سليمان بوصوفه من لندن: تجددت أعمال العنف والحرق والسلب في مدينة بريان الجزائرية (500كلم جنوب شرق العاصمة) حيث أفاد شهود عيان إتصلوا بإيلاف وصحف محلية: أن شرارة العنف اندلعت بعد قيام عشرات الملثمين بمهاجمة منازل في حي (كاف حمودة) الشعبي الذي تقطنه الأقلية الإباضية. الملثّمون استعملوا سكاكين وخناجر وسواطير وأرغموا الأهالي على مغادرة منازلهم وذلك في الساعة الثانية من صبيحة يوم الجمعة الماضي، ورغم استنجاد الأهالي بقوات الشرطة والدرك إلا أن الأخيرة لم تتدخل إلا في الساعة الحادية عشرة صباحا.

من يقف وراء العنف الطائفي؟
وحسب شهود عيان ومصادر جزائرية متطابقة فإن حصيلة ثلاثة أيام من المواجهات أسفرت عن مقتل ثلاثة إباضيين وهم : (عيسى الداغور) البالغ من العمر اثنين وستين عاما، وقد طعنه الملثمون بخنجر في صدره عندما حاول الدفاع عن منزله، والشاب (د. بهون) البالغ من العمر ثلاثين عاما، كما أفادت صحيفة الجزائر نيوز أن الملثمين قاموا بذبح طفل، فيما اتصل بعض السكان بالشرطة وبلغوها بقيام ملثمين بإحراق المقبرة الإباضية الليلة الماضية وبذلك يرتفع عدد القتلى في صفوف الإباضية منذ اندلاع الأحداث ليلة المولد النبوي الشريف إلى أربعة إذا أحصينا مقتل الشاب (علي لعساكر).

فيما أفادت وزارة الداخلية في بيان لها أن شرطيا أطلق الرصاص الحي على الشاب (صايفية سفيان) الذي كان يحاول اقتحام منزله ليله فأرداه قتيلا، وتم حبس الشرطي على ذمة التحقيق لمعرفة ملابسات الحادث. الخسائر المادية قُدرت بنحو ستين مليار دينار وقد تم إحصاء حرق 300 منزل أغلبها تقع في أحياء (كاف حمودة) و (المداغ) و (بابا سعد) ونهب العشرات من المحال التجارية، إضافة إلى إضرام النيران في السيارات والشاحنات التي يملكها الإباضية والمالكية في موجة عنف لم تشهدها البلدة منذ الاستقلال عام 1962.

ورغم محاولة إخفاء السلطات حقيقة الأحداث عن أعين الصحافة إلا أن مراسلي الصحف المحلية أجمعوا على أن الأمور أفلتت من أيدي السلطات ولم تستطع قوات الدرك والشرطة حماية المدينة ولا تقديم الإسعافات الضرورية لعشرات الجرحى الذين تفاوتت إصاباتهم بين الحروق والطعنات بالآلات الحادة. ورغم أن والي الولاية ومسؤول أمن الدائرة تحدّثا عن تعزيزات أمنية قادمة من الولايات القريبة إلا أن السكان المذعورين الفارين من الأحياء الساخنة اعتصموا أمام مقر أمن المدينة مطالبين الدولة بحمايتهم، خصوصا النساء والأطفال الذين لايزالون تحت وقع صدمة سَحْلهم من منازلهم ليلا ثم إحراقها أمام أعينهم .

لغز الملثمين؟.
الملثمون الذين بثوا الرعب في قلوب الأهالي وتحدث عنهم بيان وزارة الداخلية، لم يُكشف إلى حد الساعة عن هويتهم، وفيما يقول أعيان الإباضية إنهم يتعرضون إلى تصفية عرقية من قبل عصابات منظمة استغلت غياب الدولة التام، يرى بعض المراقبين أن أصحاب النفوذ وعصابات المتاجرة في المخدرات اغتنمت انشغال الدولة بمكافحة الإرهاب وخططت لهذه الأحداث لخلط الأوراق، لأن مصلحتها تكمن في تعكير الأجواء خصوصا مع بدء محاكمة متورطين في قضايا المتاجرة بالمخدرات و الحكم على بعضهم بالمؤبد في قضية محاولة تهريب 15 قنطارا من الكوكايين التي شهدتها ولاية غرداية قبل أسابيع.

لجنة جديدة للتحقيق؟
رئيس الحكومة السيد عبد العزيز بلخادم أعلن أنه بصدد إرسال لجنة لتقصي الحقائق في هذه الأحداث وستعمل اللجنة تحت إشراف وزارة الداخلية ، لكن غالبية السكان لا يثقون كثيرا في عمل هذه اللجان، فاللجنة السابقة التي أوفدتها السلطات بعد أحداث ليلة المولد النبوي لم تتوصل إلى قرارات تذكر، بل إن عددا من السكان اشتكوا من أن رجال الأمن ألقوا القبض على شباب أبرياء وقدموهم للمحاكمة. خصوصا وأن السلطات اعتقلت شابا كان يقوم بتصوير الأحداث في شريط فيديو وبثه على موقع اليوتيوب متهما بعضا من عناصر الأمن بالمشاركة في أحداث الشغب.

هل للصراع علاقة بالانتخابات؟
يذكر أن سكان مدينة (بريان) الأمازيغ، صوتوا في الانتخابات المحلية لصالح حزبيْن أمازيغييْن معارضيْن للسلطة، وهما حزب القوى الاشتراكية، والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، وعاقبوا بذلك حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديموقراطي (من أحزاب التحالف الرئاسي) نظرا لاتهامات الفساد التي تطال مسؤوليهما، هذا إضافة إلى أن أعيان ومشائخ الإباضية لم يبدوا موقفا واضحا من مساندة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للترشح لعهدة رئاسية ثالثة.