نبيل شرف الدين من القاهرة: على الرغم من اتفاق معظم الدوائر القبطية في مصر وخارجها على أهمية المشاركة القبطية الواسعة في الانتخابات الرئاسية المقررة الأربعاء المقبل، إلا أن خلافاً واضحاً في الرؤى لا تخطئوه العين حول شخص المرشح الذي ستتجه إليه أصوات الأقباط الذين تقدر مصادر "غير رسمية" نسبتهم بنحو عشرة بالمائة من المصريين، ففي الوقت الذي دعا فيه البابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة القبطية الأورثوذكسية (جموع المصريين) لضرورة التوجه إلى صناديق الاقتراع، وقد بدا شنودة حريصاً على العودة لمصر في هذا الوقت قبيل إجراء الانتخابات بيومين بعد زيارة إلى الولايات المتحدة استغرقت شهرا أجرى خلالها عملية جراحية في العين، وبجرد عودته وفي مطار القاهرة دعا البطريرك أتباع الكنيسة القبطية في مصر إلى تأييد الرئيس حسني مبارك مرشح الحزب الوطني (الحاكم) في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

غير أنه في المقابل فقد أعلنت عدة شخصيات ودوائر قبطية سياسية في المهجر وداخل مصر موقفاً مغايراً لدعوة البابا شنودة الثالث، عبرت عنه تصريحات وبيانات رفضت فيها ما وصفته بتعبير "وصاية أي جهة أو شخصية ـ مهما كانت مكانتها ـ عليهم في شأن سياسي"، كما ذهب أقباط آخرون إلى القول إنه "ليس مقبولاً بالأساس أن تتبنى أي مؤسسة دينية ـ إسلامية أو مسيحية ـ موقفا سياسيا فلا يجوز استخدام الدين في اللعبة الانتخابية بالأساس"، حسب تعبير عدة شخصيات قبطية تحدثت معها (إيلاف) على النحو الذي سيأتي تفصيله لاحقاً في سياق هذا التقرير .

أبادير ونور

والبداية من مدينة زيورخ السويسرية وحيث يقيم الناشط السياسي ورجل الأعمال القبطي عدلي أبادير يوسف، رئيس المؤتمر الدولي لأقباط المهجر، فقد أصدر بياناً يدعو فيه أقباط الداخل أيضاً إلى عدم مقاطعة هذه الانتخابات، كما ناشدهم المساهمة الفاعلة في الحياة السياسية وإثبات وجودهم وأهمية أصواتهم، مطالباً إياهم بانتخاب النائب البرلماني أيمن نور، مرشح حزب "الغد" المعارض في الانتخابات الرئاسية، وعدم انتخاب منافسه الرئيس الحالي حسني مبارك، وساق أبادير في سبيل تعزيز دعوته البيان الذي أصدره أيمن نور يصف فيه حزب "الغد" بأنه "حزب الوحدة الوطنية"، متعهداً بأن يدعو ويعمل على إجراء تعديل دستوري شامل يستهدف إزالة أية نصوص يمكن أن تكون مسوغاً للتفرقة بين المسلمين والأقباط، والعودة إلى تقرير مجلس الشعب (البرلمان) الذي أعده الدكتور العطيفي في العام 1972، ومعالجة هموم الأقباط التي ذكرت مرارا وتكرارا في مؤتمراتهم العديدة، انطلاقاً من ركيزة تراثية تؤكد أن "الدين لله والوطن للجميع"، بلا تفرقه دينية أو عرقية أو ثقافية أو غيرها بين جميع المواطنين المصريين .

وفي الداخل احتج النائب البرلماني، والقطب الوفدي منير فخري عبد النور، على دعوة البابا شنودة الثالث إلى تأييد مبارك، وقال إن قداسة البابا أكبر رمز ديني نجله ونحترمه، وهو كرجل دين يمكن ان تكون له وجهات نظر سياسية كما يشاء، لكن لا يحق له بأية حال من الأحوال أن يدعو إلى فرضها على أتباع الكنيسة، ولو بالتحبيذ"، معربا عن أسفه لما أسماه "الغزل بين السلطة والكنيسة" خاصة في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها مصر.

أما في تورنتو بكندا فقد أعلن بيان هيئة أقباط كندا رغبتهم في فتح قنوات اتصال مع كافة أحزاب وقوى المعارضة المدنية التي تضع مصلحة مصر أولاً قبل أي شئ، كما ناشد بيان الهيئة الشعب المصري وجميع الناخبين أن يدققوا جيداً قبل الإدلاء بأصواتهم لاختيار الرئيس القادم، قائلاً إن مصر ومنطقة الشرق الأوسط برمتها تجتاز فترة تحول تاريخية لا مكان فيها للديكتاتورية ومن حقنا كمصريين أن نتطلع إلى غد أفضل بعد قرابة ربع القرن من حكم مبارك والحزب الوطني"، حسب بيان الهيئة الذي تلقت (إيلاف) نسخة منه عبر البريد الإليكتروني.

تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى قصة أثارت جدلاً في مصر تتعلق بالقس فلوباتير عزيز كاهن كنيسة العذراء بالطوابق بمحافظة الجيزة، الذي يشغل منصب عضو الهيئة العليا لحزب "الغد" المعارض، والذي أصدرت الكنيسة قراراً بإيقافه عن الخدمة الكنسية حتى يوم 18 أيلول (سبتمبر) الجاري، "نظرا لانشغاله عن خدمة الكنيسة"، كما ورد في نص القرار .

الأقباط والمعارضة

ولدى وصوله مطار القاهرة، حث البابا شنودة الثالث الشعب المصري بكافة طوائفه على التوجه إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم يوم الأربعاء القادم، قائلاً "إن ذلك واجب وطني لا ينبغي التخلف عنه"، وقال البابا شنودة إنه ولأول مرة في تاريخ مصر منذ العصور القديمة نرى العديد من المرشحين يتنافسون على منصب رئيس الجمهورية وان وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية مفتوحة أمام الجميع وكل منهم يعرض برنامجه الانتخابي بكل حرية، وهذا لم نره من قبل"، على حد تعبير بطريرك الأقباط الأرثوذكس.

ومضى البابا شنودة قائلاً إنه من الأهمية بمكان أن يستمر هذا المناخ الديمقراطي الذي تعيشه مصر الآن، لافتاً إلى أن "تعديل المادة 76 من الدستور الذي سمح بأن يكون اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر كانت نقطة تحول في تاريخ الديمقراطية في مصر" .

وكان لافتاً حضور العديد من كبار رجال الدين المسيحي المؤتمرات الانتخابية لمرشحي الرئاسة، وخاصة مؤتمرات الرئيس مبارك ومنافسه رئيس حزب "الغد" أيمن نور، ففي المنيا حضر ثلاثة من الأساقفة المؤتمر الانتخابي للرئيس مبارك، وهم الأنبا ارتاييوس أسقف المنيا جنوب مصر، ومساعده الأنبا مكاريوس والأنبا اثناسيوس أسقف بني مزار، فضلا عن حضور خمسة أساقفة آخرين من محافظتي أسيوط والبحر الاحمر، بينما حضر قسان المؤتمر الانتخابي لمرشح حزب "الغد" أيمن نور في المنيا وهما القس فلوباتير، والقس موريس من كهنة كنيسة العذراء .

وأخيراً يقدر المستشار نجيب جبرائيل رئيس "المركز المصري لحقوق الإنسان" عدد القساوسة المنتمين للحزب الوطني الحاكم بنحو 400 كاهناً، موضحاً أن القانون المصري يبيح لرجال الدين المسيحي الانخراط في أي من الأحزاب السياسية، دون أن تلزمهم اللوائح الكنسية بإخطار الكنيسة بعزمهم الانتماء لأي حزب مادام مشروعاً وغير محظور قانوناً.

وحسب إحصائيات حكومية غير حديثة، ووسط ضبابية حول هذه المسألة، فإن عدد الأقباط الأرثوذكس يبلغ أكثر قليلاً من سبعة ملايين، في ما يؤكد الأقباط أنفسهم أن عددهم لا يقل بحال من الأحوال عن عشرة ملايين من أصل 73 مليوناً, تعيش غالبيتهم في محافظات الصعيد بدءاً ببني سويف والمنيا وسوهاج وأسيوط، وصولاً إلى قنا أقصى الجنوب، فضلاً عن القاهرة والإسكندرية.