عادل درويش من لندن : فيما وصفته المعارضة المحافظة باسرع إنعكاس للسياسة في التاريخ الحديث، تراجع الان جونسون، وزير المعارف في حومة توني بلير العمالية، عن قراره بالزام المدارس الدينية بقبول 25% من تلاميذ ينتمون لديانات اخرى او علمانيين ، بعد اقل من 48 ساعة من إعلان عزمه تطبيق تلك السياسية لزيادة التماسك الاجتماعي والتقليل من الفصل بين الطوائف الثقافية والدينية.

وكان وزير المعارف اعلن في ساعة متأخرة من الليلة الماضية عزمه على التخلي عن فكرة ادراج الفقرة الالزامية في مشروع قانون التعليم ، واستبدال ذلك باتفاق تطوعي من المدارس نفسها بقبول نسبة من تلاميذ العقائد الأخرى او الملحدين، بحد اقصى 25%، وذلك ضمن اتفاق توصلت اليه الوزارة مع الكنيستين الكاثوليكية والانجليكية، بينما لم تدخل المدارس الاسلامية ضمن الاتفاق.

ورحبت مصادر الكنيستين بقرار الوزير جونسون باسقاط الفقرة الالزامية من تعديل مشروع قانون وزارة المعارف للتعليم والتفتيش على المدارس غير الحكومية التي تحصل على دعم حكومي، المطروح للدراسة عبر لجان البرلمان، كما رحب ايضا المجلس الاسلامي البريطانيا، رغم عدم دخول المدارس الاسلامية طرفا في الاتفاق الاختياري مع وزير المعارف.
وقال طاهر علام، المسؤول عن شؤون التعليم في المجلس الاسلامي بان المجلس كان ضد فكرة قانون يلزم المدارس بقبول تلاميذ من أديان اخرى، ولذا فالمجلس يرحب بالحل الوسط الذي توصل اليه الوزير مع الكنيستين الكاثوليكية والانجليكية اللتين تديران أكثر من ستة آلاف مدرسة في البلاد.

وقد نجح فينسينت نيكولز، أسقف الكنيسة الكاثوليكية في مدينة برمنجهام الصناعية في اقناع وزير المعارف انه ليس من الحكمة ارغام مدرسة كاثوليكية على قبول 25 % من تلاميذ لايتعاطفون مع العقيدة التي تقف عليها المدرسة، مضيفا ان الخيار التطوعي بضم تلاميذ ديانات اخرى افضل من سياسة الاجبار القهري.

وقال الأسقف نيكولز انه من الناحية العملية، فإن قسم التعليم في الكنيسة الكاثوليكية سيبحث، عند بناء مدرسة جديدة مثلا، حاجة اولياء الأمور من غير الكاثوليك، من الناحية التعليمية، وبناء فصول دراسية واماكن بسعة اضافية 25% يملأها تلاميذ غير كاثوليك، وذلك في مقابلته مع quot;بي بي سيquot; صباح اليوم. ويفضل الاسقف هذا الاتفاق عما اعتبر حرمان 25% من تلاميذ الكاثوليك من التعليم من اجل اهداف سياسية لاعلاقة لها يالتعليم او الدين الكاثوليكي.

وحسب نظام القبول، فإن مدارس الكنيسة التي تلقى دعما حكوميا، تقبل تلاميذ يعيشون في المنطقة المحيطة، واشقاء وشقيقات تلاميذ مقيدين بالفعل والأولوية لابناء الأسر التي تنتظم في حضور قداس الأحد ، وهو مايدفع عدد كبير من الاسر اليوم، رغم عدم تدينهم، واحيانا عدم ايمانهم بوجود الله اصلا الى حضور قداس الأحد، لمجرد ضمان ارسال الأبناء والبنات الى مدرسة يرتفع فيها مستوى التحصيل والانضباط السلوكي.

وخلال العقود الثلاث الأخيرة تدهور مستوى التعليم في المدارس العامة الشاملة، بعد ان الغت حكومة العمال، في الستينات، ماعرف بمدارس قواعد اللغة، وهو اسم دارج لمدارس يختار فيها النظار افضل التلاميذ واكثرهم قدرة على التحصيل العلمي مما يحقق نتائج افضل في الامتحانات العامة ومستوى عال من التحصيل.
ولجأ اولياء الامور، غير القادرين على دفع المصاريف الخاصة الباهظة، الى ارسال اولادهم الى مدارس الكنيسة الدينية، بسبب ارتفاع مستوى التحصيل فيها، والانضباط الشديد نتيجة صرامة جهاز التدريس، والالتزام باللباس المدرسي ، والتركيز على السلوك القويم والتهذيب، ومستوى التحصيل، مقارنة بالمدارس الحكومية، التي لاتلزم التلاميذ بلباس خاص وترتفع فيها نسبة الشغب وينخفض مستوى التحصيل العلمي.

وبدأت الكنائس بانشاء المدارس في القرنين 18 ال 19، ويبلغ عدد مدارس الكنيسة الانجليكية 4646 مدرسة، والكاثوليكية 2041 مدرسة، و 37 مدرسة يهودية و ثماني مدارس اسلامية ومدرستين للسيخ. وهذه الأرقام تشمل المدارس المسجلة للدعم الحكومي اما من وزارة المعارف او من مناطق التعليم في المجالس المحلية، ولاتشمل المدارس الدينية الخاصة التي لاتتلقى دعما حكوميا، ومعظمها مدارس اسلامية، ويخشى المثقفون المسلمون والساسة من انعزاليتها الثقافية وعدم تشجيعها التلاميذ على الاندماج في المجتمع كبريطانيين يدينون بالاسلام، وليس كمسلمين منعزلين عن المجتمع البريطاني.
ويرى الساسة، ويوافقهم في ذلك عدد من النشطاء المسلمين، ان افضل طريقة هي تقديم الدعم الحكومي لهذه المدارس وادماجها في مناهج التعليم البريطانية، واخضاعها للتفتيش الحكومي.

وكان المقصود بنسبة ال 25% المقترحة، كسر طوق الانعزالية والفصل بين التلاميذ عن طريق الاديان. وكان اللورد بيكر، عضو مجلس اللوردات، ووزير المعارف السابق في حكومة المحافظين، رحب بالفكرة، واتهم صباح اليوم الوزير جونسون بالاسراع بالتراجع امام ضغوط الكنيسة الكاثوليكية دون اعطاء الفكرة مزيد من الوقت للدراسة.

اما وزير معارف حكومة الظل في حزب المحافظين، نيقولاس جيب، فقد رحب بتراجع الوزير جونسون، قائلا ان المحافظين يؤيدون فكرة ان تقرر المدارس نفسها النظام الأفضل لقبول التلاميذ وتحدد المناهج، بدلا من التدخل الحكومي. اما ساره تيثير، المسؤولة عن التعليم في حزب الأحرار الديموقراطيين المعارض، فاتهمت وزراء الحكومة العمالية المسؤولين عن التعليم بانهم لايفهمون طبيعة المشاكل التي يدعون انهم يريدون حلها.

وقد طفت مشكلة مناهج المدارس الدينية الى سطح الجدل السياسي هذا العام، مع تعمق ظواهر انفصال المسلمين البريطانيين وانعزالهم ثقافيا ورفضهم الاندماج في المجتمع، ومطالبة بعضهم بعزل مناطقهم كمناطق اسلامية تطبق فيها الشريعة وليس القانون البريطاني.
واقتفى بعض الباحثين اثر هذا الفكر الانعزالي الى المدارس، خاصة الممولة من جهات غير حكومية، حيث تركز على ضرورة quot;اضفاء الشخصية الاسلامية الكاملة والتربية الاسلامية quot; على التلاميذ، مما اعتبره البعض ستارا لعملية العزل الثقافي عن الآخرين.
وهذه هي المرة الأولي التي تثار فيها هذه المشكلة لأكثر من ربع قرن، عندما انحصرت مشكلة تأثير المدارس الدينية على تماسك المجتمع في ايرلندا الشمالية في قمة أعمال العنف هناك، حيث تخندق طرفا النزاع هناك بين بروتستانت في مدارس الكنيسة البروتستانتية، يفضلون الانضمام لبريطانيا، والكاثوليك، ذوي النزعة الجمهورية الذين يريدون الانفصال عن بريطانيا والانضمام لايرلندا، بقوا في مدارسهم الكاثوليكية لايعرفون عن الآخرين الا النذر اليسير.

وهذا التراجع في موقف الحكومة، سيضيف دور المدارس الاسلامية الى قائمة الجدل المثار علنا حول العوامل المسؤولة عن استمرار انعزالية المسلمين ورفضهم الاندماج في المجتمع، واعتبارالاسلام موقفا سياسيا، وهوية اجتماعية وسياسة، بدلا من كونه دين كغيره من مئات الاديان في المجتمع البريطاني، مثلما كان عليه وضع المسلمين البريطانيين حتى سنوات قليلة مضت ، عندما ذهبت التلميذات المسلمات الى المدارس سعيدات باللباس الرسمي، ولم يثرن قضية الحجاب، ولم تكن هناك منقبة واحدة، ولم يكن باستطاعة الناظر الى اي شخص ان يعرف انه مسلم من مجرد النظر.