خلف خلف من رام الله: ما زال صدى التجربة الكورية الشمالية النووية يتردد في أورقة المؤسسة السياسية الإسرائيلية، فقد أثارت التجربة الكورية حفيظة جميع المستويات الإسرائيلية على اختلاف أطيافها، وكتبت العديد من المقالات والتحليلات في الصحافة العبرية التي صدرت بعد إجراء كوريا لتجربتها، بالإضافة إلى التقارير المكثفة التي غزت شاشة التلفزيون الإسرائيلي بقنواته الثلاث، ووصفت مصادر سياسية إسرائيلية في القدس التجربة النووية الكورية حال الإعلان عنها بأنها quot;خطوة استفزازية عديمة الجدوى، وتهدد الاستقرار في العالمquot;.

وأوضحت هذه المصادر أن إسرائيل ترى في استمرار تطبيق الحظر على التجارب النووية أمراً ضرورياً، لذلك ينبغي العمل بحزم إزاء تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل. وحول هذا الموضوع، قال البروفيسور زئيف ألفاسي من جامعة بن غوريون، الخبير في الهندسة النووية: quot;إن التجربة الكورية الشمالية تدل على أن التقديرات الإسرائيلية بالنسبة للجداول الزمنية للبرامج النووية -كالإيرانية مثلاً-غير دقيقةquot;.
وحسب ألفاسي quot;فإن محافل الاستخبارات في الغرب قد قدّرت بأن كوريا الشمالية تحتاج إلى وقتٍ آخر أطول كي تحقق كمية البلوتونيوم اللازم لتنفيذ تفجير نووي، لكنهم حققوا الكمية اللازمة وأثبتوا أن بوسعهم تنفيذ مثل هذا التفجيرquot;.

وقد ادعت محافل الاستخبارات الإسرائيلية بأن طهران قد دفعت في السنوات الأخيرة بأموال طائلة إلى كوريا الشمالية مقابل تزويدها بالتكنولوجيا العسكرية، وقد تسارع البرنامج الصاروخي الإيراني في السنتين الأخيرتين بشكلٍ كبير، كما تدعي أن الإيرانيين قد أقاموا شبكةً من الشركات الوهمية في أوروبا التي تساعد على شراء القطع والتكنولوجيا اللازمة للبرامج النووية والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، حسبما جاء في صحيفة يديعوت.
من جهة أخرى أشار السفير الإسرائيلي في واشنطن داني أيلون -المنتهية ولايته- إلى أن عدم وقوف الأسرة الدولية في وجه كوريا الشمالية، لإعادة الأوضاع إلى الوراء، قد يجعل طهران ترى أن الباب مفتوحاً أمامها لتطوير أسلحةٍ وقدراتٍ نووية، وأضاف في حديث اجري هذا الأسبوع مع القناة الثانية للتلقزيون الإسرائيلية quot;إن هذه الأمور سوف تنعكس سلباً على جميع الدول، بما فيها إسرائيل والولايات المتحدة، لكن إذا اتُخذت خطوات فعالة ضدّ كوريا الشمالية، فإنّ الأمر قد يشكّل خطوةً رادعةً بالنسبة لأحمدي نجاد في إيران، أما إذا لم يكن هناك إلا الشجب والاستنكار فقط، فإن أحمدي نجاد سوف يعتبر الطريق مفتوحاً أمامه لمواصلة تطوير أسلحةٍ نوويةquot;.
وضمن ردود الأفعال الأولية على التجربة قال وزير الخارجية السابق سلفان شلوم: quot;لقد مَنعت روسيا والصين الأسرة الدولية طيلة الأعوام الماضية من اتخاذ قراراتٍ واضحةٍ ضد إيران، وأنا أعتقد الآن ndash;وبعد تجربة كوريا الشمالية التي قامت بها- أنه ينبغي على كلا البلدين أن يغيرا سياستيهما، كما ينبغي عليهما الكف عن هذا الأسلوب، والانضمام إلى الحملة الدولية ضد قضية التسلح النووي من جانب إيران، أو من جانب أي منظمة تسعى لامتلاكه.
وأضاف شلوم: أعتقد الآن -بما أن الخطر قد أصبح قريباً جداً من روسيا والصين- فإنه ينبغي على هذين البلدين عدم الوقوف مكتوفي الأيدي، دون تفضيل الاعتبارات الاقتصادية أو الاعتبارات الأخرى على الاعتبارات الحقيقية التي يراها العالم كله.
من جهة أخرى نفى النائب الأول لرئيس الوزراء شمعون بيرس أن تقوم إسرائيل بإجراء تجارب نووية، قائلاً: quot;لم نقل في أي يومٍ من الأيام أن بحوزتنا سلاحاً نووياً، بل اقتصرنا على الأنباء والشكوك التي تحوم حولنا كقوةٍ رادعة، وأنا أعتقد أن هذا تفكير صائب، ولا يزال قائماً، وينبغي علينا عدم لفت أنظار العالم إلينا، كما أعتقد أيضاً أن قضية الردع الإسرائيلي لا تزال فعالة، إضافةً إلى أن العالم يشكك في وجود الكثير من الأشياء لدينا، وبطبيعة الحال ليس من واجبنا إزالة هذه الشكوك، لكن وفي الوقت نفسه يجب عدم تسليط الأضواء علينا من قبل العالم، فالذي يحدث الآن هو مشكلة عالمية وليس مشكلة إسرائيليةquot;.
وقد أعربت الأوساط السياسية عن تقديرها بأن التطورات الأخيرة في كوريا الشمالية سوف تعجل في موضوع فرض العقوبات الاقتصادية على إيران في مجلس الأمن، ولم يكتفِ المستوى السياسي في إسرائيل بالكم الهائل من التصريحات الذي انهمر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بل دعا الأسرة الدولية إلى المضي قدماً وحتى النهاية في هذا السياق، وطالب بعض السياسيين بفرض عقوباتٍ اقتصادية على كوريا الشمالية، بل إنهم في إسرائيل يميلون إلى ما هو أبعد من ذلك، كرغبتهم في الشروع في عمليةٍ عسكريةٍ ضدّ كوريا الشمالية إن لم تحقق مثل هذه الإجراءات أي نتيجةٍ تذكر، أو العمل على إسقاط نظام الحكم هناك، وذلك بغية توضيح مغبّة التسلح النووي لدولةٍ هي موضع خلاف، كما قال مراسل اذاعة الجيش الإسرائيلي أوري يبلونكا
كما بدأت صحيفة هآرتس بافتتاحيةٍ اعتبرت في سياقها أن وجود سلاح نووي في أيدي كوريا الشمالية يمكن أن يترتب عليه تأثير خطير وفوري على إسرائيل. وقالت الصحيفة: quot;إن وجود سلاح نووي في أيدي كوريا الشمالية لا يعدّ بحال من الأحوال شأناً داخلياً لهذه الدولة، ولا حتى للمنطقة المحيطة بها فقط، بل إن من شأن هذا الأمر أن يكون له تأثير خطير وفوري على إسرائيل. وهو يستوجب جهداً متصاعداً لتطوير التنسيق الإسرائيلي مع جهات دولية، مع واشنطن ومع دول معتدلة في المنطقة.
وفي رأي الصحيفة فإن quot;الخطر النووي الكوري الشمالي يتهدّد كوريا الجنوبية واليابان، وهو يتطلب جهداً أميركياً كبيراً لاحتضان هاتين الدولتين في سبيل منعهما من امتلاك السلاح النووي كردٍّ على خطوات كوريا الشمالية، ولذا فإن الخطر الماثل هو ذاك الذي يتهدّد نظام حظر الانتشار النووي في العالم كافة، فإذا امتلكت اليابان وكوريا الجنوبية سلاحاً نووياً، فلن تبقى أستراليا خارج الصورة، وإذا كانت كوريا الشمالية تستطيع تحدي نظام حظر الانتشار دون عقاب، فلا يمكن الافتراض أن تخاف الدولة الثالثة العضو في quot;محور الشرquot;، أي إيران، وتلغي بالتالي مخططاتها للحصول على سلاحٍ نووي، بل إن من شأنها تسريع ذلك وعقد تحالف استراتيجي مع كوريا الشمالية، باعتبارها أحد أبرز من يزوّدها بالصواريخ.
وأشارت الصحيفة إلى أن السلاح النووي الإيراني يعد خطرا مباشرا على إسرائيل والسعودية ودول الخليج، لكنه يعدّ أيضاً محفزاً لمصر وتركيا من أجل التزوّد بالسلاح النووي.
وبناءً على ذلك فقد تقرر أن تجتمع لجنة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية لمناقشة الملف النووي الإيراني، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الموضوع كان قد نوقش مسبقاً بالإضافة إلى مواضيع أخرى من قبل هيئة التنسيق مع الولايات المتحدة، ولكن من المتوقع أن ينضم هذه المرة إلى سلسلة القضايا المطروحة قضية التجربة النووية الكورية، حيث يساور الأوساط السياسية في القدس خشية من إمكانية وصول معلومات وتقنيات نووية من كوريا الشمالية إلى إيران، مما يؤدي إلى اختصار المدة الزمنية التي تحتاجها إيران للوصول إلى قدرات نووية.
وقد أعلن في إسرائيل بعد انعقاد اجتماع حساس جرى في مكتب رئيس الوزراء إيهود أولمرت ndash;بحضور مسؤولين كبار منهم؛ وزير الدفاع ووزيرة الخارجية، وقادة جهاز الأمن؛ رئيس الأركان دان حلوتس، ورئيس شعبة الاستخبارات عاموس يدلين، ورئيس الموساد مئير دغان، ورئيس المخابرات يوفال ديسكن- عن بلورة السياسة الاستراتيجية التي ستنتهجها إسرائيل ضد التهديد الإيراني، ومفادها أن إسرائيل ستساند خطوات مجلس الأمن في الأمم المتحدة ضد طهران، ولن تعمل بذاتها على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.