واشنطن: يتفاقم التوتر القائم في العلاقات بين حماس ومصر منذ عدة سنوات، مع دخول الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة أسبوعها الثالث. فمن شأن تلك الهجمات أن تزيد التوتر في العلاقات بين القاهرة وحماس في ظل ضغط قيادات الثانية على الأولى لفتح معبر رفح، في وقت ترفض فيه القاهرة فتح المعبر إلا أمام الحالات والمساعدات الإنسانية، مع رغبة مصرية في إضعاف الحركة تماشيًا مع الهاجس المصري من الحركات الإسلامية.

تلك المقدمة خلاصة مقالة نشرها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وهو أحد المراكز الموالية لإسرائيل - في الثاني من الشهر الجاري، حملت عنوان quot;تدهور العلاقات بين مصر حماس quot;، كتبها كل من محمد ياغي، الباحث بالمعهد، والذي تتركز أبحاثه على السياسات الفلسطينية، ودافيد اسكينكر ، كبير باحثي ومدير برنامج سياسات العرب بالمعهد أيضًا. وفيما يلي عرض لما جاء في المقالة.

خلفية العلاقات بين القاهرة حماس

تبدأ المقالة بالحديث عن الحدود المشتركة مع مصر، فيقول كاتباها: إنها الدولة العربية الوحيدة التي لها حدود مشتركة مع قطاع غزة. وأن الحدود التي تُعرف بمحور أو ممر فيلادلفيا بطول 12.6 كم تفصل الجزء الجنوبي من قطاع غزة عن شبه جزيرة سيناء، أصبحت مسئولية السلطات المصرية بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من القطاع في سبتمبر 2005. أما فيما يخص معبر رفح فيحكمه اتفاقية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي وقعت في نوفمبر 2005. ووفقًا للاتفاق فإن مراقبي الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى المصريين والفلسطينيين، يشرفون على الجمارك والمعابر الحدودية.

وعن العلاقات مع حركة حماس يقولان :إنه بينما تحتفظ القاهرة بعلاقات قوية مع السلطة الفلسطينية وقيادتها من حركة فتح منذ إقامة السلطة الفلسطينية في عام1994، إلا أنها تفادت بشكل كبير وجود علاقات مباشرة مع حركة حماس. وفي عام 1996 قابل النظام المصري مسئولين من حركة حماس في القاهرة بناء على طلب من فتح لإثناء قيادات الحركة عن هجماتها داخل الأراضي الإسرائيلية.

ومؤخرًا، وفي مارس 2005 طالب رئيس السلطة الفلسطينية quot;محمود عباسquot; مصر برعاية حوار بين الفصائل الفلسطينية لإقناعها لاسيما حركة حماس بالقبول بوقف إطلاق النار مع إسرائيل. ولم تبدأ الاتصالات على المستويات العليا بين القاهرة وحماس إلا بعد أسر الحركة الجندي الإسرائيلي quot;جلعاد شاليطquot; في يونيو 2006، ورغبة مصر في لعب دور الوسيط لإنهاء أزمة شاليط وعودته إلى إسرائيل. وقد أصبحت الاتصالات على المستويات الرفيعة روتينية بين القاهرة وحركة حماس بعد سيطرة الأخيرة على قطاع غزة بالقوة في يونيو 2007.

ورغم الاتصالات المستمرة، أشارت القاهرة بوضوح أنها تعترف فقط بسلطة عباس وأبرزت هذا بنقل تمثليها الدبلوماسي إلى رام الله بعد سيطرة حماس على غزة. وتقول المقالة :إن علاقات مصر مع حماس يتم التعامل معها من خلال القنوات الأمنية وتحديدًا من قبل رئيس المخابرات المصرية quot;عمر سليمانquot;.

مصالح متناقضة

يرى كاتبا الدراسة أن هناك مصلحة حيوية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) للحفاظ على علاقات جيدة مع الجانب المصري. فالقاهرة هي السبيل الوحيد للحركة على العالم الخارجي ليس فقط على إسرائيل ولكن على العالم في صورته الكلية، وترى الحركة أن فتح الحدود مع مصر شرط ضروري لتقوية دولتها الصغيرة في غزة. هذا، وتستمر العلاقات القوية بين حماس وجماعة الأخوان المسلمين المصرية والتي كانت اللبنة الأولي لحركة حماس والتي يرجع وجودها في قطاع غزة إلى بداية الخمسينيات من القرن المنصرم. وحاليًّا تُعد مصر المصدر الرئيسي للحركة للذخيرة والعتاد والبضائع الاستهلاكية المتاحة حاليًّا، والتي تهربها الحركة عبر الأنفاق التي تصل بين غزة وسيناء.

ومن أجل الحفاظ على العلاقات مع الجانب المصري تقاوم حركة حماس الضغوط الداخلية والخارجية من حلفائها لاسيما دمشق وطهران؛ لإنهاء دور الوساطة المصري فيما يخص قضية الجندي الإسرائيلي الذي أسرته الحركة quot;شاليطquot;. وعلى النقيض قبلت حماس بقرار جامعة الدول العربية الذي يمنح القاهرة السلطة للتوسط في الخلافات الفلسطينية الداخلية، على الرغم من التحيز المصري الواضح لصالح عباس وحركة فتح، كما ترى المقالة.

ويرى قادة الحركة أن النظام المصري ينظر إلى الحركة على أنها تهديد للأمن القومي المصري. فالقاهرة قلقة من أن إقامة حركة حماس لدولتها الإسلامية الصغيرة على الحدود الشمالية سيعزز من قوة جماعة الإخوان المسلمين المصرية ويشجعها مرة أخرى لتبني أساليب عنيفة للإطاحة بنظام الرئيس المصري حسني مبارك. فيقول رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري quot;لن تتسامح مصر مع إقامة دولة إسلامية على حدودهاquot;. وفي الوقت ذاته فإن تدعيم مصر عزل غزة يضمن حسن نية واشنطن وإسرائيل، مع الحفاظ على دورها الإقليمي في مواجهة منافسيها، طهران وسوريا، حسبما رأت المقالة.

وفي ضوء هذا المصالح، ستستمر القاهرة في الحفاظ على غلق الحدود مع غزة، مع استثناء عدد قليل من البعثات الإنسانية وعمليات إجلاء الصليب الأحمر. ويضيف الكاتبان أنه طوال السنوات الثلاثين الماضية والقاهرة تسعى إلى التنصل من المسئولية عن قطاع غزة. ويرى عدد من المسئولين المصريين أن إعادة فتح معبر رفح quot;سيسمح لإسرائيل بتصدير أزماتها إلى مصرquot;، وأن هذا لن يثني إسرائيل عن التزاماتها تجاه المواطنين في غزة. وتصر القاهرة على أن إعادة فتح المعبر سيكون وقفًا لاتفاق السلطة الفلسطينية وإسرائيل في عام 2005، أي عندما يعود موظفو الاتحاد الأوروبي للعمل.

بوادر الانهيار

وقد تصاعد التوتر بين حماس والنظام المصري أوائل العام الماضي وبالتحديد في يناير الماضي (2008) عندما دمرت حركة حماس السياج الحدودي الذي سمح لما يقرب من 700 ألف فلسطيني يتدفقون إلى سيناء. ففي بداية الأمر رحبت القاهرة بالفلسطينيين ولكنها سرعان ما سعت لإعادة فرض سيطرتها على أراضيها. وقد قبضت السلطات المصرية على آلاف الفلسطينيين كان منهم خلية كبيرة من حماس يحملون متفجرات وقاذفات قنابل، وفي مارس الماضي (2008) اتهمت قيادات الحركة تعذيب السلطات الأمنية المصرية عناصر من الحركة تحتجزهم. وفي وقت كانت تتخذ فيه القاهرة خطوات لغلق الحدود، أرسلت حماس جرافات لإزالة الخطوات المصرية، كما تعهد رئيس الوزراء الحماسي إسماعيل هنية بعدم سماح الحركة بغلق الحدود، وبعد فترة قصيرة أصيب حرس الحدود المصريين برصاص حماس.

وفي نوفمبر الماضي (2008)، عاد التوتر مجددًا بين الحركة والقاهرة بعد رفض الأولى حضور اجتماع بالقاهرة للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية. فقد اتهمت حماس القاهرة بانحيازها لرئيس السلطة الفلسطينية quot;محمود عباسquot; وحركة فتح، وسعيها للتمديد له بعد انتهاء فترته الرئاسية أواخر هذا الشهر. وردت القاهرة على ذلك بتحميل حماس مسئولية انهيار المفاوضات، والعمل على إقناع جامعة الدول العربية لإطفاء الشرعية على التمديد لمحمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية.

ونتيجة لتلك حلقات التوتر بين حماس والقاهرة والإحباط المصري من حركة حماس رفضت مصر التوسط بين الحركة وإسرائيل لتمديد الهدنة في قطاع غزة. وقبل أيام من العمليات الإسرائيلية أعادت حركة حماس نشر مقالة نشرت بداية في صحيفة quot;معاريفquot; الإسرائيلية والتي تقول: quot;إن دولاً عربية مثل quot;مصرquot; طالبت إسرائيل quot;بقطع رءوس قيادات حركة حماسquot;، واتهمت رئيس المخابرات المصرية quot;عمرو سليمانquot; بأنه قال للإسرائيليين :إن حماس حركة متعجرفة وأن العمليات العسكرية ضدها سيؤدي بها إلى الواقع.

هل من تغير في العلاقات

إن فتح معبر رفح سيعد محور استراتيجية خروج حماس من الهجمات الإسرائيلية عليها في القطاع. فقادة حماس يؤمنون أن النظام المصري سيستسلم تحت ضغوط الرأي العام والمظاهرات داخل مصر والعالم العربي، ويفتح المعبر الحدودي. وتأمل الحركة أن وقف إطلاق النار المقبل مع الجانب الإسرائيلي أن يتضمن اتفاقًا جيدًا يجعل مصر بدون خيار إلا إعادة فتح معبر رفح بصورة مستمرة على نحو فعال ينهي الضغط على الحركة ويحقق لها كثيرًا من المكاسب الاستراتيجية.

وعلى الرغم من المظاهرات المتزايدة التي تطالب مصر بفتح المعبر، إلا أن القاهرة أظهرت قليلاً من التعاطف مع حركة حماس وأبدت بعض من المؤشرات على أن سياساتها بشأن الحدود ستتغير. وتأمل القاهرة أن تؤدي الحملة الإسرائيلية إلى إقصاء حركة حماس من قطاع غزة وإضعافها بدرجة كافية بما يمكنها من تغيير الديناميكية الدبلوماسية عند انخراطها في الشئون السياسية الفلسطينية.

وفي نهاية المقالة يخلص الكاتبان إلى أنه بقطع النظر عن كيفة خروج حماس مجددًا من هذه الهجمات فإنها مازالت في حاجة إلى علاقات قوية مع مصر. وأن عدم تحرك مصر لفتح معبر رفح سيعطيها نفوذًا في مقابل حماس في حال تعاملها مع القضايا السياسية الفلسطينية الداخلية. وأنه في الوقت الذي يُواجه فيه النظام المصري تحديات الحركات الإسلامية داخليا فإن سياساتها تجاه حركة حماس والحدود ستضيف بعدًا آخر إلى قضايا المعارضة الداخلية. ويختتم الكاتبان مقالتهما بأنه عندما يتعلق الأمر بالإسلاميين فإن القاهرة على دراية بما يجب فعله من أجل الحفاظ على أمنها القومي.

مصر والهجوم على غزة في الإعلام الأميركي

وفي كل أزمة يتعرض لها الفلسطينيون سواء كانت أزمة داخلية، مثل الاقتتال الداخلي أو الصراع على السلطة الذي تشهده الأراضي الفلسطينية منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في عام 2006، أو اشتعال الصراع مع إسرائيل - كما هو حادث الآن - سواء أكان ذلك بسبب الحصار الذي فرضته على القطاع، أو الاجتياح الذي تتعرض له غزة في الوقت الحالي، يبرز بقوة الدور المصري في هذا الصراع المرير؛ لاعتبارات كثيرة أهمها أن مصر من أكثر الأطراف حساسية لمخرجات هذا الصراع السلبية أو الإيجابية؛ لتأثير هذه المخرجات على الأمن القومي المصري. فضلاً عن الاعتبارات الشعبية المرتبطة باستمرار نظر المصريين إلى القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية في الصراع العربي ndash; الإسرائيلي.

وأن مساعدة الفلسطينيين واجب قومي يجب أن تضطلع به مصر، باعتبارها القوة العربية الأكبر والأكثر تأثيرًا في هذا الصراع، بقطع النظر عن أي اعتبارات أخرى متعلقة باتفاقية السلام بين الجانبين مصر وإسرائيل، أو الاتفاقية التي تحكم عملية فتح المعابر، والتي لا يعلم عنها كثير من المصريين أو الشعوب العربية شيئًا، فمع كل أزمة من هذه الأزمات يطفو موضوع فتح المعابر على السطح، وضرورة الضغط على إسرائيل من أجل وقف نزيف الدم الفلسطيني.

ومع بداية الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة اشتعلت وتيرة الاحتجاجات والغضب الشعبي - على امتداد الوطن العربي وداخل مصر ndash; ضد الموقف المصري الرسمي خاصة من فتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية للقطاع، حيث وُجهت انتقادات حادة لمصر وصلت إلى حد الخيانة والعمالة لصالح إسرائيل لرفض مصر فتح المعبر بصورة كاملة، ولكن على الجانب الأميركي قدمت التحليلات التي أذاعتها وسائل الإعلام رؤية مختلفة تماما للدور المصري في هذه الأزمة، رؤية تؤكد على أهمية الدور المصري في هذا الصراع، لما تمتلكه من نفوذ كبير وقنوات اتصال لدى جميع الأطراف.

موقف مصر بين تعقيدات الواقع واعتبارات القومية

فمن جانبه أعد ستيف انسكييب تقريرًا لبرنامج الذي يذاع على راديو NPR تحت عنوان quot;مصر يمكن أن تكون صانعة سلام في غزةquot; مؤكدًا في بداية التقرير على أن مصر لديها رغبة قوية في ألا تكون حدودها مع قطاع غزة مصدرًا لكثيرٍ من المشاكل التي يمكن أن تأتي من هناك إلى داخل الحدود المصرية، ومن ثم فإن الدور المصري تتداخل فيه مجموعة من العوامل والاعتبارات غاية في التعقيد، ولذلك استضاف البرنامج سكوت لاسينسكى الخبير في المعهد الأمريكي للسلام في واشنطن.

وبدأ لاسينسكى تحليله بإلقاء نظرة على مجموعة من الحقائق المتعلقة بالدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عامة وفي الأزمة الحالية خاصة، حيث أشار إلى أن قطاع غزة هو منطقة حدودية ملاصقة للحدود المصرية، ومصر منذ ما يقرب نصف قرن كانت تحتل القطاع لفترة تقترب من العشرين عامًا من ناحية أولى، وهناك أيضًا حركة حماس التي تسيطر على القطاع من ناحية ثانية، وهي حركة لها ارتباطات في مصر، فأصولها نبعت من حركة الأخوان المسلمين المصرية.

وفيما يتعلق بالعلاقات المصرية - الإسرائيلية ndash; كأحد الحقائق الأخرى القائمة في هذا السياق- فقد اعتبرها انسكييب ndash; مقدم البرنامج- علاقات قوية للغاية قد تساوي قوة علاقة مصر مع أي دولة عربية، ولفت لاسينسكى الانتباه إلى أن العلاقات بين مصر وإسرائيل هي المفتاح في العلاقة الأكبر بين إسرائيل والدول العربية عامة، فقد قامت بين إسرائيل ومصر عديدٌ من الحروب، ووقع الطرفان اتفاقية للسلام في عام 1979، واعتبر لاسينسكى أن هذه الاتفاقية هي جوهر عملية السلام بين العرب وإسرائيل، ومن ثم فإن عملية السلام المصرية الإسرائيلية لها أهمية استراتيجية كبيرة للغاية لا يمكن إنكارها.

وعن الدور المصري في وقف ما يحدث الآن في القطاع، خاصة بعد أن سيطرت حركة حماس على القطاع، ثم فرض حصار إسرائيلي شديد على غزة، وانتهاء بالعملية العسكرية التي تقوم بها قوات الدفاع الإسرائيلية في الوقت الحالي، أكد لاسينسكى أن مصر وضعت في وسط كثير من الضغوط المتصاعدة والمعقدة، فهي من ناحية ترغب في تهدئة الأوضاع في القطاع منعًا لتفجرها، الأمر الذي سيؤدى إلى وقوع كثيرٍ من المشاكل التي سيكون لها تأثيرات شديدة السلبية على الأوضاع في مصر، وهي من ناحية أخرى ترغب في المحافظة على حدودها وإحكام السيطرة التامة عليها، ومن ثم تقاوم مصر الضغوط التي تدفعها نحو فتح الحدود والمعابر مع قطاع غزة.

وهذه الرغبة في التهدئة والحفاظ على الحدود من الاختراق أشار لاسينسكى إلى أنهما نابعتان من ارتباط مصر بمعاهدة سلام وقعتها مع إسرائيل من ناحية أولى، ومن ناحية أخرى احتمالية الفوضى التي يمكن أن تعم سيناء إذا ما فتحت الحدود للآلاف من الفلسطينيين، الذين يريدون أن يعبروا الحدود من غزة إلى مصر، للبحث عن المأوى والمتطلبات الأساسية الأخرى مثل المأكل والملبس والمشرب، أو هربًا من القصف الإسرائيلي المتواصل للقطاع، ولكن لاسينسكى لفت الانتباه إلى حقيقة مهمة فيما يتعلق بالموقف المصري من مسألة فتح الحدود والمعابر وهي ndash; كما يقول لاسينسكى ndash; أن حركة حماس التي تسيطر على غزة هي إحدى حركات الإسلام السياسي، والنظام السياسي في مصر هو نظام علماني، ومن ثم فهو لا يرغب في أن تقوى السياسات الإسلامية التي يتبعها هذا النوع من الحركات في الداخل المصري، عندما تنجح إحدى القوى الإسلامية في إقامة سلطة لها على الحدود المصرية.

وهناك أيضًا معضلة أخرى - ساقها لاسينسكى - في سياق تفسير الموقف المصري في هذه الأزمة، وهي أن هناك كثيرًا من الإسرائيليين يريدون تصدير مشكلة قطاع غزة إلى مصر، فهم يرغبون في إعادة توجيه مسار الممرات الإنسانية التي تعبر من خلالها المساعدات إلى قطاع غزة عن طريق إسرائيل، لتعبر هذه الممرات من خلال مصر، ومن ثم تصبح غزة هي مشكلة مصر، والعبء الذي يجب أن تتحمله القيادة المصرية بدلاً من إسرائيل، والنظام المصري لا يريد أن يتحول الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي أو المنازعات التي تشهدها الأراضي الفلسطيني شأنًا داخليًّا مصريًّا تعجز عن تحمل تبعاته في المستقبل.

وعن مسألة إغلاق الحدود بين مصر والقطاع، أكد التقرير أنه إذا كانت الحدود مغلقة من الناحية الرسمية، فإنها ليست كذلك من الناحية الواقعية، فهناك كثير من الأنفاق عبر الحدود التي تستخدم في نقل كل ما يلزم القطاع من طعام وشراب وبنزين، وغيرها من الاحتياجات الأخرى التي يعتمد عليها السكان في معيشتهم اليومية.

وفى هذا السياق أكد لاسينسكى أنه على مدار العامين الماضيين فيما يتعلق بالدور المصري في منطقة سيناء، وموقف مصر من مسالة الأنفاق عبر الحدود وعمليات التهريب التي تتم من خلال هذه الأنفاق، فهي جزئيا تتسامح مع بعض هذه الأنشطة التي تتم عبر الحدود، وذلك في محاولة منها لامتصاص غضب الرأي العام خاصة الداخلي، من خلال إظهار قدرٍ من التأييد والتضامن مع سكان قطاع غزة، وأنها تساعد الفلسطينيين ولا تقف مع إسرائيل ضدهم.

نفوذ مصر: ولكن هناك حاجة لأطراف أخرى

وعن مسألة مدى امتلاك مصر النفوذ الذي يمكن أن تستخدمه في التأثير على كل من الفلسطينيين خاصة قيادات حركة حماس من جانب وعلى إسرائيل من جانب آخر لتهدئة الأوضاع، أكد لاسينسكى في هذا الإطار أن مصر تمتلك بالفعل هذه القدرة على التأثير على الجانبين، وساق عددًا من الشواهد على هذا الأمر خاصة الدور الذي لعبته مصر في اتفاق التهدئة ووقف إطلاق النار الذي تم بين الجانبين، وانتهى في التاسع عشر من ديسمبر الماضي قبل اندلاع الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة. أيضًا تعتبر مصر قناة اتصال بين حركة حماس والإسرائيليين، من خلالها يتم تبادل وجهات النظر والآراء المختلفة والرسائل التي يريد كل طرف إيصالها للطرف الآخر، ومما لاشك فيه ndash; كما يقول لاسينسكى أن إسرائيل تقدر مصر كثيرًا، وحماس من جهتها هي الأخرى في حاجة إلى التفاوض والحديث مع الإسرائيليين حتى لو عن طريق غير مباشر من خلال مصر.

وعن إمكانية أن يمكّن هذا النفوذ مصر من إرغام أحد الأطراف أو بعضها على تغيير مواقفه وسلوكه، أكد لاسينسكى أنه ليس هناك طرف وحيد - سواء كانت مصر أو حركة حماس أو إسرائيل أو الولايات المتحدة - قادر على القيام بمثل هذا الأمر، إلا أن مصر تمتلك ndash; بالفعل - تأثيرًا كبيرًا، فهي لها قنوات اتصال مع جميع أطراف المعادلة خاصة حركة حماس، ولهذا الأمر فإن مصر تمثل أهمية كبيرة للولايات المتحدة، التي لا تمتلك هي الأخرى أي قنوات اتصال مع الحركة.

مبادرة مصرية فرنسية

وعلى صعيد الجهود المصرية لوقف العنف والاجتياح الإسرائيلي للقطاع، أعد برنامج CNN Newsroom تقريرًا تناول فيه الأنباء التي تواترت عن طرح مبادرة مصرية فرنسية، أعدت من أجل وقف إطلاق النار في الأراضي الفلسطينية، وأكد التقرير أن المبادرة تهدف إلى التوصل إلى اتفاق دائم للتهدئة بين الجانبين.

ففكرة المبادرة تقوم على عنصرين هامين، الأول يهدف إلى منع إطلاق الصواريخ الفلسطينية وغيرها من العمليات العدائية الأخرى ضد الإسرائيليين انطلاقا من قطاع غزة، أما النقطة الثانية فهي منع كافة المنافذ والطرق التي يمكن أن تحصل حماس من خلالها على السلاح، لأنه لو استمر حصول حماس على السلاح فإنه من المتوقع اندلاع العنف مرة أخرى خلال شهور قليلة. ولفت التقرير الانتباه إلى أنه لم يتم الإعلان رسميًّا عن هذه الخطة، إلا أن هذه العناصر يجب أن تمثل جزءًا أساسيًّا من أي حل لهذا الصراع خاصة عدم السماح لحماس بإعادة تسليح ذاتها مرة أخرى، وهي مبادئ متفق عليها من جانب المجتمع الدولي.