واشنطن: وسط أجواء عدم تفاؤل وتشكك من جانب الطرفين وقعت إسرائيل وحركة حماس إتفاق للتهدئة لمدة ستة أشهر بدءاً من يوم الخميس الماضى بوساطة مصرية لإنهاء الأوضاع المأساوية التى يعيشها قطاع غزة منذ سيطرة الحركة على القطاع قبل ما يزيد عن العام. وتشديد إسرائيل الحصار على القطاع من اجل إجبار حركة حماس على وقف إطلاق الصواريخ وإعادة القطاع تحت سيادة السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن. وكان هذا الاتفاق وقدرته على الاستمرار محط اهتمام مختلف وسائل الإعلام الأميركية التى حاولت الوقوف على أهم أبعاده وتأثيراته.
اتفاق الهدنة بين الجانبين
ومن جانبها أذاعت شبكة راديو NPR تقريرا أكدت فيه أن هذا الاتفاق يمكن أن ينهى هجمات الفصائل الفلسطينية على إسرائيل والمتمثلة فى الإطلاق المتواصل للصواريخ على المستوطنات اليهودية القريبة من القطاع ، كما أنه من المفترض أن يوقف الغارات الإسرائيلية الاجتياحات المتواصلة من جانبها للقطاع. ولفتت الشبكة الانتباه إلى أن الجهود المصرية قد بدأت منذ أشهر طويلة من اجل الوصول إلى هذا الاتفاق ، حيث عقد المسئولون المصريون العديد من الاجتماعات مع الجانبين ndash; حماس وإسرائيل ndash; كل بصورة منفردة حتى توجّت هذه الاجتماعات بتوقيع اتفاق التهدئة.
وأشار التقرير إلى انه رغم اتفاق التهدئة فان الهجمات الإسرائيلية قد تواصلت على القطاع حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية عدد من الأهداف الفلسطينية فى جنوب القطاع الأمر الذى خلف عدد من القتلى فى الجانب الفلسطيني. وبموجب اتفاق الهدنة فان إسرائيل سوف تلتزم بفتح المعابر الحدودية من اجل مرور البضائع والسلع للسكان الفلسطينيين فى القطاع حتى يواجه الآثار السلبية التى خلفها الحصار على معيشتهم اليومية.
اتفاق الهدنة: ماذا حدث؟
أما ريتشارد باودرو الصحفى فى جريدة Los Angeles Times فقد أشار إلى أن حركة حماس قبلت - ولو بصورة مؤقتة - التعايش مع الدولة اليهودية على الرغم من أن ميثاقها الاساسى يدعو إلى تدمير إسرائيل ، والأكثر من ذلك أعلن قادة الحركة الرغبة فى هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل من اجل بناء الدولة الفلسطينية فى المستقبل القريب.
ولفت التقرير الانتباه إلى أنه بعد الحصار الذى فرضته إسرائيل من خلفها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى على حركة حماس عقب وصولها إلى السلطة فى عام 2006 من خلال الحصار الاقتصادى والهجمات العسكرية المتتالية من اجل إضعاف سلطة ونفوذ الحركة الذى تصاعد بين جموع الشعب الفلسطينى فى مقابل انخفاض شعبية حركة فتح ndash; العلمانية المعتدلة من وجهة نظر الكاتب. ولكن هذه الإستراتيجية - كما يقول الكاتب - لم تؤتى ثمارها المرجوة ، حتى بعد أن حاولت الولايات المتحدة إحياء عملية السلام من جديد فى نوفمبر الماضى من خلال مؤتمر أنابولس للسلام فى الشرق الأوسط ، فان المؤتمر فشل فى وضع تصور واضح لمسيرة المفاوضات ومستقبل عملية السلام بين الجانبين.
وعلى عكس ما كان مرجوا فان هذا الفشل قد ساعد حركة حماس كثيرا على استعادة جزء كبير من شعبيتها ونفوذها داخل الاراضى الفلسطينية ، من خلال إلقاء تبعة ما يجرى من أوضاع مأساوية فى القطاع على الحصار الذى فرضته إسرائيل والولايات المتحدة. ودعم كثيرا من موقفها من إطلاق الصواريخ على المستوطنات والقوات الإسرائيلية ، مما دفع بشعور بين الفلسطينيين مفاده أن إسرائيل لن تقدم على أى تنازلات للجانب الفلسطينى من خلال المفاوضات وإنما من خلال إعمال القوة ضدها.
وفى نفس الوقت أكد باودروكس أنه إذا كانت جهود الوساطة قد نجحت فى دفع الطرفين نحو إبرام اتفاق التهدئة فانه من الصعوبة جدا أن نتنبأ بالفترة الزمنية التى يمكن خلالها أن تستمر الهدنة ، فاختبار قدرتها على الاستمرار لن يكون إلا من خلال تنفيذ مراحله.
مستقبل الهدنة
أما صحيفة الواشطن بوست فقد اعتبرت فى افتتاحيتها انه بهذه الهدنة التى وقعت بين الإسرائيليين وحركة حماس فان الصراع فى الشرق الأوسط قد تأجل لبعض الوقت. وأكدت الصحيفة أن إسرائيل بهذا الاتفاق قد قبلت بأقل الخيارات سوءا بالنسبة لها فى صراعها مع حركة حماس من اجل أن تمنع أن يتحول قطاع غزة إلى تربه خصبة لتفريخ الإسلاميين المتشددين فى المنطقة بأسرها.
وأشارت الصحيفة إلى أنه لبعض الوقت سوف ينعم سكان المستوطنات الإسرائيلية ببعض مظاهر الأمن وعدم لجوئهم إلى المخابئ خوفا من الصواريخ ، كما سيتمكن سكان قطاع غزة من التزود بالسلع الأساسية والبضائع اللازمة لمعيشتهم اليومية. ولكن فى نفس الوقت لفتت الافتتاحية الانتباه إلى أن مدى قدرة الاتفاقية على الاستمرار ومدى الاستفادة أو الضرر منها سوف يعتمد على كيفية تعامل الجانبين الإسرائيلى والمعتدلين من حركة حماس مع هذه التهدئة.
وعلى الصعيد نفسه أكدت الافتتاحية على أن حركة حماس هى من أهم المستفيدين من هذه الهدنة ، ويعود ذلك إلى عدة أسباب أهمها بطئ حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى فى الموافقة عليها، الأمر الذى اضعف كثيرا من موقف حكومة الرئيس الفلسطيني العلماني محمود عباس أبو مازن ، ودعمت كثيرا من موقف الحركة فى السيطرة على قطاع غزة ، هذا البطء أيضا أعطى انطباعا لدى الكثيرين بان الحركة يمكن أن تجبر إسرائيل على الاعتراف بسلطتها على القطاع. ومع فتح الحدود مع مصر وعودة الحياة الطبيعية إلى القطاع مرة أخرى فان الزيارة التى من المفترض أن يقوم بها الرئيس الفلسطينى أبو مازن إلى القطاع من اجل التفاوض والتشاور مع الحركة ستكون فى غير صالحه لأنه بهذه الهدنة سوف يكون موقف الضعيف.
واعتبرت الصحيفة أن الإستراتيجية التى اتبعتها الولايات المتحدة وإسرائيل للتعامل مع الرئيس الفلسطينى بتقوية موقفه فى الضفة الغربية ، وتحسين الأحوال المعيشية هناك والبدء فى عملية سلام جادة من اجل بناء الدولة الفلسطينية نهاية العام الحالى لم تكلل بنجاح كبير ، فإسرائيل لم تقدم تنازلات تذكر فيما يخص أمنها وامن المستوطنين فى الضفة الغربية ، بالإضافة إلى مماطلتها فى تفكيك المستوطنات اليهودية غير الشرعية فى الضفة. فى الوقت نفسه فان المفاوضات السرية التى بدأت بين الطرفين تشير جميع الدلائل إلى أنها لم تحقق تقدم يذكر بالنسبة لمستقبل عملية السلام.
وخلصت الصحيفة إلى أن أفضل ما يمكن أن يحدث فى الوقت الحالى هو أن يتم الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلى إيهود أولمرت والرئيس الفلسطينى أبو مازن من اجل الوصول إلى حل سلمى للصراع الفلسطينى الإسرائيلى يعطى الرئيس الفلسطيني عدداً من الخيارات والمزايا التى يقدمها لقادة حماس من اجل أن ينهوا مقاومتهم للدولة العبرية. وأشارت الصحيفة إلى أن هناك بعض الأمل للتوصل إلى اتفاق سلام بين الجانبين ndash; الإسرائيلى والفلسطينى - وذلك مرهون بقدرة الفصائل الفلسطينية على الوصول إلى اتفاق فيما بينهم. ولكن ما يزيد الأمر صعوبة أن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلى ضعيف للغاية فى الوقت الحالى بسبب فضائح الفساد ، التى تشير أصابع الاتهام إلى تورطه فيها ، كما انه منغمس فى الوقت الحالى فى صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله ومفاوضات السلام مع الجانب السورى ، كما انه ما يزال غير قادر على اتخاذ قرارات صعبة خصوصا فيما يتعلق بالموضوعات الجوهرية فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى مثل مستقبل مدينة القدس.
إسرائيل والولايات المتحدة هما المسئولان
أما نيكولاس كريستوف. فقد كتب فى النيويورك تايمز تحت عنوان quot;تقوية المتشددينquot; مشيرا إلى أن الحصار الذى فرضته الولايات المتحدة وإسرائيل على قطاع غزة لم يفلس فقط من الناحية الأخلاقية بسياسة العقاب الجماعى الذى اعتمد عليها ، ولكنه أيضا أتى بنتائج عكسية لما كان مستهدف منه. فالأوضاع السيئة غير الإنسانية التى عاشها القطاع على مدار الفترة الماضية لم تجعل الكثيرين يلقوا باللائمة على حركة حماس ، إنما على القوى التى كانت خلف قرار الحصار وخصوصا الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما ، الأمر الذى دفع الكثيرين إلى التعاطف مع الصواريخ التى تطلقها الفصائل الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية ، بل أنهم حبذوا وشجعوا مثل هذه التصرفات برغم كل عواقبها.
وأكد الكاتب انه بعد أن فازت حركة حماس فى الانتخابات الديمقراطية التى أجريت فى فلسطين فى عام 2006 ثم سيطرتها على قطاع غزة لم يكن أمام الإسرائيليين والولايات المتحدة خيارات كثيرة للتعامل مع هذا الموقف ، الذى فازت فيه جماعة إرهابية وتعتمد على أيديولوجية إسلامية متطرفة ، فضلا عن أن علاقاتها الجيدة مع إيران. إلا أنها رغم ذلك كانت حكومة أفضل بالمعايير المتدنية الموجودة فى منطقة الشرق الأوسط ، فلم يكن الفساد مستشرى بين أعضائها ونجحت فى توفير الخدمات الاجتماعية لأفراد الشعب ، واستطاعت فرض الأمن والنظام فى الشارع الفلسطينى. ولفت الانتباه إلى أنه من بين الخيارات للتعامل مع هذا الموقف ربما اختارت الدولة العبرية الخيار الأسوأ ، اختارت سياسية العقاب الجماعى لجميع سكان القطاع ، مما دفع الكثير منهم إلى اتجاهات أكثر راديكالية فى التعامل مع الصراع واظهر حركة حماس كضحية لكل ما يجرى.
التعليقات