أزمة تهدد بتجميده أو العودة إلى زخمه القديم
عزل جمعة من رئاسة حزب quot;الوفدquot; المصري


نبيل شرف الدين من القاهرة: تماماً وكما توقع المراقبون للشأن الداخلي في مصر، جاء الاجتماع عاصفاً اليوم الأربعاء داخل الهيئة العليا لحزب quot;الوفدquot;، أكبر وأقدم الأحزاب السياسية في مصر، إذ شهد فضلاً عن المشاحنات والاشتباكات التي وصلت إلى حد التشاجر بالأيدي، إعلاناً مثيراً بفصل الدكتور نعمان جمعة من رئاسة الحزب، بعد أن أصدرت هيئته العليا قراراً أعلنه محمود أباظة النائب الأول لرئيس الحزب .

وقررت الهيئة العليا للحزب تعيين محمود أباظة رئيساً مؤقتاً، بصفته أقدم الأعضاء سناً، ولمدة ستين يوما فقط حتى يتم تعيين رئيس جديد للحزب، وقال إن القرار تضمن أيضا فصل نعمان جمعة من رئاسة مجلس إدارة صحيفة quot;الوفدquot; لسان حال الحزب .

ومضى أباظة قائلاً إن أعضاء الهيئة العليا لحزب quot;الوفدquot; طالبوا نعمان جمعة في بداية اجتماع اليوم الأربعاء بالاستقالة، لكنه رفض ذلك واستعان بعدد من اللطجية، مما اضطر أعضاء الهيئة إلى مغادرة ذلك الاجتماع، وعقده في غرفة أخرى واتخاذ تلك القراراتquot;، على حد تعبير أباظة .

هذا وقد وشهد اجتماع الهيئة العليا لحزب الوفد مشاحنات وصلت إلى حد التشابك بالأيدي بين أنصار جمعة ومؤيدي مساعديه الذين قرروا فصله من رئاسة الحزب .

موقف جمعة
من جانبه وصف نعمان جمعه هذا القرار بأنه quot;باطل وغير صحيحquot;، وأضاف قائلاً إنه quot;قرر تجميد عضوية كل من محمود أباظة ومنير فخري عبد النور ومحمد سرحان وتحويلهم إلى التحقيق في ما نسب إليهم من إحداث انشقاقات داخل صفوف الحزب بهذه القرارات الخارجة عن شرعية الحزبquot;، على حد تعبيره .

واتهم جمعة معارضيه بأنهم quot;يريدون إحداث انشقاق في صفوف الحزب وتخريبه، وإلقائه في أحضان الاستعمار الأميركيquot;، على حد تعبير جمعة الذي أشار أيضاً إلى أن الجمعية العمومية للحزب، التي تحدد موعد لانعقادها يوم الثاني من آذار (مارس) القادم، هي المعنية بالنظر في مثل هذه القرارات الاستثنائية الخاصة بمستقبل الحزب .

وسبق أن تحدى نعمان جمعة قرارات الهيئة الصادرة في 18 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، مستنداً إلى المادة الخامسة في لائحة التي تتيح له حق إيقاف العضو عن ممارسة النشاط 90 يوماً لحين التحقيق معه، وهو الأمر الذي لجأ إليه بالفعل ضد القيادات التي تعارضه، حين أطاح بنائبه منير فخري عبدالنور، زعيم quot;الكتلة الوفديةquot; في البرلمان السابق والذي أخفق في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وذلك في خطوة مفاجئة عكست صراعات متفاقمة داخل الحزب منذ الانتخابات الرئاسية التي خاضها جمعة، وجاء ترتيبه لاحقاً على أيمن نور الذي سبق أن فصله جمعة من حزب quot;الوفدquot;، ليؤسس حزب quot;الغدquot;، ويخوض من خلاله الانتخابات .

وشارك الوفد في الانتخابات البرلمانية العام 1987، فحصل على 25 مقعدا، وقاطع انتخابات عام 1990، وعاد ليشارك في انتخابات 1995 ليتراجع عدد مقاعده إلى ستة فقط، وهو الرقم نفسه الذي حصده الحزب في انتخابات العام 2000 وكذا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2005 .

الرئيس ونوابه
وبينما دار جدل محموم داخل حزب quot;الوفدquot; حول صلاحيات رئيس الحزب، حيث يطالبه معارضوه بتقليصها وإلغاء النص على تولي المنصب مدى الحياة وتحديده بمدة دورتين فقط، إلى جانب توسيع صلاحيات ومهام اللجان المحلية، ومنحها المزيد من حرية الحركة واتخاذ القرار، وهو ما عارضه جمعة بشدة، ورفض إدخال أية تعديلات على قانون الحزب الداخلي، كما أصدر جمعة قراراً بتعيين ثلاثة مساعدين جدد له، في ما اعتبر محاولة منه لتدعيم موقفه، وتصعيد قيادات مساندة له في صراعه مع نوابه وهو ما لم يكن حائلاً دون لجوء مساعديه إلى اتخاذ القرار عزل جمعة عن رئاسة الحزب، الأمر الذي سبق أن توقعه المراقبون في مصر .

وحزب الوفد الجديد الذي تأسس في العام 1978 وظل مجمداً حتى عاد لمزاولة نشاطه عام 1983، يمر بمرحلة تخبط خصوصا بعد فشله في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي لم يحقق فيها سوى 6 مقاعد فقط من أصل 444 مقعداً، وخسر بعض كبار قادته مقاعدهم النيابية، الأمر الذي فجر الأوضاع داخل الحزب، واتهم جمعة بممارسة الدكتاتورية والاستبداد والاستئثار بالسلطة منفرداً، فضلاً عن علاقات يقول معارضوه إنها تربطه بقادة النظام على خلفية مصالحه، وليس في إطار النشاط السياسي للحزب، وهنا يرى مراقبون أن خطوة عزل جمعة عن رئاسة الحزب مازالت مفتوحة على كافة الاحتمالات، فهي قد تهدد بتجميد أنشطة الحزب، أو قد تعيد إليه زخمه السابق كأحد أكثر الأحزاب السياسية اقتراباً من منافسة الحزب الوطني (الحاكم) الذي يرأسه الرئيس حسني مبارك، واعتبر المراقبون أن النتائج تترتب على عدة عوامل، منها موقف النظام الحاكم ذاته، إذ يستطيع أن ينحاز لموقف جمعة من خلال لجنة شؤون الأحزاب، التي يرأسها صفوت الشريف، بصفته رئيساً لمجلس الشورى، مع أنه الأمين العام للحزب الوطني (الحاكم) في ذات الوقت، غير أن هناك أنباء توافرت لدى (إيلاف) مفادها أن السلطات المصرية لن تقحم نفسها طرفاً في هذه المعركة لصالح جمعة، إذ تراه أنه كان أبرز أسباب ضعف حزب quot;الوفدquot;، لأنها بحاجة إلى وجود منافس يحظى بالاحترام في الساحة السياسية

سيرة جمعة
ونعمان جمعة أكاديمي مرموق سبق له أن شغل منصب عمادة كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ولكنه ظل بلا تاريخ سياسي يذكر منذ قيام حركة الضباط عام 1952 حتى عودة الحياة الحزبية وبعدها إعادة تأسيس حزب quot;الوفدquot; مطلع ثمانينات العقد المنصرم، ليكون جمعة الرئيس الرابع للحزب العريق، الذي نجح زعيمه فؤاد باشا سراج الدين وكوكبة من رجال الوفد في إعادته إلى الحياة السياسية بعد غياب استمر 25 عاماً، عاشها في الظل عقب حل الأحزاب السياسية عام 1953.

ونعمان جمعة من مواليد 22 حزيران (يونيو) من العام 1934 بمدينة شبين الكوم عاصمة محافظة المنوفية في دلتا مصر، لأب يعمل مهندساً زراعياً، وقد نشأ جمعة بين عشرة أشقاء، خمسة أولاد، وخمس بنات، وكان هو أصغرهم جميعاً .

وتخرج جمعة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وعمل في البداية وكيلاً للنائب العام في مصر، قبل أن يسافر إلى فرنسا في بعثة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة باريس، ونال الدرجة بالفعل في القانون المدني ثم عمل بهيئة التدريس في جامعة باريس، وهناك أيضاً عمل بالمحاماة، وبعد عشر سنوات قضاها في باريس عاد جمعة إلى مصر، ليعمل بالتدريس في حقوق القاهرة، وتدرج في السلك الجامعي حتى انتخب عميداً لكلية الحقوق مرتين متتاليتين .

وفي التاسع من آب (أغسطس) في العام 2000 رحل آخر باشاوات مصر، فؤاد باشا سراج الدين رئيس حزب quot;الوفدquot;، وكان جمعة النائب الأول للرئيس، وحسب لائحة الحزب، فإن النائب الأول يتولى الرئاسة لحين انتخاب الرئيس الجديد .

وفي 21 آب (أغسطس)، الذي كان يوافق يوم غلق باب الترشيح لانتخاب رئيس الحزب، كان قد تقدم 6 مرشحين للمنصب، وفي 27 من ذات الشهر، أعلن اثنان من كبار منافسي جمعة وهما إبراهيم دسوقي أباظة السكرتير العام المساعد، ومحمود السقا عضو الهيئة العليا التنازل عن الترشيح لرئاسة حزب quot;الوفدquot;

وفي مستهل أيلول (سبتمبر) من ذات العام 2000 ، أجريت الانتخابات، وأعلن فوز جمعة برئاسة حزب quot;الوفدquot;، حيث تنافس أربعة مرشحين، وحصل جمعة على نسبة 78.25% من الأصوات .