اعتدال سلامه من برلين: لا بد من القول ان لالمانيا في كل عام تقريبا نصيب من جوائز نوبل للسلام وهذا العام كانت حصتها حصتين، حيث نال العالم الكيميائي غرهاد ارتل جائزة نوبل للكيمياء عن ابحاثه ودراساته المهمة وتتعلق بالتفاعلات الكيميائية على الاسطح الصلبية. وهي دراسات تعتبر مدخلا مهما لمعرفة كيفية تآكل طبقة الاوزون بتأثير جزئيات الغازات الملوثة، وستساعد كثيرا في البحوث من اجل الحد من الانبعاثات الحرارية وتأثير الثقب الاوزوني ومواجهة الكوارث البيئية.

وبحسب الاكاديمية السويدية للعلوم في استوكهولم فان ابحاث ارتل وضعت الاسس العلمية لفهم كيمياء الاسطح الحديثة وساهمت في شرح كيفية انتاج الطاقة عبر خلايا الوقود دون الحاق تلوث بالبيئة.
واعتبر عمل العالم الالماني بانه مهم للصناعة الكيمائية ويمكن ان يساعد على فهم عمليات متباينة مازالت غير واضحة مثل سبب صدأ الحديد وكيفية عمل الوقود والمحفزات في السيارات.

وجائز نوبل الثانية كانت من نصيب عالم الفيزياء الالماني بيتر غرونبيرغ وتقاسمها مع زميله الفرنسي البير فيرتي، حيث تمكن العالمان مع ان عملهما منفصل من اكتشاف ما سمي بالمقاومة المغناطيسية العملاقة. وهي تقنية مستخدمة اليوم في صنع الاقراص الصلبة لاجهزة الكمبيوتر المسماة جي ام ار. وسيسمح هذا الاكتشاف بقراءة البيانات المخزنة على قاعدة معدنية عن طريق رؤوس حديثة ويوفر الامكانية لزيادة مساحة التخزين بنسبة كبيرة جدا، وهذا يعني نقل اجهزة الكمبيوتر الى عصر الجيجابايت بكل معنى الكلمة.

الا ان اسم العالمين ذكر في الشهر الماضي بينما يتابع العالم والمانيا منذ مطلع السنة اخبار كنوت، وهو ليس سياسي عبقري او عالم ذرة بل دب قطبي ذو لون ابيض كالثلح وله قصة غير عادية جعلته شخصية على نفس مستوى شهرة المستشارة الالمانية انجيلا ماركل او اكثر بقليل لان اسمه وصل الى اليابان فقصده السياح اليابانيون من اجل مشاهدته. ولقد حقق ارباح طائلة لادارة الحديقة واتي لمشاهدته الملايين من كل انحاء العالم.

فعند ولادته في الخامس من شهر كانون الاول ( دسمبر) هذا العام نبذته امه توسكا ولم تتعرف عليه ورفضت ارضاعه، وهذا يعني ان مصيره كان الموت. الا ان ادارة الحديقة اصرت على ابقائه على قيد الحياة، وبدلا من حمله الى مكان في القطب الشمالي كي يعيش ويواجه الخطر اوكلت امره الى توماس دورفلين احد موظفيها ليكون الام البديلة، فاصبح لا يفارقه لحظة . وعندما عرضته بعد شهر تقريبا من ولادته لم يصدق احد ان انسان تمكن من تربية دب قطبي لانه من الحيوانات المفترسة، فانتشرت صوره من امه توماس في كل انحاء العالم وهو يرضعه بالقنينة مثل الاطفال ويلاعبه فاحدثت ضجة اعلامية كبيرة حركت مئات الالاف للحج الى برلين من اجل مشاهدة هذا الدب الصغير الذي تربى في احضان انسان وهو بصحة جيدة وكأنه تربى في حضن امه.

ومع تدفق الناس لرؤية كنوت اضطرت ادارة حديقة الحيوانات الى تخصيص اوقات لعرضه مع مراعاة وضعه كي لا يصاب بالارهاق. وكما يبدو ادرك اهميته فكان يقف امام الجمهور المتلهف لمشاهدته وكانه نجم سينمائي. وبسببه وصل عدد زوار الحديقة الى 15 الف يوميا اضافة الى عقود اعلانات بالملايين لسلع مختلفة تحمل صورته او اسمه ، وزاد من حظ الدب ان الطقس في المانيا بعد ولادته كان ربيعيا جميلا ملفتا للنظر.

وفي يوم بلوغه العشرة اشهر اصبح مليونيرا بسبب ما دخل من مال الى خزينة الحديقة، اذ وصل عدد الزوار حتى نهاية الخريف الماضي الى 2،3 مليون زائر اي ان كل واحد من زائرين الى برلين اتى لمشاهدته.

وقدر خبراء اعلانات ودعاية قيمة الاعلانات مع الدب كنوت ب 13 مليون دولار، واول عقود ابرمت كان مع eBay ومصنع السكاكر للاطفال هاريبو الذي يريد الان حصل على امتياز لصنع حلوى على شكله، وانتشرت صوره على تي شيرت وفناجين الشاي والاكواب والستيكر، وبهذا عاشت برلين 2007 quot; موجة الدب كنوتquot;.

والعروض لم تات من المصانع فقط بل من حدائق للحيوانات من كل اوربا تريد شراء كنوت عندما يصبح بعمر يمكنه التخلي عن مربيه طمعا في نسله. كما اصبح محور حديث حماة البيئة من اجل رفع النداء لحماية الحيوانات في القطب الشمال الذي تنخفض درجة الحرارة فيه بسبب التلوث البيئي ويهدد حياة الدبب القطبية.

وقبل وزير البيئة الالماني زيغمون غبريال ان يكون عرابا لكنوت لا لشيء الا لانه الحيوان الوحيد كما قال الذي مثّل التغيير المناخي كدب قطبي لان الدبب القطبية معرضة حاليا لانقراض بسبب ذوبان الكتل الثلجية، وبقي منها في كل انحاء العالم حوالي 25 الف.

واعترف مربيه توماس مرة بانه قضى ليالي لم تغمض له عين لانه خاف من عملية خطف لكنوت بعد وصول تهديدين بخطف وقتله . واعترف ايضا بانه اصبح يحبه ويصعب عليه فراقه ، اذ ان الادارة تفكر باعادته الى مكان الطبيعي في القطب الشمالي كي يتناسل.

والشخصية الاخرى التي سلطت الصحافة الاضواء عليها طوال اشهر طويلة هو المشرد والعاطل عن العمل هانريكو فرانك البالغ من العمر 37 عاما وفصل من عمل كعامل في قطاع البناء. بعدها تحول الى سكير يتقاضي القليل من برنامج هارتس 4 للعاطلين عن العمل. وفي سوق اعياد الميلاد في مدينة فيسبادن كان يتسكع رث الثياب طويل اللحية بين المحلات وفجاة سمع صوت كوت بيك رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي فتقدم منه واعترض على سياسة العمل في المانيا واهمال الحكومة للعاطلين عن العمل، وبدلا من تفادي بيك له قال له احلق ذقنك واغتسل وتحصل بعد اربعة اسابيع على عمل. وكانت هذا الجملة الشهيرة التي رافقت كل التقارير التي كتبت بعد ذلك عن هنريكو العاطل عن العمل سابقا. وبالفعل وقع بعد اربعة اسابيع على عقد عمل في محطة iMusic TV مستفيدة من خبرة الموسيقية. وقال عند تسلمه العمل لم اصدق ما حصلت عليه.

والشخصية السياسية التي تخلت عن المسرح السياسي رغم نجاحها كان فرانس مونتيفرينغ ( 67 سنة) وزير العمل الاشتراكي ونائب المستشارة انجيلا ماركل. واحدث استقالته هزت سياسية كبيرة، اذ انه كان الاشتراكي الوحيد في حكومة التآلف مع الاتحاد الوطني الذي استطاع مد جسور مع ماركل الحليف اللدود للاشتراكيين الذين اضطروا للتحالف مع حزبها، وتخلى عن كل مناصبه الحزبية.
وخليفة خروج من المسرح السياسي ليس فضيحة مالية او اعتراض على سياسة حزبه بل حبه لزوجته المريضة بالسرطان. وعندما ودع زملائه قال ان زوجتي بحاجة الي في اصعب ايامها ولن اخذلها او اتخلى عنها لانها لم تتخل عني يوما. ووصف السياسي المحنك بانه الحلقة المهمة والضمانة لمواصلة التحالف الحكومي الحالي، وبفضل سياسته استطاعت المانيا خفض عدد العاطلين عن العمل الى حوالي الثلاثة ملايين.