقلال الكردستاني.
مغزى المقارنة العراقية البريطانية يكمن في اننا نريد ان نسأل الحكومة والاحزاب العراقية أين انتم من استقلال كردستان؟
فاذا كنتم تحترمون خيار الاستقلال لتبرير صمتكم فهذا امر نكن له الاحترام ونسجله بفخر للتاريخ ويفرض عليكم مسؤولية التعاون والدعم والمساندة في ازالة العراقيل امام هذا الاستقلال.
واذا كنتم من معسكر رافضي استقلال كردستان حرصا على الوحدة العراقية فما هي عروضكم وتعهداتكم الوطنية المسؤولة تجاه كردستان التي تئن تحت وطأة قطع الميزانية من المركز وتجاه الالتزام بالمواد التي أدرجت في الدستور حرصا على البقاء الكردستاني ضمن العراق وتجاه الخروقات الدستورية والتشريعية في كردستان؟
بعكس الحرص الوطني ودعوات كاميرون وبراون وميلباند وكليغ للاسكتلندين بضرورة عدم التصويت للاستقلال نجد رئيس الحكومة العراقية الدكتور حيدر العبادي غير مهتم بهذا بالبقاء او عدمه، وبعيدا عن لغة الدبلوماسية يقول حرفيا: التلويح بإجراء الاستفتاء على الانفصال من عدمه "جاء في توقيت غير مناسب إذ لا توجد مصلحة لاقليم كردستان فيه".
وفيما توسل كاميرون من الاسكتلندين في خطاباته الا ان السيد العبادي يأتي ويهدد الاقليم والشعب الكردستاني قائلا "وحرصا على المواطنين الكرد كونهم عراقيين نخشى ان يحصل تراجع على كل الاستحقاقات التي حصلوا عليها وربما يؤدي الانفصال الى نكسة تمتد الى عشرات السنوات، كما ان عصابات الإرهاب الداعشي لا تزال موجودة وهنالك خطر على امن الإقليم".
وابعد ذلك نجد رئيس الحكومة العراقية يقلل من الإجماع الكردستاني على الاستفتاء حول الاستقلال قائلا ان: "ما يطرح ربما بسبب صراعات سياسية او مزايدات" ويذهب الى ابعد من ذلك من حيث اطلاق تهديدات غيرمباشرة بديلا عن اطلاق حزمة من الاجراءات تتمخض عنها تراجع الكرد عبر التزام تام بحقوق الكرد وفق الدستور العراقي .
اما بقية قادة الاحزاب ومسؤولي الدولة العراقية فيكتفون فقط بعبارات بالية، ان كردستان جزء عزيز من العراق ونود ان نبقى، دون الحديث عن مسؤوليات الحزب والدولة في الحؤول دون الاستقلال.
في المحصلة
نجد الغياب التام للحرص العراقي على بقاء كردستان أو استقلاله عن العراق مع غياب الموقف الحقيقي باحترام الاستقلال أو عدمه، وهذا اللاحرص العراقي (الحكومي، الحزبي والشعبوي) يصب لصالح الكرد في الطريق نحو الاستقلال ومايقع على الشارع السياسي والشعبي العراقي هو عدم طعن المحاولات الكردية للاستفتاء والاستقلال وتوجيه السؤال لنفسهم ماذا قدموا لنا وماذا تقدمون لنا كي نبقى معكم، فميزانية الاقليم قطعتموها ولن تتراجعوا عنها بالتوصل الى اتفاق حول عدد موظفي الاقليم الذي فيه خلاف (كردستان تقول ان العدد 1.400.000 و بغداد تقول ان عددهم المسجل عندها 800.000)
اما رواتب البيشمركة الذين كسروا شوكة داعش وحموا النازحين العرب، فلم ولن يتم دفعها رغم كونها قوة نظامية وتابعة لمنظومة الدفاع العراقية في المقابل يتم دفع الرواتب للجيش الذي تعثرت قوته وقوات الحشد الشعبي التي تشكلت وفقا لفتوى سماحة السيد السيستاني، وكذلك تنصلت بغداد واحزابها عن الوعود بتنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي لحل الاشكالات التاريخية المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها وقد تم الغاء مبدأ الشراكة الحقيقية في الحكم والقرار والحقوق والواجبات.
الاسكتلنديون صوتوا لصالح البقاء مع المملكة المتحدة بسبب ثقتهم بالوعود والتعهدات التي اعطيت لهم وهاهم يستعدون لحملة استقلال ثانية لقناعتهم بان المصلحة والوطنية تقتضي ذلك رغم تمسك الحكومة البريطانية بتعهداتها السابقة.
ولكن في كردستان نجد ان المصلحة الوطنية والمسار التاريخي تتطلب الاستقلال عن دولة لم ولن تلتزم بتعهداتها السياسية والقانونية والدستورية وليست مستعدة لتقديم أبسط حافز لتفادي الاستقلال..
الحرص والتمسك يتطلبان صدق الأفعال قبل الأقوال.
*كاتب وصحفي من كردستان *[email protected]
التعليقات