محمد حميدة من القاهرة:

على ضفاف نهر النيل والكبارى والجسور وشوارع القاهرة تنتشر لافتات باللونين الاحمر والابيض تدعو الى التقليل والحد من الانجاب او ما يسمى تنظيم الاسرة، و تمثل واحدة من الجهود الاخيرة من جانب الحكومة للحد من ظاهرة الانفجار السكاني.

فعدد السكان منذ تولي الرئيس مبارك السلطة عام 1981 تضاعف تقريبا . ووصل وفقا لاخر الاستطلاعات الى حوالي 76 مليون نسمة، ربما ليست هذة المشكلة بقدر مشكلة تركزهم حيث يتقوقع معظمهم على بقعة صغيرة من الارض بطول نهر النيل، في منطقة تقريبا لا تتجاوز حجم سويسرا التي يعيش فيها 7،5 مليون نسمة فقط .

اللافتات ما هي الا اضافة الى سلسلة من الحملات على مدار 30 عاما لتشجيع تنظيم الاسرة حتى جاء حديث الرئيس مبارك في مؤتمر السكان ليرسم حدا فاصلا وسياسة جديدة في علاقة الحكومة مع الزيادة السكانية حيث شدد مبارك على ضرورة الحد من النمو السكاني كضرورة امنية وقومية .

فالوضع الحالي لقطاع كبير من الشعب لا يبعث على السعادة ، خمس السكان تقريبا يعيشون على اقل من دولار في اليوم وملا يقل عن 40 % تحت خط الفقر ، واسعار الاغذيه الاساسية في ارتفاع مستمر لا تتوقف، واسعار الوقود زادت ايضا، وهو ما ادى الى ارتفاع معدل التضخم و تزايد حالة السخط بين الجماهير واتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء.

وفقا لتقارير الامم المتحدة ، الفقراء سيكونوا اكثر عددا بحلول عام 2050 وسيعيش الكثير منهم في المدن مع وصول عدد سكان العالم على الجانب الاخر الى 9،2 مليار نسمة . لكن الاخطر ان كل النمو السكاني سيتركز تقريبا في الدول الاقل نموا او بمعنى اخر الدول النامية ومنها مصر .

يقول محمد احمد سائق سيارة تاكسى واب لخمسة اطفال quot; مستحيل quot; عندما سئل عن نداء مبارك للحد من الزيادة السكانية. مضيفا ان quot; الله وحده هو الذي يقرر الخلفة quot;.

ووفقا لاحصاءات البنك الدولي حوالي 38 % من المصريين تحت 15 سنة ،وتشكل السيدات حوالي 22 % من القوة العاملة لذلك الحافز لتحديد النسل ضعيف . وقد استمر النمو السكاني يسير بمعدل مرتفع حوالي 2% فى ال 10 سنوات الاخيرة ، ومعدل خصوبه ثابت حوالي 3،1 بالنسبة للمرأة وهو معدل مرتفع مقارنة باميركا 2،1 فقط . ومع افتقار مصر للاحتياطي النفطي مثل الدول العربية الخليجيه المجاورة لتمويل الاستثمارات ، تجمد النمو الاقتصادي في الاونة الاخيرة عند حوالي 7% وهي نسبة بحسب خبراء الاقتصاد لا تكفي لبناء طبقة وسطي كبيرة.

الكاتب المعروف ونائب البرلمان السابق ميلاد حنا يقول ان الانفجار السكاني ازمة لا تعرف الحكومة كيف تتعامل معها مشيرا الى ان الحكومة تغاضت عن سياسات التحفيز والعقاب لتعديل سلوك المواطنين واكتفت برثاء الموارد المحدودة وخاصة المياه والاراضي الخصبة في بلد سقوط الامطار فيه تقريبا صفر .

ويضيف حنا ان تدابير صارمه مثل تقييد الامومة بالنسبة لأصحاب العائلات الكبيرة ، ساعدت ايران على تخفيض النمو السكاني بصورة حادة خلال التسعينات ، من الممكن ان تكون خطرا سياسيا على مصر التي تعاني بالفعل من احتجاجات نقص الغذاء . كما ان مصر ليست على ابواب اباحة الاجهاض قانونيا الامر الذي ساهم في خفض مستويات الخصوبة في تونس . فالمصريين يرون الاسر الكبيرة كمصدر من مصادر القوة الاقتصادية. وستواصل الاسر في انجاب العديد من الاطفال حتى تنجب الولد. ويشير حنا الى انquot; السكان سيستمرون في الانجاب والحكومة لن تفعل شئ الا ان تنادي فقط quot; .

لكن المنطقة ككل لن تسلم من تأثير الزيادة السكانية في مصر البلد العربي الاكثر ازدحاما بالسكان، حيث يرى مسؤولو الامم المتحدة ان تأثير ذلك على مصر والمنطقة ككل quot;سوف يكون خطيرا مع تواصل نمو السكان في مصر بنفس المعدل الجاريquot; . ويضيف ماجد عثمان رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء ان quot;النتائج المترتبة على ذلك هي تدهور حقيقي في نوعية الحياة وفي الاراضي الزراعية وعلى كل شخص quot; مضيفا quot;اننا نعتمد بشدة على استيراد المواد الغذائية وقطعا سيؤدي ذلك الى زيادة الطلب على تلك المواد quot;.

واذا لم يتم ابطاء عجلة النمو السكاني كما قال الرئيس مبارك في بيانه سيتضاعف عدد السكان في مصر الى 160 مليون بحلول عام 2050. و تأمل الحكومة ان يستقر عدد السكان عند 100 مليون نسمة لانه كما يقول ماجد عثمان quot;اكثر من ذلك سيكون صعبا quot;.

وتعد اكبر العوائق امام مصر هو الاعتماد على مياه النيل . فمصر تستخدم بالفعل اكثر من حصتها من مياه نهر النيل 55،5 مليار متر مكعب في السنة ، وربما يتقلص استهلاكها لو استخدمت السودان مياه اكثر او اذا قامت دول حوض النيل الاخرى مثل اثيوبيا اواوغندا بتحويل المزيد من المياه لأنفسهم. وهو ما قد يعطل الحكومة المصرية عن مساعيها في استخدام مياه النيل في عمق الصحراء في مشاريع وخطط التنمية الحضرية واستصلاح الاراضي الزراعية المستهدفة لانتاج المزيد من الغذاء.

لكن يبقى التحرك عن وادي النيل الاختيار الامثل لتخفيف التكدس السكاني في الأماكن المزدحمة مثل القاهرة ، حيث يصل عدد السكان في احياء الى 41 الف شخصا في الكيلومتر المربع عدد يفوق حي مانهاتن بنيويورك حيث يعيش فقط 27الف شخص في الكيلومتر المربع.

وبعض الخبراء يعربون عن مخاوفهم ازاء خطة الحكومة لاستصلاح 3،4 مليون فدان من الصحراء على مدى 10 السنوات القادمة واحتمال ان يفرض ذلك قيود على استهلاك المواطنين للمياه.

زياد الرفاعي ممثل صندوق الامم المتحدة للسكان في مصر يقول ان استمرار ارتفاع معدل النمو السكاني في مصر يمكن ان يؤثر على البلدان المجاورة quot; يؤثر على الاستقرار في المنطقة كما يؤثر على الهجرهquot; مضيفا quot;كلما كانت الاحوال المعيشية اسوأ، كلما كان ازدهار التطرف اسهل quot;.

ويذكر ان عشرات الالاف من المصريين يحاولون السفر الى أوروبا أو ليبيا أو دول الخليج سنويا بحثا عن اجور ومستويات معيشة افضل . ويلقى الكثير منهم حتفه في عرض البحر وهو فى طريقه الى اوروبا.

واذا كان الرئيس مبارك تجنب الاشارة الى عدد محدد من الاطفال الا ان الحكومة تقول انها تفضل طفلين لكل اسرة . من وجهة نظر علي عبد اللطيف 34 سنه، حارس أمن يعول اثنين من الاطفال بدخل 370 جنية ما يوازي 70 دولارا شهريا quot; الاعلان عن عدد سيكون من الخطأ quot; . مضيفا quot;من المقبول تنظيم الاسرة من اجل المراة اوالصحة ، لكن تحديد عدد من الاطفال ممنوع.quot;

ورغم ان رجال الدين يسمحون بشكل عام بمنع او تأجيل الحمل ، لكن الكثير منهم لا يوافقون على تحديد عدد محدد من الاطفال. لان تحديد النسل خوفا من الفقر او منع الحمل بصفة دائمة غير مشروع في الاسلام. ويقول سالم العوا الأمين العام لاتحاد الدولي لعلماء المسلمين quot;من وجهة نظر دينية انا ضد الدعوة التي وجهها الرئيس حسني مبارك، الدولة ليست هي الله .. الدولة ليست هي الخالق. لا ينبغي لنا ان نحاول الحد من عدد الاطفال.quot;