تل أبيب الوعد والوعيد
إسرائيل تفضل الأمن قبل السلام في جميع الأحيان

أسامة العيسة من القدس: في السادس والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) الجاري، كانت قوات إسرائيلية خاصة، تقتحم مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، وهو ما تفعله بشكل دائم، وتطوق منزلا في حي رفيديا، غرب نابلس، يقطن فيه أحد المطلوبين لإسرائيل، التي توعدت باعتقاله ورفاقه منذ سبع سنوات. وعندما انتهت العملية الإسرائيلية في رفيديا، كانت قوات الاحتلال الخاصة، تأخذ معها الناشط الفتحاوي ايمن زيان (35) عاما، وتعلن بأنها اعتقلت آخر المطلوبين الفلسطينيين الذين كانوا ضالعين في عملية قتل جنديين إسرائيليين، ضلا طريقهما إلى رام الله في بداية انتفاضة الأقصى، وكان قتلهما من قبل جماهير غاضبة، نقطة تحول شهدتها الأراضي الفلسطينية ومازالت.

وتعود القضية إلى شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2000، عندما كانت الأراضي الفلسطينية تلتهب بانتفاضة جديدة، بدا بأنها ستكون الأعنف في التاريخ الفلسطيني، وكانت إسرائيل بدأت ما عرف إعلاميا بسياسة quot;الإفراط المبالغ فيه بالقوةquot; والذي تمثل بعمليات اغتيال شنها سلاح الطيران الإسرائيلي، وعمليات قتل جماعية للشبان الفلسطينيين، ومظاهر اخرى.

في مثل هذه الأجواء، سرت إشاعة في مدينة رام الله، بان إسرائيليين من رجال المخابرات ضلا طريقهما إلى المدينة، وانهما محتجزان في مركز شرطتها، فاندفع مئات الشبان الفلسطينيين إلى مركز الشرطة، دون أن يتمكن رجال الشرطة من منعهم، ووصلوا إلى مكان احتجاز الإسرائيليين وتم إلقائهما من الشبابيك إلى الجمهور الغاضب المتجمع في الأسفل، وتم قتل الاثنين الذين قالت إسرائيل بأنهما جنديين في الاحتياط، وليس رجلي مخابرات.

ولم تتمكن الأجهزة الأمنية الفلسطينية من تفريق الحشود التي لم تخف فرحتها بقتل الإسرائيليين، وسحلهما في الشوارع، انتقاما لما اعتبرت المجازر التي كانت ارتكبتها سلطات الاحتلال في المسجد الأقصى ومدن الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل الأراضي المحتلة عام 1948.

وانتشرت صور الفلسطينيين الفرحين في مختلف صحف العالم، ومن بينها صور لفلسطينيين أيديهم مليئة بالدماء وهم يرفعونها غاضبين أمام عدسات المصورين الصحافيين.

ولم تتأخر إسرائيل في الرد كثيرا، فبعد ساعات، كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تقصف مركز شرطة رام الله، فيما اعتبر منعطفا في العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والذي أفضى إلى تدمير معظم مقرات السلطة، واغتيال العشرات من نشطاء الانتفاضة، وقتل نحو 5 آلاف فلسطيني، ومحاصرة ياسر عرفات، وعزله حتى وفاته.

وشددت إسرائيل حصارها على المدن الفلسطينية، وعمقته مع مرور الأيام، بحيث أصبحت الان كنتونات صغيرة لا يوجد ترابط جغرافي بينها. وتوعد ايهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بملاحقة المشاركين في قتل جندي الاحتياط فاديم نورجيك ويوسف ابراهامي، وأوكلت لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) مهمة تحديد اسماء الفلسطينيين الذي شاركوا في عملية قتل جندي الاحتياط.
وبدا الشاباك في تحديد أسماء المشاركين في قتل جندي الاحتياط في الصور الكثيرة التي وفرتها وكالات الأنباء واهتمت بنشرها مختلف وسائل الإعلام العالمية.

وشن الشاباك، حملة لمطاردة للأسماء التي تمكن من تحديدها، واعتقل حتى شهر حزيران (يونيو) 2001، نحو 15 فلسطينيا بتهمة quot;الفتكquot; بجندي الاحتياط الإسرائيليين، كان أبرزهم الشاب محمد نوارة (18) عاما من قرية المزرعة القبلية قرب رام الله، الذي اعترف بانه من نشيطي تنظيم الشبيبة التابع لحركة فتح، واقر بأنه طعن أحد الجنديين بسكين.

ولكن الشاباك، كان يبحث خلال حملات المطاردة عن شخص محدد هو الذي التقطت له صورة وهو يلوح بيديه، وعليهما دماء الجنديين، ولم يكن هذا الشخص سوى الشاب عزيز صالحة (20) عاما من قرية دير جرير، قرب رام الله.

وبعد ثمانية اشهر من مقتل جندي الاحتياط، تمكنت القوات الإسرائيلية الخاصة من اعتقال صالحة، في عملية وصفتها المصادر الإسرائيلية بالمعقدة، في منطقة تخضع للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، وشاركت فيها اذرع أمنية إسرائيلية مختلفة.

وقالت مصادر الشاباك، بان صالحة اعترف في أثناء التحقيق معه، بأنه كان في مدينة رام الله، للمشاركة في مسيرة انطلقت من وسط المدينة إلى أحد الحواجز العسكرية الإسرائيلية، وبينما كانت المسيرة في ذروتها، ترددت أنباء عن إلقاء القبض على جنديين إسرائيليين تم نقلهما إلى مركز شرطة رام الله. وروى صالحة للمحققين الإسرائيليين، بأنه انطلق مع المحتشدين الهائجين إلى مركز الشرطة وتمكن من دخول الغرفة التي احتجز فيها جندي الاحتياط، وانقض على أحدهما وخنقه.

وكان اعتقال صالحة، مناسبة للشاباك، لكي يفخر بما فعله، فتم التقاط صورا للمعتقل وهو يرفع يديه المكبلتين، ولكن هذه المرة بدون دماء. وبعد اعتقال صالحة، اعتقلت الأجهزة الأمنية آخرين بتهمة قتل جندي الاحتياط، ولكن شخص واحد على اللائحة، لم يتمكن الشاباك من الوصول إليه هو ايمن زيان.

ورفضت إسرائيل، قبل اشهر، إدراج اسم زيان، ضمن قائمتين تضمنت أسماء فلسطينيين مطلوبين لإسرائيل، وافقت الأخيرة على الإعفاء عنهم ضمن شروط معينة، كخطوة لدعم محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية، وحكومته برئاسة الدكتور سلام فياض. وبعد تولي ايهود باراك وزارة الدفاع، أراد الإيفاء بما وعد به، عندما كان رئيسا للوزراء بملاحقة جميع المشاركين في قتل جنديّ الاحتياط، وهكذا تمكنت قوات الاحتلال الخاصة من القبض على زيان، بعد سبع سنوات من عملية قتل جنديّ الاحتياط.

وبعد ساعات من اعتقاله، كانت الإذاعة الإسرائيلية تعلن بان باراك quot;قد وفى بوعده باعتقال كافة المطلوبين الذين تسببوا بقتل جندي الاحتياط اللذين دخلا مدينة رام الله وقتها عن طريق الخطأquot;.

وبالنسبة لمراقبين فان اعتقال زيان، لم يكن يجسد فقط رغبة باراك بالإيفاء بوعده، ولكنه دليلا جديدا على كيفية عملة أجهزة الأمن الإسرائيلية. وقال المحلل العسكري العميد المتقاعد يوسف الشرقاوي quot;الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أجهزة مهنية، وليست سياسية، لا تهمل أية معلومة تصلها، ولا تغلق الملفات، ولذا فإنها تابعت القضية حتى اعتقال ايمن زيان، رغم مرور سبعة أعوام على ما جرىquot;.

وأضاف الشرقاوي في حديث لايلاف quot;اعتقال زيان والإعلان الإسرائيلي عن سبب اعتقاله، أثارا غضبا لدى الرأي العام الفلسطيني، ولكنه يثير من جديد التساؤلات التي يجب طرحها حول الأساليب التي يتوجب على فصائل المقاومة اتباعهاquot;. ويعتقد الشرقاوي، بان معلومات استخبارية هي التي أدت للوصول إلى زيان، قائلا quot;يعتمد الشاباك، على عدة وسائل لجمع المعلومات، من بينها المخبرين، حيث تجري عملية تقاطع ومطابقة للمعلومات، للوصول إلى النتيجة التي يسعى إليها الشاباكquot;.

ويرى الشرقاوي بأنه لا بد للقوى الفلسطينية، والمطلوبين، أن يكون لديهما سياسة أمنية تقوم على أسس مهنية في مواجهة ما تفعله أجهزة الأمن الإسرائيلية. وحول أولوية الأمن بالنسبة لإسرائيل على أي شيء آخر، يقول خالد العزة عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي بان إسرائيل quot;حققت انجاز إنشاء الدولة، بل واقوى دولة في المنطقة، ولكنها لم تحقق الأمن أو الاستقرار لشعبهاquot;. ويضيف quot;بالنسبة لإسرائيل فان الأمن قبل كل شيء، وقبل أية مشاريع سلمية أو تسووية، وترفع شعار الأمن قبل الخبزquot;. ويطالب العزة، بان يشكل اعتقال ايمن زيان، درسا للقوى الفلسطينية المعنية، وكي لا يغيب عنها أبدا الطريقة التي تفكر بها إسرائيل.