زلماي خليل زاد سفير أميركا في بغداد يكتب
الدستور العراقي الجديد يوحد العراقيين ويهزم التمرد
إيلاف من لندن: تلقت إيلاف من مكتب برامج الاتصال الخارجي للمعلومات التابع لوزارة الخارجية الأميركية نص مقال كتبه السفير زلماي خليل زاد حول التطورات الراهنة في العراق وخاصة لجهة مسودة الدستور، وجاء في مقال السفير الأميركي لدى العراق الآتي:
ينبغي تقييم مسوّدة الدستور العراقي بموجب مقياسين: هما مضمونها في مجال الديمقراطية والحقوق الإنسانية والبنية السياسية المقترحة، ثم إمكانية أن تصبح ميثاقا وطنيا يوحد العراقيين ويقوض التمرد. وهي تجتاز الاختبار الأول. أما بالنسبة الى الثاني فإن هيئة المحلفين (الناخبين) ستقرر ذلك في استفتاء الخامس عشر من تشرين الأول(أكتوبر).
فمسوّدة الدستور تكرس القيم والمؤسسات التي ينبغي لها أن تساعد في ديمقراطية العراق (تجعله ديمقراطيا) وفي تحقيق الاستقرار الدائم والحرية والرخاء. فالدستور ينطوي على مزيج متنور من القيم العامة والتقاليد العراقية. وينص على أنه لا يمكن سن قانون يتعارض مع "الأحكام الإسلامية السائدة" و"المبادئ الديمقراطية" و"الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور"، وهي حقوق بعيدة التأثير. وتتطلب هذه المعادلة تفسير الإسلام بحيث يتماشى مع الديمقراطية والحقوق الإنسانية.
وتنص مسوّدة الدستور على أن جميع العراقيين متساوون أمام القانون، بغض النظر عن "الجنس والعرق والأصل واللون والدين والطائفة والمعتقد أو الآراء أو المكانة الاجتماعية." فهو يحمي حق الخصوصية الشخصية وحرمة البيت والمحاكمات العلنية للمتهمين بالجرائم وحريات الحركة والتعبير والتجمع والتنظيم السياسي. وينص على أن كل المتهمين أبرياء حتى تثبت إدانتهم. وهو يمنع العقوبات خارج النظام القضائي ومصادرة الممتلكات دون تعويض، والإكراه الثقافي والسياسي أو الديني.
ويضمن مشروع الدستور حق المرأة في المشاركة الكاملة في الحياة العامة. والواقع أنه يشترط أن تكفل القوانين الانتخابية احتلال النساء ما لا تقل نسبته عن 25 في المئة من مقاعد المجلس التشريعي. ويحظر كل أشكال "العنف وسوء المعاملة العائلية" و"التقاليد العشائرية التي تتنافى مع الحقوق الإنسانية." وهو يمنح الجنسية العراقية لكل طفل من أم عراقية، وهو نص يعتبر ثوريا في هذه المنطقة.
أما بالنسبة الى المسألة الجدلية المتعلقة بقانون الأحوال المدنية فينص مشروع الدستور على أنه ينبغي على الجمعية الوطنية أن تسن قانونا يمنح العراقيين الخيار بين اللجوء إلى القضاء الشرعي أو إلى القانون المدني. وهو خيار معمول به في إسرائيل.
وإذ يرغب بعض القادة في جعل الإسلام مصدر التشريع، جعل الدستور الإسلام مصدرا أساسيا للتشريع. وتضمن مسوّدة الدستور في الوقت ذاته "حرية المعتقد والممارسة الدينية" وتنص على أن "لكل فرد الحق في حرية التفكير والضمير والدين."
ويدعم تشكيل هيكل الحكومة المنصوص عليه في الدستور تحول العراق الديمقراطي . ويمكن أن يساعد أيضا في تقريب الخلافات الأساسية بين المجتمعات العراقية الثلاثة. فهو يمنح الهيئة التشريعية سلطة الرقابة والضبط على السلطة التنفيذية وتشكيل قضاء مستقل لضمان حدود السلطات الدستورية للدولة. و يشترط الدستور لتوفير الحماية البنيوية لطوائف الأقليات والملكية في التشريعات الرئيسة موافقة أغلبية الثلثين.
ويؤجل مشروع الدستور اتخاذ أي قرار بالنسبة الى إيجاد مناطق فيدرالية، علاوة على المنطقة الكردية، حتى تشكيل الجمعية الوطنية القادمة، وهو مطلب للمسلمين السنة العرب. وبما أن العرب السنة سيشاركون في الانتخابات المقبلة فإنهم سيشاركون أيضا في حل هذه المشكلة.
وينص الدستور أيضا على حل متوازن بالنسبة الى السيطرة على الموارد ضمن إطار الفيدرالية، إذ يقول إن ثروتي البترول والغاز ملك للشعب وإن الحكومة الفيدرالية بالتعاون مع الحكومات الإقليمية والمحلية تتولى إدارة الموارد الراهنة والمساواة في حصص الدخل وأن تعمل معا على إيجاد استراتيجية لإدارة اكتشافات المستقبل على أساس مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار.
تطغى العرقية والطائفة بدلا من القوى الوطنية الحقيقية. إذ يختلف الزعماء العراقيون حول الأهداف الأساسية ويسود عدم الثقة بينهم. إلا أن عملية صياغة مسوّدة الدستور أحرزت نجاحا بالنسبة الى تقريب الخلافات بينهم عندما عكفوا على رسم طريق مشترك للمستقبل. فقادة العرب الشيعة والأكراد الذين يسيطرون على الجمعية الوطنية ويحكمون البلد عن طريق ائتلاف بينهم، كانوا أول من وافقوا على مشروع الدستور. وتبعا لذلك أشركوا العرب السنة وأخذوا وجهة نظرهم في الاعتبار. الأمر الذي أدى إلى عدد من التعديلات في النص المتفق عليه من الشيعة والأكراد. وقد استجاب القادة الشيعة والأكراد لجزء من مطالب العرب السنة بالنسبة الى قضايا حساسة كالتطهير البعثي بأن خفضوا النسبة المطلوبة في الجمعية العامة لحل لجنة التطهير البعثي من أغلبية الثلثين إلى أغلبية مطلقة.
ويحتاج العراقيون في نهاية المطاف إلى التوصل إلى اتفاق وطني. فما زال بعض القادة العرب السنة يرفضون مشروع الدستور على الرغم من أن كثيرين منهم يقفون منه موقفا إيجابيا في الخفاء ويقولون إن تخويف المتمردين يجعل إعلان التأييد بالغ الخطر. وإذا صوت العراقيون إلى جانب إقرار الدستور بأغلبية ساحقة فإنه سيصبح ميثاقا وطنيا. وأما إذا رفضوه فيجب على الجمعية الوطنية القادمة أن تبدأ الحوار من جديد. ومهما كانت الأحوال والنصوص فإن الولايات المتحدة ستواصل تشجيع القيادات والمجتمعات العراقية على التضامن. فمن المنجزات الأساسية لهذه العملية أن جاءت مسوّدة الدستور عن طريق النقاش وليس عن طريق العنف. وفي المحصلة النهائية يمكننا القول إن السياسة بدأت تظهر في العراق.
التعليقات