نصر المجالي من لندن: في بادرة غير مسبوقة، فإن الإعلام الرسمي الأردني فتح بواباته للشيوعيين وهي حركة ظلت محظورة لعقود خلت، ولكن يبدو في إطار الانفتاح الذي يقوده العاهل الهاشمي الملك عبد الله الثاني نحو تنمية سياسية شاملة في البلاد يشارك فيها الجميع، فإن الحزب الشيوعي الأردني وجد مجالا كبيرا له للتحرك على الساحة الأردنية جنبا إلى جنب مع التيارات والأطياف السياسية المختلفة.

يذكر أن الحزب الشيوعي الأردني، هو من أقدم الأحزاب على الساحة الأردنية حيث تأسس في نهايات أربعينيات القرن الماضي ولكن نشاطه حظر منذ ذلك الحين، وواجه أعضاءه مطاردات أمنية كثيرة، واعتقلت قياداته لفترات طويلة من الزمن، لكن الحزب ظل متماسكا حتى الآن، رغم أنه خاض معارك انتخابية للبرلمان منذ الانفتاح الديموقراطي الذي بدأ في العام 1989 حيث جرت أول انتخابات حرة في الأردن من بعد توقف طويل فرضته ظروف إقليمية، وكان حظ الحزب الشيوعي سيئا في كل الانتخابات التي جرت، حيث لم يحرز أي مقعد برلماني.

ويلاحظ أنه في إطار تحرك الحكومة الأردنية نحو تحقيق تنمية سياسية شاملة حسب ما طلب الملك في كتاب تكليفها، فإن محمد داودية وزير التنمية السياسية وهو منصب استحدث في التشكيل الحكومي الذي قاده فيصل الفايز، يتحرك على أكثر من صعيد في المملكة، وهو أخيرا التقى زعامات الحزب الشيوعي في البلاد، وسط تغطية إعلامية رسمية شاركت فيها وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا) كما بثها التلفزيون الرسمي وكذلك الإذاعة.


وفي مداخلاتهم مع الوزير داودية أمس، فإن أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي الأردني أكدوا على أن نقطة البداية لتحقيق التنمية السياسية هي البدء بوضع قانون انتخاب عصري يعتمد التمثيل النسبي ويعكس القوى السياسية لمختلف ألوان الطيف السياسي الأردني، وقالوا "إجراء من هذا النوع يعزز من مصداقية الحكومة ومؤشر على جديتها في الإصلاح السياسي المعبر عن الرغبة الملكية والإرادة السياسية لمجموع قوى الشعب الأردني".

وثمن زعماء الحزب الشيوعي لوزارة التنمية السياسية خلال حوارهم مع الوزير محمد داودية في مقر حزبهم الحوارات التي تقوم بها والتي تعزز الديمقراطية الأردنية الأصيلة، وطرحوا فكرة تقضي بان تقوم الحكومة بعرض مشروعات القوانين في الصحف قبل إرسالها إلى البرلمان وتلقي ردود الفعل نحوها كنوع من الديمقراطية المباشرة لإشراك المواطن في العمل السياسي وحفزه .

وقالوا أن أولى المعطيات لإنجاح التنمية السياسية توفير مناخ الحرية
وإطلاق الحريات واعتبار الدستور الوثيقة التي يحتكم إليها الجميع حكاما ومحكومين وإلغاء جميع القوانين التي تحد من الحريات العامة، واعتبروا من جانب آخر أن الإصلاح السياسي متطلب سابق للتنمية السياسية ويجب على الإصلاح أن يمتد ليشمل مختلف مناحي الحياة وفي مقدمتها الإصلاح
القضائي واستقلاليته، إضافة إلى الإصلاحات الإدارية والتعليمية والاقتصادية.

وطالبوا بضرورة تعميق الحياة الحزبية بإيجاد قانون أحزاب يعطي الحق في تكوين أحزاب وإشهارها بدون قيود .. داعين إلى إنهاء حالة الخوف التي سادت لسنوات طويلة تجاه الانخراط بالعمل الحزبي.

من جهته رد وزير التنمية السياسية مشيرا إلى ما كان أكده رئيس الوزراء فيصل الفايز في ملتقى البحر الميت مع الشباب الأردني بان الحكومة ستعمل على إعداد قانون عصري للانتخابات يراعي كل المتغيرات ويحقق العدالة المنشودة والتمثيل العادل بين مدن وأرياف الوطن ويلبي طموحات الأردنيين جميعا.

وقال الوزير إن مشروع التنمية السياسية هو مشروع كبير ويسير وفق رؤية واضحة وبرنامج زمني مدروس.. مبينا إن الوزارة تقوم بإجراء حوارات مع مختلف مؤسسات المجتمع المدني والاقتصادي بهدف استكشاف
المحتوى السياسي للمواطنين، كما أنها شرعت في وضع استبيان شامل للوصول إلى المواطن الأردني في كل مكان.


وأوضح داودية أن التحاور واللقاءات المتتالية مع مختلف الأحزاب
السياسية ومؤسسات المجتمع المدني مرحلة تمهيدية استكشافية للانتقال بعد ذلك للبحث بتفصيلات وحيثيات محاور مشروع استراتيجية وخطة عمل التنمية السياسية.

وأخيرا، في رده على استفسار حول التأسيس لفقه سياسي حداثي بين داودية
أن تلك هي الركيزة الأساس للإصلاح السياسي ولا نختلف عليها مع
أحد، وقال إن المخرج الأساسي للإصلاح يتمثل بالارتقاء بالسلوك السياسي للفرد وتحريره من اللامبالاة والصمت وحثه على المشاركة الفاعلة في قضايا المجتمع والدولة والارتقاء بمستوى وعيه السياسي واتساع نطاق مشاركته وبخاصة من جانب المرأة والشباب.