واشنطن: مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الرابع من نوفمبر المقبل، وانقسام المرشحين الديمقراطي quot;باراك أوباماquot; والجمهوري quot;جون ماكينquot; حول تقييمها للوضع الأميركي في العراق، والذي على أساسه سيحددا موقفهما في قضية تأتي على أجندة أولويات الناخب الأميركي، والتي على أساسها سيصوت، عقد معهد أميركان إنتربرايز للأبحاث والسياسة العامة مؤخرا لتقييم الوضع الأمني بالعراق. واستضاف خلالها ثلاثة خبراء من الجيش الأميركي أنهوا لتوهم زيارات ميدانية للعراق. وتجدر الإشارة إلى أن اثنين منهم رجعا إلى الأراضي الأميركية صباح يوم الندوة، في حين رحل المشارك الأخير قبل أسبوع واحد فقط من تاريخ الندوة.

المشاركون في الندوة

شارك في الندوة ـ كما سبقت الإشارة ـ ثلاثة خبراء من الجيش الأميركي هم: دافيد بيلافيا المشارك في تأسيس رابطة المحاربين الذين خدموا بالقوات المسلحة الأميركية التي تُعد من أكبر المنظمات في الولايات المتحدة التي ينتمي إليها رجال القوات المسلحة الأميركية الذين شاركوا في الحرب على أفغانستان والعراق. وتتركز أعمالها وأنشطتها في تعليم وتوعية الشعب الأميركي بأهمية إحراز النصر في الصراعات الدائرة في العراق وأفغانستان. وإلى جانب ذلك أيضًا فإن المنظمة تعمل على دعم ومساندة المرشحين للكونغرس والمناصب الحكومية الأخرى، الذين يدعمون الحرب الأميركية في العراق وأفغانستان وحتمية إحراز النصر، وهؤلاء المرشحون غالبًا ما يكونون أعضاء بالمنظمة ولهم خبرة في الحرب في أفغانستان أو العراق. ومن وحي تجربته الشخصية في العراق أَلَّفَ ديفيد مذكرات عن يوميات الحرب بالعراق، كما خدم دافيد رقيبًا بسلاح المشاة الأميركي لمدة ست سنوات.

والمتحدث الثاني هو إريك سواب وقد خدم إريك بسلاح مشاة البحرية الأميركية بالعراق من سبتمبر عام 2004 حتى مارس عام 2005، وهو حاليًا عضو برابطة المحاربين الذين خدموا بالقوات المسلحة الأميركية والتي شارك في تأسيسها دافيد بلافيا. كما شارك إريك في عمليات للقوات الأميركية بالفلوجة في العراق، ومن ضمنها عملية الفجر والتي اشتركت فيها القوات الأميركية مع القوات العراقية لتصفية العناصر السُّنِّيِّةِ الموالية لتنظيم القاعدة، مثل جماعة أبي مصعب الزرقاوي، والذي استهدفته القوات الأميركية في عام 2006. أما المتحدث الثالث و الأخير هو كولين كال Colin Kahl، وهو أستاذ مساعد ببرنامج الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون بواشنطن، كما أنه يعمل أيضًا بمركز الأمن الجديد للولايات المتحدة ومستشار بوزارة الدفاع الأميركية بشأن العمليات التي تهدف لحظ الاستقرار ومواجهة التمرد.

تحسن الأوضاع الأمنية بالعراق

ركز دافيد بلافيا في بداية حديثه عن تجربته في محافظة ديالي العراقية والتي كانت مركزًا للعناصر الإسلامية المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة عقائديًّا وفكريًّا. ويذكر بلافيا أن هذه العناصر وجدت في محافظة ديالي مكانًا خصبًا لممارسة أنشطتها، خاصة وأنَّ هذه المحافظة أرض خصبة لكثيرٍ من الزراعات، مما أهلها لتكون ملاذًا للجماعات المسلحة، نتيجة لانتشار الزراعات بها مما يسهل عمليات الاختباء من القوات الأميركية والعراقية.

ويتطرق بلافيا إلى مقارنة الوضع الأمني في محافظة ديالي بين عامي 2004-2005 حيث كان هناك للمرة الأولى، و بين الوضع الأمني هذا العام، مشيرًا إلى أن القوات الأميركية التي وصلت محافظة ديالي في يناير الماضي قد أحرزت تقدمًا كبيرًا على المستوى الأمني، حيث إنه انخفض عدد الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة من خمسة عشر هجومًا يوميًّا خلال شهر يناير 2008، إلى 7-8 هجمات يوميًّا خلال شهر يوليو الماضي، وانتهاءً بهجمة واحدة يوميًّا فقط خلال شهر أغسطس الماضي، ومشيرًا إلى أن هذا التقدم إنما يرجع إلى الجهود التي بذلتها القوات الأميركية بالعراق.

وتحدث أيضًّا عن بعض الآراء داخل الولايات المتحدة المعارضة لوجود القوات الأميركية بالعراق، وطرح تساؤلات من قبيل quot;ما الذي أدى إلى وصول المشهد العراقي إلى ما هو عليه الآن؟، والتي انتقدها دافيد بشدة قائلاً : إنه ليس هناك مجال للجدل في هذا الشأن حيث إن الوضع الأمني بالعراق تحسن كثيرًا، فالانتهاكات التي كانت ترتكب من قبل القوات الأميركية انتهت، وعمليات الخطف أيضًا انتهت، كما يشير إلى أن المشاكل وعمليات الاختطاف التي كانت تحدث أحيانًا لأسباب مالية بين أشخاص، أو بين عصابات، استطاعت القوات الأميركية إنهاءها. وانتقد دافيد أيضًا هذه الأصوات التي تشكك في أن التقدم الذي تم إحرازه إنما يرجع إلى عناصر قوات الصحوة العراقية، قائلاً:إنَّ المشكلة هي أن المعركة كانت تحدث بأسلوب حرب العصابات، فكلما استطاعت القوات الأميركية تأمين منطقة، ذهبت الجماعات المسلحة إلى منطقة أخرى. ويرجع مصدر التقدم الحادث بالعراق إلى عودة الروح القومية العراقية والتي كانت موجودة أيام حكم صدام حسين، فيقول: إنه في عام 2004-2005 حينما كنت تسأل أيَّ عراقي من أنت، كان يجيب quot;بأنه سُني أو شِيعيquot; أو بحسب انتمائه الطائفي أو الديني، ولكن الآن يعتبر أي مواطن عراقي مثل هذا السؤال بمثابة إهانة، حيث يجيب أي مواطن عراقي الآن إذا سئل عن هويته بأنه quot;عراقيquot;.

وينهى دافيد بلافيا حديثه قائلاً: إن عملية الانسحاب لا يمكن أن يتم تقريرها شفاهةً، مشيرًا إلى أنه مازالت هناك مشاكل على الأرض، فمثلاً هناك حوالي عشرون ألفًا من المواطنين العائدين إلى ديارهم بمحافظة ديالي بعد تحسن الوضع الأمني هناك، وجدوها مسكونة بأشخاص آخرين، الأمر الذي يثير مشاكل أمنية. وتأسيسًا على ذلك لا يمكن تقرير موعد للانسحاب إلا بعد استقرار الوضع على الأرض. وطالب المجتمع الأميركي بالثقة في قواته المسلحة، وأنها الأقدر على إعادة أبناء المجتمع الأميركي على أرض الوطن، كما أخذته هي إلى هناك.

نقل المسؤوليات الأمنية إلى القوات العراقية

كان المتحدث الثاني هو إريك سواب الذي تحدث عن تجربته بالعراق، حيث إنه كان ضابطًا بمشاة البحرية الأميركية في الفترة ما بين سبتمبر 2004 إلى مارس 2005. وكان مكلفًا عند وصوله ضمن قوات أخرى بالسيطرة على مدينة الفلوجة العراقية. وحقيقةً يروى إريك أنهم تمكنوا من السيطرة على غرب المدينة، ولكن نظرًا لسوء الموقف الأمني بها لانتشار ضباط بعثيين كثر بالمدينة، لم تجد القوات الأميركية مفرًّا إلا أن تتمركز خارج المدينة لمدة ثلاثة أشهر. واستطرد إريك في شرحه بخصوص تطور الموقف الأمني بالمدينة، قائلاً:إن المواطنين العراقيين هم الذين ساعدوا القوات الأميركية في كشف هوية الضباط البعثيين الموجودين بالمدينة من أجل ملاحقتهم. ومن المعروف أنه عندما احتلت القوات الأميركية العراق عام 2003، تم حل الجيش العراقي كليةًً، وبذلك تم خلق فراغ أمنى كبير بالبلاد. والأخطر من ذلك أن كثيرًا من الضباط الذين تم تسريحهم وأصبحوا بلا رواتب أو عوائد، أصبحوا مكونًا رئيسًا لكثير من الجماعات المسلحة المقاومة للاحتلال الأميركي. وذلك إنما يعد رد فعل طبيعي للخطأِ الاستراتيجي الفادح الذي ارتكبه بول بريمر، الحاكم المدني الأميركي السابق للعراق، حينما قام بحل الجيش العراقي مما خلق حالة من التذمر العام بين أفراد الجيش السابق، ونتج عن ذلك أنهم أصبحوا ضمن الجماعات المسلحة الأساسية المناهضة للاحتلال.

ثم انتقل إريك بعد ذلك مبديًا تأييده للاستراتيجية التي وضعها الجنرال دافيد بيترايوس الهادفة إلى انتشار أكبر للقوات الأميركية في العراق، و ذلك بدلاً من دفع القوات العراقية لتأخذ مكانها في حفظ الأمن، دون أن تكون قد أخذت قدرًا كافيًا من التدريب والتأهيل بحيث تصبح مؤهلة لهذه العملية. و تهدف هذه الاستراتيجية أيضًا من ذلك شراء الوقت حتى يستقر الوضع السياسي في العراق في ظل بيئة أكثر استقرارًا، وحتى تأخذ القوات العراقية أيضًا وقتًا كافيًا للتدريب مما يؤهلها لحفظ الأمن. و من الملاحظ أن هذه الاستراتيجية نقيضٌ للاستراتيجية السابقة والتي هدفت إلى وجود أقل للقوات الأميركية مع دفع القوات العراقية لتأخذ دورًا في حفظ الأمن سريعًا، والعمل على استيعاب العنف من خلال العمل على استقرار المناخ السياسي.

وأشار إريك إلى التقدم الكبير الذي أحدثته الاستراتيجية الجديدة في هذه الفترة.
وانتقل إلى نقطة أخرى موضحًا أن التحدي ليس في نقل سلطة حفظ الأمن من القوات الأميركية إلى الجيش العراقي، ذلك لأن القوات الأميركية استغلت وقتًا ومجهودًا كبيرين حتى أصبحت قوات الجيش العراقي على قدر عالٍ من التدريب والتأهيل، و لكن التحدي هو في عملية نقل سلطة حفظ الأمن من الجيش العراقي إلى قوات الشرطة العراقية، لأنه من المفترض أن ينتقل الجيش العراقي بعد فترة لمهمته الرئيسة ألا وهي حماية الحدود العراقية.

وضرب إريك مثلين بخصوص هذه المسألة وهي أن قادة الجيش العراقي كانوا حريصين على ألا يفوتهم اجتماع أو غداء مع رجال القوات الأميركية؛ لأنهم كانوا على علم أن كافة أشكال الدعم تأتيهم من الجيش الأميركي. ولكنه يقول ـ قبل مجيئه إلى الولايات المتحدة من العراق ـ : إنه شهد تغيب أحد قادة الجيش العراقي عن اجتماع مع مسؤول في الجيش الأميركي بالعراق؛ لأنه كان مشغولاً باجتماع آخر مع مسؤول في الشرطة العراقية بخصوص نقل سلطة حفظ الأمن من الجيش العراقي إلى قوات الشرطة العراقية، مما يشير إلى إمكانية تحسن الوضع بصورة أكبر.


التأكيد على المصالحة العراقية

المتحدث الثالث كان كولين كال والذي أعطى انطباعاته عن الوضع الحالي في العراق من خلال زيارة حديثة له هناك قام بتنظيمها الجنرال دافيد بيترايوس وطاقمه بالعراق. حيث اجتمع كولين وباقي أفراد الرحلة مع عسكريين بالعراق على كافة المستويات، كما اجتمعوا أيضا مع دبلوماسيين هناك، ومراكز عديدة مسؤولة عن الأمن بالعراق. وأكد كولين في البداية على أنه يمثل صوته فقط وأن آراءه نابعة من اعتقاداته الشخصية، وأنه لا يمثل في ذلك أي حزب أو حملة انتخابية لأي مرشح.

أشار كولين في البداية إلى أنه يتفق مع دافيد وإريك في عدم إنكار تحسن الوضع الأمني الملموس في العراق، وعلى الرغم من أنَّ هناك أخطارًا متعلقة بالأمن داخل العراق، إلا أن معدلات الهجمات ضد المدنيين في العراق وقوات التحالف وقوات الأمن العراقية تراجعت بمعدلات كبيرة، ويضيف بعدًا آخرَ لهذا التقدم يتمثل في هزيمة القاعدة بالعراق حيث إنها لا تهدد الآن الكيان العراقي ككل أو تهدد وجود الحكومة العراقية، وذلك حتى مع وجود بعض الهجمات والاغتيالات والتي تراجعت نسبتها كثيرًا عما كان من قبل. وأضاف كولين أيضًا أن الجيش العراقي أصبح متحملاً لمسؤولية الأمن في أغلب المحافظات العراقية، وضرب مثلاً في ذلك بجولة قام بها هو وأفراد الرحلة بمدينة البصرة، مشيرًا إلى أنه كان يستحيل القيام بذلك منذ ستين أو تسعين يومًا، حينما كانت هناك مليشيات شيعية منتشرة في أرجاء المدينة.

وأشار أيضًا إلى الجانب المظلم في الوضع العراقي، مشيرًا إلى أنه بعد تحقيق تطور ملموس في الوضع الأمني بالعراق، لم يُعِرْ أحد اهتمامًا للمشاكل السياسية العالقة بين القوى العراقية ، وحتى الجنرال دافيد بيترايوس، الذي يرقص رقصة النصر الآن ـ كما عبر كولين ـ لم يُعِرْ اهتمامًا للمشاكل السياسية. ويضيف أنَّ الوضع الأمني تحسن كثيرًا بالعراق بسبب جهود قوات الصحوة السنية العراقية والتي بدأ تشكيلها في أواخر عام 2006 واتسع نطاقها خلال عام 2007، وقد هدف السنةُ العراقيون من خلالها إلى التعاون مع القوات الأميركية من أجل القضاء على الجماعات الموالية لتنظيم القاعدة بالعراق. ولكن كولين يقول:إنَّ هذا النوع من التضامن تم بين أهل السنة والقوات الأميركية، وليس كما ينبغي أن يكون بين السنة والشيعة بالعراق. وأوضح كولين أن المكاسب التي تم تحقيقها حتى الآن بجهود جماعات الصحوة، يمكن أن تذهب هباءً، إذا لم يتم اعتبار أفراد هذه القوات أفراد أمن تابعين للحكومة العراقية وإعطائهم مرتبات في مقابل ذلك. وأيضًا يمكن أن ينتهي تعاون السنة كما يشير كولين إذا لم يستطعْ زعماء العشائر المكونة لقوات الصحوة المشاركة في الحكومة العراقية على مستوى المحليات أو على مستوى الدولة العراقية ككل.

وتحدث عن أشكال التعاون بين بعض القوى العراقية، كالتقارب بين رئيس الوزراء العراقي نورى المالكي و الحزب الإسلامى العراقي أكبر الأحزاب السنية بالعراق، مما سوف يساعد على الاستقرار. كما تحدث أيضًا عن الخطورة التي يمكن أن تنتج عن العودة إلى استخدام العنف من جانب الجيش المهدي التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، حيث إن هناك بعض الأصوات داخل جيش المهدي تتحدث عن إمكانية العودة لاستخدام السلاح. وأشار أيضًا إلى خطورة استمرار التناحر بين العرب و الأكراد و التركمان بالعراق، والذي كان السبب الرئيس في عدم مرور قانون الانتخابات المحلية بالعراق.

وفي ختام حديثه طالب كولين بضرورة ضغط الولايات المتحدة على الحكومة والطوائف العراقية من أجل الوصول إلى توافق عام بحيث يكون هناك أمل لتقدم العملية السياسية بالعراق، واشتكى أنه دائمًا ما يتم الضغط على الحكومة العراقية من جانب الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين ببغداد، ولكن البيت الأبيض دائمًا ما يضيع هذه الجهود بعدم الضغط على حكومة المالكي. وأكد كولين أنه بشكل أو بآخر ـ بقطع النظر عمَّنْ سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة ـ سوف يتم سحب عديدٍ من القوات الأميركية بالعراق؛ نتيجة لتحسن الوضع الأمني هناك.

ويشير إلى عدد من النقاط الجوهرية التي تلي سحب القوات الأميركية العاملة بالعراق والتي تتعلق بعدد القوات التي ستبقى لدعم الحكومة العراقية، وكذلك الدعم الذي ستقدمه الولايات المتحدة اقتصاديًّا كدمج العراق في الاقتصاد العالمي والدعم السياسي، كل ذلك يجب أن يكون مشروطًا بتحقيق تقدم سياسي. حيث إن الولايات المتحدة ـ وفق تعبير كولين ـ إذا تركت العراقيين أو إذا احتضنتهم لن يقوموا باتخاذ قرارات مصيرية، ولكنهم سوف يقومون بذلك فقط من خلال مشروطية الدعم الأميركي.