شكلت الحضارة العربية الإسلامية نبراساً مضيئاً في التاريخ الإنساني للأمم وشيدت معالمها على مساحة واسعة من أنحاء العالم وهي لم تصدر عن أمة منقطعة عن الفكر الحضاري والإنساني، إذ جاءت الحضارة وليدة نضج أينعت ثماره منجزات خالدة في رحلة تدرج غير منقطع في سفر التاريخ والحضارة العربية هي أرقى وأسمى الحضارات التي عرفها الكون فكان العرب أصحاب لغة ناضجة وآداب راقية وربطتهم صلات تجارية بالأمم الأخرى.
وعندما انطلقوا فاتحين الحصون والقلاع حملوا معهم رسالة الإسلام السمحاء يبلغونها إلى الناس وما أن باشروا فتوحاتهم حتى عكفوا على بناء حضارتهم فنقلوا جهدهم من ميادين القتال إلى مجالات الحياة المختلفة ليملأونها عدلاً وسماحة، فرسخوا جذور ثقافة التعايش مع الأخر عبر ما حملوا لهم من علوم وفنون الحياة.
إنها حضارة جديدة ذات ملامح ميزتها عن حضارات كثيرة برزت قبلها وبعدها ورضيت أمم وأقوام كثيرة بالإسلام ديناً وتلقت برحابة تلك القيم الجديدة وعنوانها الحي اللغة العربية لغة القرآن العظيم التي أكرم بها الباري عز وجل أمة العرب.
وكانت جزر البحر المتوسط التي فتح العرب بعضها واستقروا في بعضها الآخر أحد أهم الممرات الرئيسية التي انتقلت بواسطتها معالم الحضارة العربية الإسلامية إلى أوروبا وبهذا تمت سيطرة المسلمين على مياه الحوض الشرقي للبحر المتوسط وتركت سيطرة العرب على الحركة البحرية آثار عظيمة على مناحي الحياة الاقتصادية والتجارية في كل الأقاليم البحرية.. ولكي ندرك القيمة الكبيرة لهذه الانجازات التي حققها العرب الأوائل علينا زيارة جزر القمر هذه البقعة الجميلة التي تغفو وسط أمواج المحيط الهندي وهي قطعاً تذكرنا بأننا كنا رجال بحر مثلما كنا فرسان صحراء.
الم يكن أهلنا العُمانيين وهم الملقبون برواد البحار قد برعوا في صناعة السفن والأساطيل فكان دورهم كبير بنشر ملامح الحضارة العربية الإسلامية شرق وغرب إفريقيا ولهم في هذا تاريخ حافل بالفخر والاعتزاز، وبعد دخول عُمان في الإسلام أسهم العُمانيون في الدعوة إليه وشاركوا في الكثير من الفتوحات الإسلامية.
ووصلت البحرية العُمانية إلى ذروة قوتها في عهد هارون الرشيد حيث وجدت عُمان نفسها على مفترق الطرق البحرية، الصين والهند شرقا، والعراق في الشمال الشرقي، والبحر الأحمر وشرق إفريقيا في الجنوب العربي، وكان الطريق بين كانتون الصينية وبغداد من أطول الطرق البحرية في القرون الوسطي، الأمر الذي حفز حكام عُمان على تشكيل أسطول خاص من السفن الصغيرة والسريعة للتصدي للقراصنة الذين نشطوا في عرض البحر، وهم الذين حملتهم أشرعتهم إلى اكتشاف جزر القمر والتي مثلت نقطة مهمة للسيطرة على منافذ حيوية في المحيط الهندي وأساس ارتكاز هذه السيطرة على المناطق الساحلية المحيطة بممرات مائية أو طرق ملاحية لها أهمية أساسية في استراتيجية البحار، حيث تعد الطرق البحرية هي المنافذ الأساسية والوحيدة في تلك الفترة.
ولهذه الجزر التي أبدع الخالق سبحانه جلت قدرته برسمها وصياغتها ولها من اسمها الجميل نصيب ففي ليالي البدر تبدو بشواطئها البيضاء النظيفة وجمالها الرائع (عروسة جميلة في وسط المحيط ).. سميت بلاد العطور والقرنفل، إلا أن التأريخ يذكر لنا بأن أجدادنا أول من لقبوها بـ «جزر القمر» في أوائل القرن الثاني الهجري عندما حطت مراسيهم على سواحل هذه الجزر الخلابة وكان القمر بدراً مضيئاً فأطلقوا عليها جزر القمر كما يقال أيضا أن سبب التسمية ربما يعود إلى كون هذه الجزر تشبه في شكلها العام.. الهلال. وأخذ الأوروبيون عن العرب هذه التسمية وأطلقوا عليها «كومور Comoros».
لكن مخطوطة اكتشفها الفرنسيون تشير بوضوح إلى وجود عائلات عربية استقرت قديماً في هذه الجزر التي تظل بحاجة إلى عناية عربية أكثر لا أن تترك نهباً للإهمال والنسيان مثلما نسينا وأهملنا أشياء كثيرة.. جزر القمر جنة عربية في المحيط هي ثغر عربي باسم يطل على قارة إفريقيا الغنية بمواردها العديدة وهي قبلة واعدة لسياحة التمتع بالطبيعة والباحثين عن السكينة والجمال..شعب فقير يقطن في أجمل الأمكنة وأحلاها.
التعليقات