واشنطن: بعد نجاحه في إنتخابات الرابع من نوفمبر يسعى باراك أوباما إلى تشكيل إدارة تضم أكاديميين وخبراء في الشئون السياسية الداخلية والخارجية. ومن الأسماء التي أعلن أوباما عن ترشيحها لتولي مناصب في إدارته يُلاحظ أن أوباما يسعى إلى أن تكون إدارته معبرة عن كافة القوى والتيارات السياسية، بقطع النظر عن الخلافات السياسية بين الرئيس والمرشحين لتولي مناصب في إدارته. وهذا الاختلاف لم يكن سببًا في رفض تلك الترشيحات ولكن الفيصل عند الرئيس الجديد مدى قدرة المرشح لتولي منصب قيادي على تطبيق برنامجه الانتخابي وخدمة الناخب الأميركي في الأساس. فخلال الحملة الانتخابية تبنى باراك أوباما توجهًا سياسيًّا وسطيًّا بين أفكار الحزبين الكبيرين بعيدًا عن أفكار أيديولوجية جامدة. وهو ما يساعده في ضم إدارة قيادات مختلفة معه بعض الشيء.

ومنذ أن أعلن أن السيناتور عن ولاية نيويورك هيلاري كلينتون ستكون وزيرة للخارجية الأميركية، وكثيرٌ داخل واشنطن يطلقون على إدارة الرئيس الأميركي الجديد quot;فريق المتنافسينquot;. وتعيين هيلاري لهذا المنصب الهام أدى إلى انقسام عدد من المحللين داخل واشنطن وخارجها لاسيما في منطقة الشرق الأوسط إلى تيارين. التيار الأول: يرى أن هيلاري ستحدث انفراجة في السياسة الخارجية الأمريكية بعد ثماني سنوات من الإخفاقات استنادًا إلى ما تملكه من قدرات ومواهب تؤهلها لهذا المنصب. أما التيار الثاني وهو المسيطر عربيًّا: يرى أنه لا يكون هناك انفراجه في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة استنادًا إلى موافق هيلاري المتشددة من قضايا المنطقة لاسيما الصراع العربي ndash; الإسرائيلي والأزمة النووية الإيرانية.

لماذا هيلاري كلينتون

في مقالة للصحفي المخضرم توماس فريدمان في صحيفة النيويورك تايمز في 19من نوفمبر الماضي المعنونة quot;Madam Secretaryquot;، رأى أن سيناتور ولاية نيويورك هيلاري يتوافر فيها كل الصفات المطلوبة لمنصب وزيرة الخارجية من ذكاء وعمل جاد ومعرفة بالعالم الخارجي.

هذا، بالإضافة إلى أن هيلاري كلينتون أجدر لتولي منصب وزيرة الخارجية لخبرتها بالعمل داخل البيت الأبيض لمدة ثماني سنوات، فترتي زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ومصاحبتها زوجها في زياراته الخارجية. فضلاً عن قدرتها في الاستفادة من صداقات زوجها الخارجية مع رؤساء وقيادات العالم التي كانت تحترم وتقدر بيل كلينتون في إنجاز مهامها الخارجية. وهو ما يساعدها على إحداث انفراجة في كثيرٍ من الأزمات والملفات العالقة التي سترثها في حال توليها هذا المنصب.

وعدم تعيين باراك أوباما هيلاري في أي منصب قيادي في إدارته قد يؤثر على صورته داخل المجتمع الأميركي في صورته الكلية وداخل الحزب الديمقراطي على وجه التحديد؛ لعدم اختياره منافسته السابقة في الانتخابات التمهيدية لمنصب قيادي في إدارته بعد أن وقفت بجانبه هي وزوجها ودعمته ودعت مناصريها للتصويت له. بجانب الشعبية التي أضحت تتمتع بها هيلاري كشخصية عامة على الصعيدين الداخلي والخارجي بعد منافستها الرئيس الجديد منافسة شرسة في الانتخابات التمهيدية على بطاقة الحزب الديمقراطي. ولهذا يرى البعض أن تعيين هيلاري وزيرة للخارجية يأتي ردًّا لجميل هيلاري وزوجها ومناصريها الذين صوتوا له في انتخابات الرابع من نوفمبر.

كما هدف أوباما من تعيين هيلاري في هذا المنصب تجاوز الانقسام الديمقراطي بعد خروج هيلاري في السابق الانتخابي، وعودة الحزب الديمقراطي مرة أخرى إلى بنيان متماسك في مواجهة الأزمات الجمة التي تواجهها واشنطن على كافة الصعد الداخلية والخارجية.

وتعيين هيلاري في منصب وزيرة الخارجية يرسل رسالة مفادها أن إدارة أوباما إدارة كل الأميركيين. وأنها تتجاوز كافة الخلافات السابقة والمنافسين له. والذي تأكد بعد لقاء الرئيس الجديد منافسه في الانتخابات الرئاسية السيناتور quot;جون ماكينquot; واتفاقهما على التعاون فيما بينهما لتجاوز واشنطن أزماتها لاسيما الأزمة المالية الطاحنة المستمر إلى وقتنا هذا.

وفي الوقت الذي لم يختر فيه باراك أوباما منافسته السابقة في الانتخابات التمهيدية لتنافس معه على بطاقة الحزب الديمقراطي في انتخابات الرابع من نوفمبر كنائب للرئيس لعدم رغبته هو وفريقه الانتخابي في سيطرة إرث زوجها على البيت الأبيض، فإن هذا السبب ينتهي بتعيينها في منصب الرئيس، فهيلاري لن يكون لها تأثير على طريقة عمل البيت الأبيض لانشغالها بالقضايا الخارجية الأميركية في وقت ترث فيه كثيرًا من الملفات المشتعلة فضلاً عن كثرة أسفارها الخارجية ولقاءاتها بالمسؤولين، وهو ما يتيح لأوباما بإدارة البيت الأبيض وفق منظروه هو، على عكس كون هيلاري في منصب نائب الرئيس.

اتفاق في عدد من القضايا

على الرغم من الخلاف بين أوباما وهيلاري حول كثيرٍ من القضايا الداخلية التي ميزت كلاًّ منهما في الانتخابات التمهيدية لاسيما بشأن العراق. فقد وافقت هيلاري في عام 2002 على إرسال القوات الأميركية إلى العراق في حين رفض أوباما إرسال القوات إلى العراق، إلا أنهما يتفقان في ضرورة سحب القوات الأميركية من العراق وإن كان هناك بعض الاختلاف في استراتيجية سحب القوات.

ومنذ عام 2005 وهيلاري تتفق مع أوباما في معارضة استمرار الوجود الأميركي في العراق. فقد أعلنت في نوفمبر 2005 أن الكونغرس لو طلب منها التصويت مرة ثانية على إرسال القوات الأميركية إلى العراق في ضوء المعلومات المتوافرة حاليًا، لكان تصويتها بالرفض، وتبرر موفقها المتمثل في تصويتها على إرسال قوات أميركية إلى العراق في 2002، بعدم توافر المعلومات التي هي متاحة اليوم، وأن تصويتها على إرسال القوات كان بهدف التفويض بعودة المفتشين الدوليين إلى العراق، وليس شن حرب وقائية على العراق. وفي الانتخابات التمهيدية قالت: إنه في حال وصولها إلى البيت الأبيض فإن أول قرار ستتخذه، يتمثل في إنهاء الحرب الأميركية في العراق والوجود الأمريكي هناك.

وفي مجلة الشئون الخارجية ، التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية، كتبت أن إنهاء الحرب في العراق هو أول خطوة لاستعادة الولايات المتحدة دورها القيادي في العالم. وأن القوات الأميركية يجب أن تعاد إلى البلاد، ويجب أن يتم تحقيق الاستقرار في المنطقة، على الرغم من ترددها في قبول فكرة تقييد واشنطن بجدول زمني لسحب القوات من العراق.

ورغم اختلافهما بشأن التعامل مع إيران. فقد عارضت هيلاري أثناء الانتخابات التمهيدية فكرة الرئيس الأميركي الجديد التحاور مع أعداء الولايات المتحدة لاسيما كوبا وإيران وسوريا والتي رأت هيلاري أنها فكرة سخيفة من شخص ساذج في حينها، إلا أنهما يتفقان على ضرورة منع إيران من امتلاك أسلحة نووية أو تهديد الدولة الإسرائيلية، وضرورة الدفاع عن إسرائيل في حال تعرضها لأي تهديد إيراني.

وتتفق أيضًا وزيرة الخارجية الجديدة مع الرئيس الجديد في أن أفغانستان هي الجبهة الأولي للحرب على الإرهاب. فهيلاري تركز على أهمية تحسين وتقوية الأوضاع الأمنية في هذا البلد المضطرب منذ سنوات. وتدعو إلى حشد مزيد من القوات الأميركية هناك لهذا الغرض. ومن ضمن مقترحاتها تعيين مبعوث خاص للتحرك بين كابول وإسلام آباد لمساعدة البلدين على القضاء على التمرد المسلح المتمثل في طالبان والقاعدة.

هيلاري ومستقبل السياسة الأميركية

كما سبق القول، هناك انقسام بين من يرون أنه لن يكون هناك جديد في السياسة الخارجية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وهو الرأي المسيطر عربيًّا. ففي مقالته عن المخاوف العربية من تولي هيلاري كلينتون لمنصب وزيرة الخارجية أشار مايكل أبراموويتز في مقالته بالواشنطن بوست في 23 نوفمبر الماضي 2008 بعنوان quot;بعض من العرب قلق من هيلاري كلينتون quot; إلى المخاوف العربية من هيلاري لمواقفها من كثير من قضايا المنطقة.

فعلى صعيد القضية الفلسطينية ترفض هيلاري الحوار مع حركة المقاومة الإسلامية quot;حماسquot; بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في بدايات عام 2006، وقد زاد هذا الرفض بعد سيطرة الحركة على قطاع غزة في يوليو من العام الماضي (2007). ولكنها اشترطت الحوار مع حماس بتخليها عن لاءاتها الثلاثة، الاعتراف بإسرائيل ونبذ القوة المسلحة والاعتراف بالاتفاقيات السابقة التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلي.

هذا فضلاً عن إعلانها في الانتخابات التمهيدية عن دعمها إلى إسرائيل، فقد قالت في المؤتمر السنوي للجنة الشئون العامة الأميركية - الإسرائيلية (أبياك)، وهي إحدى جماعات الضغط الموالية لإسرائيل بواشنطن، في شهر يونيو الماضي quot;ستقف الولايات المتحدة مع إسرائيل الآن وإلى الأبدquot;، وأضافت في السابق أنه في حال شن إيران هجمات نووية ضد إسرائيل فإن على الولايات المتحدة محو طهران من الخريطة مثلما كان يدعو الرئيس الإيراني في أحد خطاباته الشعبية بطهران بمحو إسرائيل من الخريطة العالمية.

واستندا إلى آرائها في الأزمة النووية الإيرانية الرافضة للحوار، ففي إحدى المناظرات بين هيلاري وأوباما أثناء الانتخابات التمهيدية انتقدت هيلاري ما طرحه أوباما من رغبة في الحوار مع أعداء الولايات المتحدة من سوريا وإيران، فضلاً عن ولائها الشديد إلى إسرائيل وتأييدها في البداية للحرب على العراق يرى البعض أن اختيارها إشارة إلى أن أوباما سينتهج سياسة خارجية متشددة أكثر مما أظهر في حملته الانتخابية.