لا ضغوط أميركية وتوقعات بمزيد من التضييق على المعارضة
مصر في العام 2009: تراجع إقتصادي بلا تداعيات سياسية

حصاد 2008: عام الخيبة... والأمل
محمد حميدة من القاهرة: توقع خبراء ومحللون أن تطبع الأزمة المالية العالمية بتداعيات سلبية وأخرى ايجابية على الاقتصاد المصري في العام 2009، وقال خبراء لإيلاف في قراءة لإنعكاسات الأحداث الاقتصادية والسياسية في العام 2008 وتأثيراتها المتوقعة على العام القادم quot; أن صمود الاقتصاد المصري في الشهرين الآخرين لن يستمر وسيبدأ الشعور بالتداعيات في الربع الثاني من العام 2009 مشيرين إلى تأثر الاقتصاد سلبيًا من زوايا قلة حجم الاستثمارات المتدفقة فيها وضعف الاستثمار السياحي وتراجع معدل النمو الاقتصادي وانخفاض تحويلات العاملين في الخارج، وهو ما ينعكس ايجابيًا على انخفاض الأسعار في السوق المصري وبالتالي انخفاض معدل التضخم الذي وصل الى مستويات قياسية في وقت سابق.

واتفق الخبراء على استقرار الأوضاع سياسيًا دون حدوث اي تغييرات تؤثر على مستقبل الأوضاع سواء من قبل أطراف خارجية ممثلة في الإدارة الأميركية الجديدة، او داخلية من قبل المعارضة، متوقعين ان يصاحب حالة التراجع في النمو الاقتصادي المزيد من الخناق على المعارضة والأحزاب السياسية وتضييق مساحات الحرية أمام المواطنين للقيام بشيء مناهض للنظام، وقال الخبراء ان التغيير قد يعتمد على حالات فجائية كما حصل في موريتانيا، او موت الرئيس فجأة والاستيلاء على السلطة.

وقال الدكتور نبيل حشاد رئيس معهد الدراسات المصرفية إن الأزمة المالية العالمية طبقًا لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ستؤثر على جميع دول العالم بلا استثناء . وتختلف درجة التأثير من دولة لأخرى تبعًا لدرجة انخراط هذه الاقتصاديات في الاقتصاد العالمي. فالقاعدة توحي بأن الدولة كلما كانت منخرطة بصورة كبيرة من ناحية الصادرات والواردات أو من ناحية التدفقات الاستثمارية الداخلية او الخارجية كلما زادت درجة التأثر.

وانطلاقا من ذلك نلاحظ أن مصر في الحقيقة منفتحة في الاقتصاد العالمي بدرجة كبيرة عن كثير من دول المنطقة العربية في حجم الصادرات والواردات وتشجيع الاستثمار الأجنبي وعدم وجود قيود على العملة الأجنبية وفي الوقت نفسه توجد عمالة مصرية في الخارج، وبالتالي quot;عندنا صادرات ستتأثر في عام 2009 لأن الطلب العالمي سينخفض، ولكن الواردات على الجانب الآخر ستكون لها آثارها الايجابية على الاقتصاد المصري، وقد بدأت بالفعل أسعار السلع الغذائية تنخفض . بينما الاستثمارات الأجنبية ستتأثر وبالتالي سيؤثر ذلك على معدل النمو الاقتصادي الذي سينخفض بالتبعيةquot;.

وقد كشف اخر تقرير عن وزارة التنمية الاقتصادية عن تراجع الاستثمارات الاجنبية المباشرة بنسبة تقارب 30% منخفضة من 3 مليارات دولار في الربع الاول من السنة المالية 2007-2008 الى 2،1 مليار دولار في العام المالي 2008-2009. وانخفض أيضًا صافي التحويلات الرسمية من مليار و 112 مليون دولار الى 77،5 مليون دولار وانخفضت تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 2% .وقد ادى الانخفاض في التحويلات بحسب التقرير الى زيادة العجز في رصيد المعاملات الجارية بنحو مليار دولار . وكشف التقرير انخفاض دخل قناة السويس بنسبة 150 مليون دولار بسبب الركود والكساد المتوقع ان تشهده التجارة العالمية.

وبالنسبة إلى القطاع المالي ممثلاً في البنوك والبورصة، اضاف الدكتور حشاد quot; نجد ان البورصة انخفضت انخفاضًا حادًا في الوقت الذي انخفضت فيه البورصات العالمية والعربية بدرجة اكبر، لكن البنوك موقعها سليم ومن المتوقع أن تبقى على هذه الحالة في عام 2009 والقرارات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي المصري تعمل على تنشيط الاقتصاد لكن معدلات النمو المتوقعة ستنخفض العام القادم الى 5 او 5.5 % عن 7،2 % في العام الماضي ويتوقع أن تنتهي الأزمة العالمية نهاية عام 2009 ونأمل ان تكون الأمور أفضل في العام 2010 quot;.

وفي ما يتعلق بآثار انخفاض أسعار النفط أوضح حشاد ان لها تأثير مباشر وغير مباشر، التأثير المباشر يكون على حجم صادراتنا التي تتأثر بانخفاض قيمة أسعار النفط، ومن الناحية الأخرى هناك مصريون كثيرون يعملون بالخارج في دول النفط، ولو حصل انكماش اقتصادي يكون هناك استغناء عن هذه العمالة وبالتالي يكون العبء الأكبر على الاقتصاد حيث تقل قطعًا تحويلات العاملين بالخارج التي تعتبر كمصدر مهم من مصادر النقد الأجنبي في مصر.

ورفض الدكتور نبيل حشاد وصف الوضع في مصر بتدهور اقتصادي قائلاً: quot;هذه كلمة كبيرة ويفضل أن توضع الأمور في نصابها quot;فعندما نتحدث عن مصر من المتوقع أن ينخفض معدل النمو من 7.2% الى 5.5%، وهذا معدل ايجابي مقارنة بالدول المتقدمة المتوقع - حسب صندوق النقد الدولي- ان ينخفض معدل نمو اقتصادياتها الى 3.0 في المئة، ويمكن تسمية الوضع هنا بالـ quot;تباطؤquot;.

أما الدكتور حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية يتوقع ان ينخفض معدل النمو الاقتصادي العام القادم الى 4% بعد 7.2% في العام 2008، مع تراجع معدل التضخم الذي وصل الى مستويات قياسية quot; 22،4 % للمرة الأولى منذ 18 عامًاquot; ، وانخفاض الأسعار العالمية على صعيد الوقود والطاقة والبترول ، والسلع الغذائية التي اعتبرها جانبًا ايجابيًا للازمة الاقتصادية. واعتبر الدكتور عبد العظيم تراجع أسعار النفط مؤشرًا سلبيًا quot; من المؤكد ان يؤثر ذلك على حصيلة الصادرات البترولية ومشتقاته وكذلك حصيلة الضرائب وبالتالي ينعكس ذلك سلبًا على الدخل القومي.

ولكن هل هذا الانخفاض في معدل النمو الاقتصادي سيكون له تداعيات سياسية أو تغييرات مرتقبة ؟ ،أجاب الدكتور عبد العظيم أن الموضوع السياسي له منطقيه مختلفة في مصر لان الشرطة هي التي تحكم البلد وتترك الحكومة للأمن المركزي الحبل على الغارب يفعل ما يشاء، يقوم بالاعتقالات وقمع جماعات المعارضة ولا اعتقد زيادة المعارضة في العام القادم بل أتصور مزيدًا من الجمود السياسي ومزيدًا من التقييد على الأحزاب والنقابات، ولن تترك الحكومة مساحة كافية من الحرية كي تفعل الناس ما تشاء ، فضلاً عن أن قانون الطوارئ موجود ومستمر ، ومن ثم اي احد يفكر ان يغامر بأي شيء مضاد او مناهض للنظام السياسي ، يدفع الثمن غاليًا وفورًا كما حدث مع بدو سيناء قبل أيام .

بينما الدكتور عمار على حسن رئيس مركز الدراسات بوكالة الشرق الأوسط يرى ان الأزمة المالية العالمية ستؤثر تأثيرًا كبيرًا على الاقتصاد من زاوية قلة حجم الاستثمارات المتدفقة وضعف الاستثمار السياحي وزيادة التضخم وتراجع النمو الاقتصادى وتراجع معدل نمو تحويلات العاملين فى الخارج ، quot;كل ذلك اثار سنبدأ نلمسها فى عام 2009 quot;. واعتقد ان الآثار التي لم تحدث فى عام 2008 ترجع الى ان السوق المصري لم يصبه الدور بعد وميزانية السنة المالية لا تزال موجودة ومستمرة وستتأثر ميزانية عام 2009 تأثيرًا كبيرًا ومن ثم صمود الاقتصاد المصري في الشهرين الآخرين لن يستمر وسيبدأ الشعور بالتأثر في الربع الثاني من العام 2009.

وتوقع الدكتور عمار ان تعبر الأنظمة العربية فى المنطقة هذه الأزمة مشيرًا الى انها مرت بأزمات اقتصادية مشابهة واستطاعت ان تعبرها ، ففي العام 1998 وصل سعر برميل النفط الى 9 دولارات واستطاعت المملكة العربية السعودية التي تعتمد في دخلها على النفط ان تتغلب على هذه الأزمة عبر وسائط متنوعة والآن السعودية مستمرة في عبور الأزمة بالطريقة نفسها.

وبالنسبة إلى مصر- كما يضيف الدكتور عمار - فقد مرت أيضًا بأزمات شبيهة واستطاعت ان تعبرها من خلال الدعم على السلع وتقليص حجم الميزانية والتوقف عن مشاريع البنية التحتية وتوفير الأموال، ولا أتصور ان هذه الأزمة من الممكن ان تمارس ضغوطًا على الأنظمة الحاكمة أو أن تتأثر في شكل عمل سياسي، اللهم إلا اذا كانت هناك قوى لديها من القوة والتمكن في حشد الجماهير وأتصور ان الأحزاب ضعيفة، وبالتالي التغيير قد يعتمد على حالات فجائية كما حصل فى موريتانيا ، او موت الرئيس فجأة وتستولي جهة او طرف اخر على السلطة . ولا يمكن ان تحدث ثورات او تغيرات فجائية الا لو كانت هناك قوى كامنة في دول أخرى.

وحول التغيرات المتوقعة بانتخاب الرئيس الاميركي باراك اوباما على مصر أعرب الدكتور عمار عن اعتقاده ان الضغوط الأميركية التي بدأها الرئيس الاميركى جورج بوش على الأنظمة العربية من اجل الإصلاح والديمقراطية وخصوصًا من بعد أحداث 11 سبتمبر، والتي شهدت تراجعًا حادًا فيما بعد أعقاب اكتساح حماس في الانتخابات الفلسطينية، وبزوغ نجم الإخوان المسلمين في مصر في انتخابات 2005، فإن هذه الضغوط لن تعاود مرة أخرى في عهد اوباما بل سيتحول اهتمامه الى أمور فرعية خاصة بحقوق الإنسان والسجناء وقضايا التنمية. ومن ثم ليس متوقعًا ان تحدث تغيرات هيكلية ولا أتصور ان يشهد عام 2009 ضغطًا أميركيًا يفارق المحطة التي وصل إليها خلال فترة حكم الرئيس كلينتون، اوباما يتحيز لإسرائيل لكن quot;بعقلانيةquot; دون أن تتسبب بجعل الطرف الآخر يشعر بالخطر، وسيحاول ان يعيد السياسة الخارجية إلى حالها إبان فترة كلينتون .