كامل الشيرازي من الجزائر: نشب جدل حاد في الجزائر، خلال اليومين الماضيين، إثر الإجراءات الأخيرة التي أقرتها وزارة الأوقاف الجزائرية، وتضمنت رقابة أكبر حول الاعتكاف وصلاة التهجد التي تشهدها كثير من مساجد البلاد خلال العشر أواخر من رمضان، ففي وقت رحب قطاع غير يسير بتلك التدابير ورأوا فيها تأمينا إضافيا لمن يحاول استغلال التجمعات المسجدية لنوايا سيئة، بالمقابل، انتقد عدد من أتباع التيار السلفي الخطوة، ورأوا فيها quot;تقييدا مرفوضاquot; للنشاط التعبدي داخل بيوت الله.

وألزمت الحكومة الجزائرية أئمة المساجد بالحصول على تراخيص خاصة لإقامة صلاة التهجد والاعتكاف، حيث اشترطت تقديم قوائم اسمية وتعهدات بعدم استخدام مكبرات الصوت مقابل تقديم هذه التراخيص بهدف quot;الحفاظ على سلامة المساجد وهدوء المحيط وعدم إزعاج المواطنينquot;، كما يتوجب على المعتكفين بيانالمدة التي ينوون إقامة صلاة التهجد فيها وتحديد ساعات تلك الشعيرة، إضافة إلى تقديم صور لبطاقات الهوية لكل شخص يرغب في الاعتكاف بالمسجد.

وثمّن عدد من تحدثوا إلى quot;إيلافquot; القرار المذكور واعتبروه ضروريا للحد من هيمنة quot;المتشددينquot;، بهذا الصدد، بارك أنيس المناضل في حزب العمال اليساري، موقف السلطات، ورأى أنّ بعض ممن صنفهم في خانة (المتطرفين) من أصحاب quot; الأفكار الهدّامة quot; يستغلون المساجد لقضاء (مآرب دنيئة)، بينما شدّد فاتح على أنّ مأساة الجزائر المزمنة (طبخت) بحسبه في المساجد، عندما أقدم عناصر جبهة الإنقاذ الإسلامية مطلع تسعينيات القرن الماضي، على توظيف المساجد كمنابر دعائية، وتنظيم حلقات لبثّ التحريض والوقيعة بين الجزائريين، وذاك ما أورث فتنة لا تزال البلاد تعاني من آثارها إلى الآن.

ويجزم سعيد الموظف في بنك حكومي، أنّ لا ضير من إجراءات الحكومة، ويجزم أنّها أتت للتنظيم لا للتلجيم، ويؤيده كمال العامل بورشة لسكك الحديد، مشيرا إلى أنّ بيوت الله في الجزائر صارت عرضة لترويج بعض الأفكار التي وسمها بـquot;الهدّامةquot;، مشيرا إلى محاولة (الجهاديين) اختراق مساجد البلاد والتغرير بعقول شبابها، في حين حيّت الناشطة الحقوقية سعيدة، قرار وزارة الأوقاف، واعتبرته دعامة للتحكم في مساجد شوّهها من نعتتهم بـquot;المتطرفينquot;، كما رأت في ذلك إيقافا للمدّ الذي تأخذه ظاهرة quot;التزمّتquot; الديني.

على طرف نقيض، برزت موجة من ردود الفعل الغاضبة لدى قطاع من الشباب قابلناهم بعدد من مساجد العاصمة، حيث أجمع هؤلاء على أنّ سلوك السلطات سلبي ولم يتعاط بذكاء مع الدور الحضاري للمؤسسة المسجدية في استقطاب الملتزمين وتعميق وعي المصلين.

ويقول عبد الجليل وهو إمام خطيب بمسجد صلاح الدين الأيوبي وسط العاصمة الجزائرية، إنّ الخطوة غير مقبولة وتريد إعادة البلاد إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما كانت المساجد آنذاك شبه مهجورة، ومقترنة في المخيال العام بصلاة الجمعة وصلاة العيدين، كما يلاحظ شاب متدين يدعى إسحاق أنّ الإجراء لم يضع بعين الحسبان عدة اعتبارات، إذ أنّ تقييد الاعتكاف والتهجد يتعارض بحسبه مع أطر الدعوة الحديثة، وجنوح الدعاة لتنظيم مواعظ لفائدة الملتزمين الجدد، وكذا لعامة الناس بهدف تمكينهم من الفهم الصحيح لدينهم.

ويدافع فتحي المواظب على الاعتكاف بمسجد quot;خالد بن الوليدquot; عن خصوصية المساجد في الجزائر، فهذه الأخيرة هي المقام المفضّل للمسافرين وعابري السبيل، كما أنها تحتوي على مكتبات يرتادها الشباب وطلاّب العلم وكثيرا ما ينخرط هؤلاء في مجالس نقاش حول مسائل متصلة بالفقه والحياة، ولا يجوز بحسبه منعهم من ممارسة هذا السلوك المحمود مثلما وصفه، بمبرر سلطوي ينتفي للمنطقية على حد قوله، ويطرح استفهامات بالجملة تجاه ما قاله الوزير عن quot;رفض وزارته استغلال المساجد لغير أداء الصلوات أو قراءة القرآنquot;، وما يعنيه الوزير بقوله quot; مناقشة بعض القضايا الدينية في المسجد أمر مرفوضquot;.

وعلى المنوال ذاته، يعتبر مصطفى الشاب الجامعي، القرار مجحفا، ويقول:quot;تعودّت منذ أعوام على الاعتكاف رفقة أصدقائي في مسجد أبي الدرداء، نتدارس شؤونا إيمانية، ونتعاون على أعمال الخير والإكثار من الطاعات، وذاك حال كثير من الشباب، ولا يتصورّ مصطفى أن يجري منع هذا أو ذاك بسبب رفضه الخضوع للإجراءات الإدارية، مقدّرا أنّ القرار اتخذّ من وراء حجب، ويساند جمال توجه مصطفى، ويركّز على أنّ الخطوة من شأنها إبعاد الناس عن بيوت الله وهو ما قد يفتح المجال بحسبه لارتياد أماكن أخرى مشبوهة (..).

في سياق متصل، يتساءل عبد الصمد لماذا لم تتحرك وزارة الأوقاف الجزائرية للقيام بإجراءات حازمة ضدّ أولئك الذين يعتدون على حرمة رمضان جهارا نهارا، ويستفسر عن سرّ سكوت الوزارة عن تكاثر ظواهر الفساد والمجون في المجتمع.

وبين هذا وذاك، يرى الباحث الجامعي quot;عبد الحليم ربيعquot; أنّ توجه السلطات لم يعالج أمّ المشكلات، وهي عدم تحكّم الوصاية الدينية في 15 ألف مسجد تتوزع على أطراف البلاد، بجانب تواجد مصليات ومساجد في حالة إهمال تام، تجعل بعض الأئمة غير المعتمدين، ينهضون بالمهمة ويمارسون الإفتاء، ناهيك عن إلقائهم خطبا غير خاضعة لأي توجيه أو رقابة.