يشير الكثير من السياسيين السوريين واللبنانيين الى أن إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين الشقيقين ما هي إلا خطوة شكلية فقط. وهذا يمثل الحقيقة، ولكن ليس كلها. كانت سورية الى فترة قريبة تعتبر جارها لبنان جزءا لا يتجزأ مما يسمى بـquot;سورية الكبرىquot; وليس بلدا مستقلا وذا سيادة. ولا بد من القول إن سورية لعبت مرارا دورا إيجابيا في تاريخ لبنان المعاصر، وخاصة في أيام الحرب الأهلية التي امتدت من عام 1975 ولغاية عام 1990.
ففي هذه الفترة أدخلت سورية قوة عسكرية يبلغ قوامها 35 ألف فرد الى الأراضي اللبنانية للفصل بين الأطراف المتنازعة وحالت دون انهيار لبنان تماما. وبعد انتهاء الحرب الأهلية لم ينسحب السوريون من لبنان بل فضلوا البقاء quot;للحفاظ على الأمن والسلامquot; هناك. وبقيت القوات السورية في الأراضي اللبنانية لغاية عام 2005، ولهذا السبب يعتبر بعض اللبنانيين quot;الأخوة السوريينquot; محررين بينما ينظر إليهم آخرون كمحتلين. وتجدر الإشارة الى أن الموالين لسورية في النخبة اللبنانية الحاكمة يتغيرون باستمرار فصديق دمشق اليوم قد يصبح عدوها غدا وبالعكس.
نشأت أزمة حادة في العلاقات بين سورية ولبنان في عام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وأشارت أصابع الاتهام في الغرب الى رئيس المخابرات العسكرية السورية آصف شوكت، وسعت البلدان الغربية الى فرض عزلة سياسية خانقة على الرئيس الأسد. ولم يتمكن أي أحد من مساعدة الأسد على الخروج من العزلة إلا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فهو الذي طرح فكرة إقامة علاقات دبلوماسية بين سورية ولبنان في القمة المتوسطية التي عقدت في باريس في يوليو 2008.
كما أن الجانبين السوري واللبناني تمكنا من التصالح فقط بعد الاتفاق بين القوى السياسية اللبنانية على انتخاب رئيس جديد للبنان هو العماد ميشال سليمان الذي مثل حلا وسطا بين الأغلبية بزعامة حركة المستقبل والمعارضة التي يقودها حزب الله المدعوم من دمشق وطهران. ومما لا شك فيه أن قوى الموالاة قدمت تنازلا مؤلما للمعارضة في اتفاقات الدوحة من أجل تحقيق التوافق في لبنان. وأسفرت اتفاقات الدوحة عن حصول المعارضة المدعومة من سورية وإيران على وسيلة للتأثير على السياسة الخارجية للبنان.
ولا بد من القول أيضا إن مهندس العلاقات السورية اللبنانية الجديد الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي يرغب كالولايات المتحدة وإسرائيل بتقويض التحالف السوري الإيراني وبالتالي تخليص لبنان من تأثير سورية وإيران. وترغب فرنسا في الحصول على صفة وسيط إقليمي في الشرق الأوسط الى جانب الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وتهدف باريس من وراء ذلك الى إبعاد بيروت ودمشق من أحضان طهران، ويؤيدها في هذا السعي أغلب الحكام العرب الذين لا يكنون ودا لإيران الشيعية.
قبل انسحاب القوات السورية من لبنان كانت دمشق وطهران تعتبران نفسيهما أهم لاعبين على الساحة اللبنانية. أما بعد مقتل الحريري وانسحاب سورية من لبنان اهتز تأثير دمشق على بيروت إلا أنه لم يختف تماما. وعلى الرغم من اعتراف سورية الشكلي بسيادة لبنان بعد توقيع البيان الخاص بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلا أنها مازالت تحتفظ بتأثيرها الكبير على بعض القوى السياسية اللبنانية، وخاصة حزب الله.
التعليقات