مراسلون بلاحدود ترصد عاماً دامياً للإعلام
دول عربية تتصدر لائحة منتهكي الصحافة

نبيل شرف الدين من القاهرة: خلص تقرير أصدرته منظمة (مراسلون بلا حدود) المعنية برصد أحوال الصحافة والصحافيين حول العالم إلى وصف البلدان العربية وفي صدارتها العراق بأنها من بين الدول الأكثر خطورة على حياة الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام، ورصد التقرير مصرع واحد وثمانين صحافيا على الأقل في إحدى وعشرين دولة خلال العام 2006 ، أثناء ممارسة مهنتهم، أو لأنهم عبروا عن آرائهم فيما يعد أكثر الأعوام دموية منذ 12 عاما ، علما بأن العام 1994 قد شهد مقتل 103 صحافيين سقط نصفهم في الإبادة الجماعية في رواندا، ووقع حوالي عشرين منهم ضحية الصراعات الدامية في الجزائر، وكذا مصرع عشرة منهم في يوغوسلافيا السابقة.

وأحصى تقرير المنظمة 871 صحافيا على الأقل حرموا من حريتهم في أرجاء العالم كافة خلال عام 2006، علما بأن البعض منهم خضع للاستجواب لساعات معدودة فيما حكم على البعض الآخر بعقوبات فادحة بالسجن مع الإشارة إلى حالتي زاو يان وتشينغ تشونغ في الصين اللتين أثارتا ردود فعل مستنكرة في المجتمع الدولي نظرا إلى الحكم عليهما بالسجن لمدة ثلاثة أعوام وخمسة أعوام على التوالي، وخلال الاستئناف لم تعقد المحكمة أي جلسة لتحرم المتهمين من إمكانية الدفاع عن نفسهما. كما أوضح تقرير منظمة مراسلون بلا حدود أن 32 معاونا إعلاميا (سائقون، مترجمون، تقنيون، حراس، إلخ) قتلوا في العام 2006 مقابل خمسة في السنة الماضية.

الدول العربية

وللمرة الأولى تمكنت منظمة (مراسلون بلا حدود) من إجراء إحصاء دقيق لعدد الصحافيين المختطفين في العالم، فقد اختطف 56 صحافيا على الأقل في العام 2006 في حوالي عشر دول علما بأن المنطقتين الأكثر خطرا على حياة الصحافيين هما العراق التي اختطف فيها 17 عاملا محترفا في القطاع الإعلامي منذ بداية العام 2006، وقطاع غزة التي شهدت اختطاف ستة مراسلين، غير أنه إذا ما كانت عمليات الاختطاف هذه تنتهي بإخلاء سبيل المختطفين في الأراضي الفلسطينية، فقد عمد الخاطفون إلى تصفية ستة عاملين محترفين في القطاع الإعلامي بالعراق.

وللسنة الرابعة على التوالي، يعتبر العراق أكثر الدول خطورة في العالم على حياة العاملين في القطاع الإعلامي، فقد لقي 64 منهم مصرعهم في العام 2006 علما بأنه منذ بداية الحرب، تعرض 139 صحافيا للقتل في العراق أي أكثر من ضعف عدد الصحافيين الذين قتلوا خلال 20 سنة من الحرب في فييتنام (التي سجلت مقتل 63 صحافيا بين العامين 1955 و1975)، وتبين أن حوالى 90% من الضحايا هم صحافيون عراقيون. أما التحقيقات فنادرة وغالبا ما لا يتم إنجازها.

وفي نهاية العام المنصرم 2006 التقت (مراسلون بلا حدود) بالرئيس العراقي جلال طالباني لمطالبته باتخاذ تدابير من شأنها أن تضع حدا لهذه الممارسات كما توجهت المنظمة إلى غزة لتطلب من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقادة مختلف الفصائل الفلسطينية استخدام نفوذهم لدعوة مؤيديهم وأطياف الشعب كافة إلى تفادي الاعتداء على العاملين المحترفين في القطاع الإعلامي .

وفي لبنان لقي مصور وتقني يعمل بإحدى محطات التلفزيون حتفهما إثر تعرضهما للقصف الإسرائيلي، وفي الحصيلة النهائية فقد أصيب عشرة صحافيين خلال المواجهات مع إسرائيل في الصيف.

روسيا وجاراتها

وذكر تقرير المنظمة أن ثلاثة صحافيين لقوا حتفهم فى روسيا خلال العام (ليبلغ المجموع 21 قتيلا منذ وصول فلاديمير بوتين إلى سدة الرئاسة في مارس 2000). وقد ذكر اغتيال مراسلة المجلة الأسبوعية نوفايا جازيتا ، أنا بوليتكوفسكايا المتخصصة بقضية الشيشان بأن الصحافيين المشهورين والمدعومين من المجتمع الدولي ليسوا بمنأى عن أعمال العنف. وما كان من الدول الديمقراطية إلا أن طالبت الكرملين ببذل قصارى الجهود لتحديد الفاعلين ومعاقبتهم، وتلبية لهذا النداء، تم تشكيل فريق عمل يتألف من 150 فردا يتولون التحقيق في هذه القضية.

أما في تركمانستان، فقد ازداد وضع حرية الصحافة سوءا في العام 2006. وبلغ القمع ضد الصحافة المستقلة ذروته في سبتمبر عندما ماتت مراسلة راديو (فري يوروب)، أوجولسابار مورادوفا في السجن إثر تعرضها لضرب مبرح. وعلى رغم مطالبات الإتحاد الأوروبي الملحة، لم تجر السلطات التركمانية أي تحقيق لتوضيح ظروف موت الصحافية المعتقلة منذ ثلاثة أشهر.

وفي تركمانستان، قد يضع موت الرئيس صابر مراد نيازوف حدا للقمع الممارس على الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان علما بأن اثنين منهم - أناكوربان أمانكليتشيف وساباردوردي خاجييف - قد حكم عليهما في يونيو بستة وسبعة أعوام لمساعدتهما صحافية أجنبية على إعداد تحقيق حول بلدهما.
ورأى تقرير منظمة مراسلون بلا حدود أن الوضع ليس بأفضل في الفيليبين. فقد اغتيل ستة صحافيين في العام 2006 (مقارنة بسبعة في العام 2005). وفي أواخر مايو، تعرض المعلق في إذاعة (دابر) فرناندو باتول لطلقات نارية أردته قتيلا، فيما كان يتوجه إلى مقر عمله في جزيرة بالاوان (جنوبي غربي مانيلا).

القارة الأميركية

أما في القارة الأميركية، فقد شهدت عشر دول انتخابات وطنية في العام 2006. وفي هذا الإطار، أحصت مراسلون بلا حدود أكثر من عشر حالات اعتداء ضد الصحافيين في بيرو في أوائل شهر مارس أي قبل الانتخابات الرئاسية بشهر في حين سجلت نهب مقر إحدى الصحف في البرازيل على يد مناصري أحد المنتخبين المحليين يوم الدور الأول من الانتخابات العامة.

وبعد العراق احتلت المكسيك المرتبة الثانية في لائحة الدول الأكثر خطورة على حياة الصحافيين وتعد الدولة الأكثر دموية في القارة الأميركية متقدمة بهذا على كولومبيا ففي العام 2006، لقى تسعة صحافيين حتفهم لأنهم كانوا يعدون تحقيقات حول تجار المخدرات أو يغطون حركات اجتماعية تقترن بأعمال عنف.

ورصد التقرير تراجع عدد حالات الرقابة المفروضة على الصحف، حتى بلغ 912 حالة مقابل 1006 في العام الماضي، ففي منطقة أواكساكا الخاضعة لصراعات اجتماعية أحيانا ما آلت إلى مواجهات مسلحة، لقى المصور الأميركي براد ويل مصرعه في أواخر أكتوبر في حين أن عدة صحافيين آخرين قد أصيبوا في الأحداث نفسها. وفي 9 أغسطس، وجدت جثة مدير الصحيفة الشهرية دوس كاراس، أونا فرداد (وجهان لحقيقة واحدة) المتخصصة في الاغتيالات غير المكشوفة وتجارة المخدرات إنريكيه بيرا كوينتانيلا على قارعة الطريق في تشيهواوا شمالي البلاد.

أفريقيا وآسيا

كما رصدت المنظمة المعنية بالدفاع عن حقوق الصحافيين أكثر من 1400 حالة اعتداء شكلت رقما قياسيا سجل بشكل خاص في مختلف الحملات الإنتخابية عبر العالم، ففي بنغلادش باتت الاعتداءات على الصحافيين المألوفة في الأيام العادية، يومية في أواخر السنة قبل الانتخابات التشريعية بأسابيع مع العلم بأن قوات النظام ومناصري عدة أحزاب سياسية مسؤولون عن أعمال العنف تلك.

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، اعتدى مناصرو المرشحين الأساسيين، جوزف كابيلا الرئيس المنتهية ولايته وخصمه جان بيار بمبا على صحافيي الفريق المنافس.

وفي أوغندا كما في أثيوبيا، عمدت السلطات إلى ترحيل أحد المراسلين الموفدين الأجانب في خلال الفترة الانتخابية. وطبقا للتقرير انهالت موجة من القمع على المعارضين والصحافيين في روسيا البيضاء، إثر إعادة انتخاب ألكسندر لوكاتشنكو في مارس 2006. فتم الاعتداء على نحو عشرة مراسلين وموفدين صحافيين أجانب من بينهم مراسل صحيفة (كومسومولسكايا برافدا) الروسي أوليغ أوليفيتش الذي كسرت أنفه على يد عناصر من الشرطة يرتدون لباسا مدنيا.

ومع أن نيبال هي الدولة التي عرفت أكبر قدر من الرقابة في العام 2005، إلا أن إعلان وقف إطلاق النار الذي وقع في صيف العام 2006 قد سمح للصحافة بتنفس الصعداء قليلا. فأطلق سراح الصحافيين المعتقلين وتمكنت الإذاعات المحلية من معاودة عملها بحرية أكبر نسبياً.

وشهدت تايلاند العدد الأكبر من حالات الرقابة. فغداة الانقلاب العسكري في 19 سبتمبر 2006، أقفلت أكثر من 300 إذاعة محلية وعدة مواقع إلكترونية. ولم يعد الوضع إلى حاله الطبيعية إلا بعد بضعة أسابيع.

أما في الصين وكوريا الشمالية وبورما، فيستحيل تحديد قدر الرقابة المفروضة لا سيما أنه قد اتخذت تدابير شاملة ضد المهنة طالت مئات المؤسسات الصحافية في هذه الدول.

وفي بورما، باشر الصحافي الشهير والناشط في مجال الديمقراطية وين تين بعامه الثامن عشر وراء القضبان مع الإشارة إلى أنه نال جائزة مراسلون بلا حدود - مؤسسة فرنسا للعام 2006 تقديرا لنضاله في سبيل حرية التعبير.