واشنطن: بعد رحلة طويلة وغربة عن الوطن الأم وجدت 1046 قطعة أثرية لا تقدر بثمن وتعود إلى عصور سحيقة طريقها إلى موطنها مجددا بعد ان تمت سرقتها من متحفها الوطني ومواقع الحفر في العراق منذ سنوات. وتسلم السفير العراقي لدى واشنطن سمير الصميدعي تلك الكنوز من مسؤولين اميركيين في ادارة الهجرة والجمارك وذلك في مراسم خاصة اقيمت بمقر السفارة العراقية في واشنطن.

وقال الصميدعي في كلمة له خلال الحفل ان quot;هذا اليوم يشكل مناسبة سعيدة للغاية للعراقيين الذين يسترجعون بعض كنوز الاجدادquot; مؤكدا ان quot;هذا الامر ليس هاما للعراق فقط بل انه يشكل سجلا لبدايات الحضارة البشرية فتلك القطع بالرغم من صغرها فانها كبيرة للغاية في عيون العراقيينquot;.

من ناحيتها قالت رئيسة سلطة الهجرة والجمارك الاميركية جولي مايرز أنه quot;امر يدعو للفخر الشديد ان يكون بمقدورنا نيابة عن الشعب الاميركي ان نعيد رسميا اكثر من 1000 قطعة فنية الى شعب العراقquot; مشيرة الى ان العديد من تلك القطع تعود الى العراق بعد رحلة طويلة من الاغتراب.

وقال خبراء الاثار انه منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي تم تهريب آلاف القطع الاثرية من العراق وبيعت لمشترين في اوروبا والولايات المتحدة الا انه مع نهب المتحف الوطني في بغداد عام 2003 حدثت موجة جديدة من التهريب شملت نحو 15 ألف قطعة اثرية. وقالت الحكومة العراقية ان اكثر من نصف القطع المسروقة من المتاحف في تلك الفترة تمت اعادتها الى العراق سليمة في الغالب الا ان الخبراء والمسؤولين يرجحون وجود الاف القطع الاخرى التي لم يتم رصدها في الاسواق لاسيما تلك القطع التي تم نهبها من نحو 10 آلاف موقع حفري في انحاء العراق لا تتم حراستها بشكل جيد.

وحول ذلك قال الصميدعي ان quot;ما يثير القلق لدينا هو عمليات النهب التي تمت من مواقع الحفر لانه من الصعب للغاية استعادة مثل هذه القطع لانها غير مصنفة ولم يتم تصويرها عند العثور عليها ومن ثم فانه لا يمكن التعرف على مكانها الاصلي او صلتها بالقطع الاخرى الموجودةquot;. واضاف ان ثمة اعمال رقابة بقدر المستطاع في قاعات المزادات والصفقات التي تتم على مقتنيات اثرية مؤكدا ان السلطات العراقية ستتدخل فور التعرف على احد المقتنيات المأخوذة من العراق.

- ويقر الصميدعي في الوقت ذاته بانه quot;لا يوجد الكثير الذي يمكن فعله في هذا الصدد في ظل صعوبة اثبات الجريمة امام القضاءquot;. ويؤكد مسؤولون عراقيون صعوبة الحفاظ على الاثار والمقتنيات الثمينة في البلاد في ظل ضعف الامن في مواقع الحفر وامكانية فساد الحراس وحصولهم على رشاوى. ويعمل مسؤولون من العراق والولايات المتحدة واوروبا لصياغة اطار عمل قانوني لاستعادة القطع العراقية غير الموثقة لاسيما تلك التي يتم الكذب حول منشئها الحقيقي.

الا انه بالرغم من استعادة بعض القطع الاثرية فان السلطات الاميركية لم تنجح في القبض على اي مهرب او توجيه اتهامات جنائية ضد اي متهم وذلك بسبب حصول السلطات على العديد من هذه القطع الاثرية بشكل طوعي من المهربين. وحول لجوء بعض المهربين للسلطات لاعادة القطع المسروقة يقول المسؤول بمكتب الشؤون الدولية في سلطة الهجرة والجمارك الامريكية غاري كوزولسكي أنه quot;في بعض الاحيان لا يجد الشخص الذي يحوز مثل تلك القطع خيارا افضل امامهquot;.

وكانت الولايات المتحدة فرضت في عام 2004 قيودا على القطع الفنية العراقية الواصلة الى البلاد وشملت منع دخول السيراميك والاحجار والزجاج والمعادن والمقتنيات الثقافية الاخرى وذلك بمقتضى قانون الحماية الطارئة للاثار الثقافية العراقية. وتشمل القطع الاثرية التي اعادتها الولايات المتحدة الى العراق اواني زجاجية مصنوعة يدويا من حفريات في مدينة النجف تعود لعصور تاريخية قديمة وتمثالا لاحد الالهة القديمة في معبد سومري وقطعا نحاسية تعود الى عام 2400 قبل الميلاد تنتمي لمعبد قديم في منطقة تل الهبة في جنوب شرق العراق فضلا عن اعمال اخرى تروي تفاصيل عن الحياة في العصور البابلية والسومرية والسريانية.

وكان عدد من تلك القطع معروضا للبيع في صالات مزادات بمدينة نيويورك وتمت مصادرتها من جانب سلطات الجمارك الاميركية وتم التأكد من انها اصلية بمساعدة خبراء ومؤسسات متخصصة. وعن ذلك يقول احد الخبراء الذين ساعدوا في اكتشاف وتوثيق تلك القطع الاثرية الاستاذ بكلية ماساشوستس للفنون جون راسل ان quot;احتياجات السوق تزامنت مع الفقر في جنوب العراق لتشعل عمليات التهريب منذ منتصف التسعينات الى اماكن مختلفة منها الولايات المتحدة بالرغم من العقوبات الدولية المفروضة على هذه الانشطةquot;.