أسامة مهدي من لندن : فشل مجلس النواب العراقي الليلة رغم خوضه نقاشات وخلافات استمرت نحو ثلاثة أشهر من إنقاذ البلاد من أزمة سياسية خطرة حيث لم يتمكن من تحقيق إجماع للمصادقة على قوانين ملحة مثيرة للجدل تتعلق بموازنة العام الحالي 2008 وتمرير قانوني العفو عن المعتقلين والمحافظات غير المنتمية الى إقليم بسبب خلافات هذه المرة على أسبقية التصويت على كل قانون رغم اتفاق سابق بالتصويت مرة واحدة على القوانين الثلاثة وسط دعوات بحل المجلس الذي اجل جلسته الى يوم غد في محاولة لانقاذ العملية السياسية المهددة بالخطر .

ولم يستطع مجلس النواب التوصل الى اتفاقات إثر انسحاب نواب التيار الصدري وحزب الفضية والجبهة العربية للحوار من جلسة الليلة التي كان من المقرر ان يتم فيها التصويت على القوانين الثلاثة احتجاجا على عدم الالتزام باتفاق سابق يقضي بأن تقرأ القوانين الثلاثة مرة واحدة وتتم المصادقة عليها في وقت واحد لكن نواب التيار الصدري وكتلة الفضيلة انسحبوا بعد ان طالبوا باستكمال التصويت على قانون المحافظات فيما انسحب نواب الجبهة العربية للحوار مطالبتهم بإكمال التصويت على قانون العفو العام اولا في وقت طالب الاكراد بأن يتم إقرار الموازنة ومن ثم يتم التصويت على بقية القوانين.

وانسحب نواب الكتل الثلاث بعد ان انتهى التصويت على فقرات قانون العفو العام وتأجل التصويت النهائي عليه حيث كان مقررا قراءة فقرات قانون المحافظات وموازنة 2008 الامر الذي دعا الى تأجيل جلسة المجلس الى يوم غد وسط مخاوف من انهيار العملية السياسية برمتها ووضع البلاد على حافة أزمة سياسية مستعصية تقود الى حل المجلس وإجراء انتخابات عامة جديدة . وقد اثار هذا الفشل الجديد الى ارتفاع اصوات نيابية بحل مجلس النواب الأمر الذي يعني الذهاب الى انتخابات جديدة.

حلول يمكن أن تنقذ البلاد من انهيار العملية السياسية

وكانت مصادر نيابية أشارت قبل جلسة الليلة الى أن الكتل البرلمانية قد اتفقت على منح نسبة 17% من الموازنة العامة البالغة 48 مليار دولار لإقليم كردستان هذا العام على أن تسعى الحكومة الى إنجاز مشروع التعداد والإحصاء السكاني خلال العام الحالي . وأقال النائب حسن السنيد لقناة العراقية انه تم حل مشكلة حرس الاقليم وهي قوات البيشمركة الكردية بالاتفاق على تخويل مجلس الوزراء التفاوض مع رئاسة الاقليم حول تحديد حجم الانفاق الخاص بهذه القوات. اما بالنسبة إلى قانون مجالس المحافظات غير المنتظمة في اقليم فقد اشارت الى انه قد جرى الاتفاق حول فقرة تعيين المحافظ وإقالته عبر صيغة تكفل أن لا تكون هناك لامركزية كبيرة في تعيين او اقالة المحافظين وعدم منح سلطة كاملة للسلطة المركزية في هذا المجال بحيث تكون توافقية بين كل من البرلمان ومجلس الوزراء ومجلس المحافظة. وفي ما يخص قانون العفو العام فقد تم الاتفاق على اضافة فقرة له تدعو الحكومة العراقية الى العمل على نقل السجناء والمعتقلين من سجون القوات المتعددة الجنسيات الى السجون العراقية من اجل ان يسري هذا القانون عليهم.

وعقد مجلس النواب جلسة صباح اليوم للتصويت على القوانين الثلاثة لكنه تقرر تأجيلها الى المساء بسبب عدم التوصل الى اتفاق حول نسبة اقليم كردستان من الموازنة . وقد طالب الائتلاف العراقي الشيعي الموحد في تلك الجلسة بتحديد نسب المحافظات غير المنتظمة في اقليم وضمن موازنة 2008 على غرار النسبة المخصصة لاقليم كردستان. ودعا الائتلاف وزير التخطيط علي بابان العمل على تحديد نسبة كردستان وكذلك حصص كل محافظة في المناطق الاخرى الجنوبية والغربية وفي الوسط على أساس النسب السكانية. وأكد الائتلاف ضرورة الاعتماد على ارقام التعداد السكاني المزمع ان تجريه الحكومة العراقية في نهاية 2008 لكي يتم اعتمادها لموازنة 2009 .

تحذيرات من خطورة الفشل لم تحقق الاتفاق

وقد دفع فشل المجلس أمس في تمرير القوانين الثلاثة برئيس مجلس النواب محمود المشهداني الى إطلاق تحذير من انهيار الدولة وخلق حالة من عدم جدوى وجود البرلمان ، مشيرا الى أن أضرارا جسيمة بدأت تلحق بالمواطن العراقي اضافة الى المخاوف التي اصبحت تراود المستثمرين الاجانب في الوقت الذي هدد التحالف الكردستاني بمقاطعة المجلس اذا لم يتم غدا التصويت على الموازنة بالحصة التي يطالب بها لاقليم كردستان والبالغة 17% من قيمة الموازنة بالضد من سعي كتل سياسية منحه نسبة 13% منها .

وقال المشهداني في مؤتمر صحافي إن الاكراد مصرون على الحصول على حصة 17% من موازنة العام 2008 البالغة 48 مليار دولار فيما تشير الاحصاءات الرسمية الى ان الحصة يجب ان تكون 12.8% مما سبب اشكالات وخلافات لم تتمكن الكتل السياسية من حلها . وكشف عن وجود صفقة بين الكتل السياسية سيجري العمل بها اليوم لتمرير الموازنة وقانوني العفو والمحافظات بان تتم المصادقة على الموازنة حسبما يريد الاكراد مقابل توسيع العفو العام عن المعتقلين مثلما يرغب العرب السنة والتيار الصدري باعتبار ان هناك عددا كبيرا من المعتقلين ينتمون اليهم اضافة الى قانون المحافظات الذي يريد حزب الفضيلة والتيار الصدري ادخال تعديلات عليه . فيما تطالب أحزاب رئيسة في الائتلاف العراقي الشيعي الموحد وله 89 نائبا من مجموع عدد النواب البالغ 275 عضوا وحزب الفضيلة وله 15 نائبا باقرار قانون المحافظات الذي تم تأجيله عدة مرات بسبب خلافات حول منح صلاحيات اوسع للمحافظة في مسألة تعيين المدراء العامين والمحافظ.

وكشف المشهداني اليوم عن تشكيل لجنة قانونية باسم quot;خلية الإسناد القانونيquot; مهمتها إنضاج مشاريع القوانين قبل التصويت عليها من قبل المجلس النواب. واشار الى ان الخلية تضم ثلاثة أعضاء من حملة الشهادات العليا في القانون بمختلف تفرعاته وسوف يتم رفدها بثلاثة أعضاء آخرين من اختصاصات القانون الجنائي والتجاري والمدني . وأضاف المشهداني أن هذه الخلية ستكون بمثابة مجلس شورى الدولة في السلطة التنفيذية وستعرض عليها جميع مسودات القوانين قبل التصويت عليها وستقوم بإنضاج هذه المشاريع من الناحية القانونية واللغوية قبل التصويت عليها . واوضح ان هذه الخلية ستشارك اللجان التي تعد مشاريع القوانين بصفة استشارية حتى يتم إخراج القانون بشكله الصحيح من الناحية القانونية واللغوية، ولن يتم طرح أي قانون للتصويت قبل أن يمر بهذه اللجنة .

الخلافات التي عرقلت الاتفاق على مدى 3 أشهر الماضية

وكانت الحكومة العراقية اقرت الميزانية الاتحادية لعام 2008 بمبلغ 48 مليار دولاربزيادة نسبتها 18% مقارنة بموازنة عام 2007.
وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ في وقت سابق إنه تمت زيادة نفقات المشاريع الاستثمارية لتصبح 15 ألف مليار دينار ( 13 مليار دولار) بزيادة 30% مشيرا إلى تخصيص مبلغ 14 ألف مليار دينار لإعمار وتنمية مشاريع الأقاليم والمحافظات.

وكان وزير المالية العراقي بيان جبر الزبيدي قال إن قطاع الاستثمار سيكون له الأولوية في موازنة العام الحالي حيث يتم تخصيص 10.5 مليارات دولار من الموازنة لهذا القطاع الحيوي للنهوض بالواقع الاقتصادي. وتجدر الإشارة إلى ان العراق يحتاج إلى نحو 100 مليار دولار خلال السنوات الأربع أو الخمس المقبلة لإعادة بناء البنية التحتية الأساسية.

وقد أدى الحصار الاقتصادي المفروض على العراق من الأمم المتحدة عام 1990 إلى تدهور الناتج المحلي الإجمالي ولم يؤد احتلال العراق إلى الخروج من هذا المأزق حيث أكدت وزارة التجارة العراقية أن الناتج المحلي الإجمالي للعراق انخفض من 53.9 مليار دولار عام 1980 إلى 41 مليار دولار عام 2006 نتيجة تدمير البنية الأساسية للاقتصاد العراقي.

وقد انعكست اثار هذا التدهور الذي لحق باقتصاد العراق على حياة المواطن حيث هبط متوسط دخله السنوي من 4219 دولارا عام 1979 إلى 1456 دولارا عام 2006 في الوقت الذي تجاوزت في نسبة البطالة بين أفراد الشعب العراقي 50% .. فيما وصلت معدلات التضخم إلى 53% عام 2006 وانخفضت مستويات إنتاج النفط لتصل إلى مليوني برميل يوميا.

اما قانون العفو عن المعتقلين فإنه ينص على إطلاق سراح الاحداث وكبار السن من العراقيين وإلغاء ماتبقى من محكومياتهم لكنه استثنى المحكومين بالاعدام والمسلحين الاجانب وقضى بتشكيل لجنة قانونية تحدد المشمولين بالعفو خلال 90 يوما من المصادقة على القانون .
كما ينص المشروع الذي يعتبر احد المطالب الرئيسة لبعض القوى العراقية التي انسحبت من الحكومة وخاصة جبهة التوافق السنية والاخرى التي تلح على اصداره كخطوة عملية نحو تحقيق المصالحة الوطنية على ان يتم العفو عفوا عاما عن المحكومين العراقيين الاحداث وكبار السن لما تبقى من مدد محكومياتهم اذا لم يكونوا محكومين بقضايا اخرى .

معروف ان هناك 26 الف معتقل عراقي في السجون الاميركية في البصرة وبغداد و24 الفا اخرين في المعتقلات العراقية بينهم اكثر من 800 من الأحداث لكنه ليست هناك ارقام لاعداد المعتقلين من كبار السن او المعتقلين الاجانب .

ويستثني القانون من العفو المحكومين بالاعدام ومرتكبي الجرائم الارهابية التي نتج منها عمليات قتل او تخريب في الممتلكات الخاصة والعامة والتهجير . كما يستثني مرتكبي جرائم القتل والاختطاف والسرقات المشددة والاختلاس واللواط والزنا بالمحارم وتزوير العملة والمتاجرين بالمخدرات وبالاثار وسرقتها . كما يقضي القانون بإلغاء العفو عن الشخص الذي يرتكب جريمة جديدة خلال 5 سنوات من تمتعه بالعفو حيث سيعاد الحكم السابق ضده مع الاستمرار باجراءات الجريمة الجديدة .

كما دارت الخلافات حول قانون المحافظات حيث طالبت كتل بأن تكون للحكومة المركزية سلطة على المحافظات. وكان المجلس الاسلامي الاعلى والتحالف الكردستاني قد انسحبا من جلسة البرلمان مؤخرا بعد ان رفعت جلسته من اجل الوصول الى اتفاق حول الفقرة الاولى من القانون التي تنص على quot;أن لمجلس النواب إقالة المحافظ بطلب من رئيس الوزراء بالاغلبية البسيطة أو الاغلبية المطلقةquot; ولم تحظ الفقرة عند التصويت عليها بالأصوات المطلوبة لإقرارها. وتم التأجيل على القانون اكثر من مرة بسبب خلافات حول منح صلاحيات اوسع للمحافظة حيث ترغب قائمة الائتلاف الشيعي فيأن يكون للمركز صلاحيات اوسع في مسألة تعيين المدراء العامين والمحافظ.

اما الكتلة الصدرية فقد طالبت بتحديد موعد معين لإجراء انتخابات المجالس المحلية أقصاه نهاية الشهر العاشر من عام 2008 بالإضافة إلى مطالبتها عدم سريان بنود هذا القانون على المجالس الحالية.