أسامة العيسة من القدس: لم يأخذ أحد من الفلسطينيين على محمل الجد بيان الناطق الرسمي الفلسطيني حول محاولة اغتيال النائب نبيل عمرو، الذي اتهم فيه قوات المستعربين بالمسؤولية عن محاولة الاغتيال الفاشلة، ليس فقط لأسباب تتعلق بالواقع العملياتي للمحاولة الفاشلة، وطريقة التنفيذ التي لا يمكن أن تكون نفذتها وحدات احتلالية ، ولكن أساسا لأنها جاءت ضمن سياق فلسطيني داخلي وصلت فيه التناقضات الداخلية إلى مستوى مرتفع، كما يسود الاعتقاد. ونفس الأمر يتعلق بالإعلان عن تشكيل لجنة للتحقيق في الحادث التي يعتقد بان مصيرها سيكون مثل لجان أخرى شكلت للتحقيق في أحداث مماثلة، ولم تقدم نتائج تحقيقاتها أبدا.

وإذا كان عمرو نجا من محاولة الاغتيال وحالته مستقرة، ورفض اتهام أحد بالوقوف خلفها، كما قال ابنه الأكبر طارق ، فانه كان افضل حظا من رموز أخرى من حركة فتح كانوا ضحية عمليات اغتيال يعتقد بأنها وقعت على خلفية صراعات داخلية في الحركة الأكبر والأقدم في الثورة الفلسطينية المعاصرة.
وحسب مراقبين فان عمليات الاغتيال التي شهدتها الحركة عادة ما تقع في المنعطفات التي تمر بها الحركة أو القضية الفلسطينية. وخلال السنوات العشر الماضية قتل عدد من رموز الحركة في حوادث اغتيال لم تكشف ملابساتها أبدا.

فمثلا، في صيف عام 1993، وبينما كان المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قطعت شوطا طويلا، استعدادا لتوقيع اتفاق أوسلو وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الجانبين، فوجئ الفلسطينيون بحادث اغتيال في مدينة غزة كان ضحيته المحامي محمد أبو شعبان. ولم يستطع أحد أن يوجه الاتهام لإسرائيل باغتياله، كما جرت العادة، فأبو شعبان كان من الشخصيات السياسية التي أبرزتها قيادة حركة فتح في الخارج لتكون مع شخصيات أخرى عنوانا لفتح حوارات وتفاوض رسمي وغير رسمي مع شخصيات رسمية وأكاديمية وغيرها من الجانب الإسرائيلي. وزاد من صعوبة اتهام إسرائيل أن أبو شعبان قتل والعلاقات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني تشهدا انفراجا كبيرا، توج بعد اشهر باتفاق أوسلو، ولم يكن أبو شعبان بعيدا عن ذلك الانفراج.

وفي بيت العزاء الذي فتح للمحامي أبو شعبان جلس اسعد الصفطاوي من قادة فتح المؤسسين والذي بقي في قطاع غزة، وتحول خلال سنوات إلى عنوان سياسي لحركة فتح، اجتمع معه كثير من قادة إسرائيل لطرح مشاريع أو إيصال رسائل غير مباشرة إلى قيادة فتح في الخارج، وفي السنوات التي سبقت اتفاق أوسلو كان دوره يتعاظم في أوساط حركة فتح في قطاع غزة، حتى عد الرجل الأول فيها في قطاع غزة.
استنكر الصفطاوي بشدة عملية اغتيال رفيقه أبو شعبان، وتعهد بالكشف عن الفاعلين والانتقام منهم، ولكنه لم يعش ليف بوعده، فبعد نحو أسبوعين انتظره مسلحون أمام بوابات إحدى مدارس قطاع غزة وفتحوا عليه النار ولم يتركوا المكان حتى تأكدوا بان الصفطاوي اصبح جثة هامدة.

وأيقن المراقبون انهم مع سلسلة اغتيالات داخلية ليس لإسرائيل أية علاقة بها، واتجهت الأنظار إلى شخصيات من حركة فتح في تونس، كانت تستعد للعودة في الظروف الجديدة، واستلام مناصب هامة، وساد اعتقاد أن وجود أمثال أبو شعبان أو الصفطاوي بثقليهما لن يمكنهم من ذلك تماما في حالة وجودهما.

وأعلنت حركة فتح بأنها ستحقق في الحادثين وشكل ياسر عرفات لجان للتحقيق, ولكن عندما استلمت السلطة الفلسطينية مقاليد الأمور في غزة لم تفِ بوعدها بالتحقيق الجدي رغم توفر الظروف لذلك.

وخلال انتفاضة الأقصى وفي غمرة عمليات الاغتيال للكوادر الفلسطينية، وقع حادث ملفت في غزة، وكان ذلك ظهيرة يوم الأربعاء 17 كانون الثاني (يناير)2001، عندما كان هشام مكي، منسق مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية ورئيس قناة فلسطين الفضائية، المثير للجدل، يجلس في مطعم فندق بيتش، وفجأة تقدمت منه مجموعة من الملثمين عددهم لا يقل عن ثلاثة، وفق شهود العيان، وأطلقوا الرصاص عليه من أسلحة مزودة بكواتم للصوت، وبعد أن أصابت العيارات النارية مكي في مقتل، فروا هاربين، حيث كانت تنتظرهم سيارة من نوع سوبارو.

كان الاغتيال مفاجئا لرجل كان توليه لمسؤولية الإذاعة والتلفزيون بتكليف عرفات، مثار تساؤل فسيرته المهنية في نظر كثير من زملائه في الإذاعة والتلفزيون لا تؤهله لذلك، وكانت المكانة التي يحظى بها لدى عرفات مثار حفيظة الكثير من الطامحين وغير الطامحين الذين كانوا يرون فيه الشخص غير المناسب في المكان المناسب.

وكان مكي عرضة لكثير من الإشاعات والحكايات، التي لا تخلو من حقائق، طوال سنوات مسؤوليته، وبعضها محرج لشخص يتولى مسؤليته، مثل الشجار الذي تحول إلى عنف بينه وبين نبيل عمرو في مكتب الأخير في رام الله عندما كلفه عرفات تولي مسؤولية الأشراف على الإذاعة والتلفزيون.

وبعد الاغتيال اتهمت السلطة إسرائيل بالوقوف خلف عملية الاغتيال ولم يأخذ أحد كلامها على محمل الجد وحتى إسرائيل لم تكلف نفسها عناء نفي التهمة عنها

وقال بيان السلطة بان الأجهزة الأمنية المختصة تقوم "بمتابعة المجرمين الخونة والعملاء الذين قاموا بتنفيذ هذا الاغتيال الجبان".

واستمرت السلطة بروايتها هذه وقال عرفات بان مكي كان رجلا مهما وان اغتياله مأساة وذلك بعد بيان لمجموعة من كتائب الأقصى تبنت عملية الاغتيال ووصفت مكي بأوصاف وضيعة جدا. ولم يعرف أحد حتى ألان نتائج التحقيق الذي قالت السلطة بان أجهزتها ستجريه في قضية مكي، واصبح معروفا ومسلما به بان مكي قتل على الأغلب بقرار داخلي. وقبل اشهر اغتال مسلحون أحد كوادر حركة فتح وهو خليل الزبن أناء خروجه من مكتبه في غزة فجرا.

وصدرت بيانات استنكار لا يمكن إحصاؤها تنديدا بجريمة الاغتيال وبالفاعلين، وتعهد عرفات الذي كان منح الزبن رتبة مستشار له، بملاحقة الفاعلين، ولكن لم يحدث أي شيء من هذا.

ومثل ملفات أخرى اغلق ملف خليل الزبن، كما يعتقد بان ملف نبيل عمرو سيغلق هو الآخر، ما دام الأمر، كما يعتقد على نطاق واسع هنا لا يتعلق بعمليات اغتيال تنفذها إسرائيل وانما بصراعات وأوضاع داخلية، يمكن أن يؤدي استمرارها لعمليات اغتيال أخرى، إلى درجة أن السؤال اصبح في الشارع الفلسطيني: من سيكون التالي؟.