تهتم الأوساط السياسية الأميركية بجولة إعادة الانتخابات الرئاسية الأفغانية ونتائجها بعد أن شاب الانتخابات السابقة عمليات تزوير وانتهاكات واسعة النطاق، أخلت بنزاهة العملية الانتخابية، وقد شكلت هذه الممارسات تهديدًا خطيرًا للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأمركية وقواتها المسلحة هناك منذ 2001.

يعول كثيرون على نتائج تلك الجولة ـ والتي فاز فيها quot;كرزايquot; ـ لأنه سيكون لها دور كبير في إضفاء الشرعية على الحكومة الأفغانية بعد معاناتها من الفساد الذي استشرى فيها خلال الفترة الماضية، لاسيما وأن الإدارة الأميركية تبحث عن شريك أفغاني يحظى بالمصداقية داخل أفغانستان، تركن إليه في تنفيذ استراتيجيتها الجديدة في أفغانستان. ومن الجديد بالذكر أن إدارة أوباما كانت تنظر نتائج تلك الجولة لتعلن عن استراتيجيتها الجديدة في أفغانستان.

وفي سياق مناقشة جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية الأفغانية استضاف معهد دراسات الشرق الأوسط Middle East Institute في العاصمة واشنطن Washington DC حلقة نقاشية عن الانتخابات الرئاسية في أفغانستان والسيناريوهات المتوقعة لمستقبل هذا البلد بعد الانتخابات تحدث فيها ثلاث من مراقبي انتخابات أغسطس الماضي. وكان معظم الحضور من الصحافيين، والأساتذة، وطلبة دراسات الشرق الأوسط وأيضًا مسئولين ومستشارين حكوميين.

البحث عن الشرعية

تحدث ويليام ميلى عن النضال الذي تخوضه الحكومة الأفغانية من أجل الحفاظ على شرعيتها أو على الأقل قبول الشعب بسلطة الحكومة الأفغانية. وشرح ميلى كيف أن الحكومة الأفغانية تحقق شرعيتها بوسائل غير ديمقراطية، والتي قادت إلى حالة عدم الاستقرار والأمن التي تشهدها أفغانستان مؤخرًا. وخلص من استعراضه للتاريخ الأفغاني إلى أن الانتخابات هي إحدى الوسائل النادرة والتي من خلالها يتم تحقيق الشرعية. مشيرًا إلى أن المواطن الأفغاني لم يعتدْ على الديمقراطية الانتخابية. وعبر ميلي عن اهتمامه المتزايد برؤية الأفغان البسطاء للعملية الانتخابية برمتها، وخاصة إذا كان ذلك يتم في ظل حكومة تكاد تتمتع بالشرعية.

ويشكك الخبراء الثلاث في أن الأفغان سيجعلون التصويت عادة منتظمة، وذلك لسببين، الأول: أن قطاع واسع من الأفغان يرون بأن نتائج هذا التصويت يتمخض عنها حكومة غير شرعية تنخرها الفساد، والثاني: أنهم يعتبرون الخروج للتصويت خطر مميت، وهذا في ظل الوضع الأمني الهش هناك.

وعن متطلبات الحقيقة للنجاح في أفغانستان تحدث ميلي عن ضرورة إجراء إصلاح دستوري، ولكنه أعرب عن خيبة أمله في أن يتم ذلك في المستقبل القريب. وشرح ميلى كيف أن الفساد الانتخابي يمكنه بسهولة أن يصبح منظومة، فهناك مسؤولون من حكومة كرزاى متورطون في عمليات فساد وبالتالي الفساد موجود داخل السلطة الرسمية وهذه كارثة.

وعدد ميلى المشاكل - والتي تنبع من فقدان الشرعية - الحرجة والخطيرة وطويلة المدى والتي ستعانى منها أفغانستان في المستقبل. وأوضح أن كلاّ من الهند وباكستان قادرتان على الاستمرار في التدخل في شئون أفغانستان الداخلية حتى وإن كان ذلك بشكل غير مباشر. وأشار كذلك إلى أنه من الصعب إرسال قوات الأمن الأفغانية في عمليات عسكرية لأنهم غير مؤهلين، ناهيك عن التجنيد، عندما يطلب من أحدهم المخاطرة بالموت من أجل الحفاظ على حكومة فاقدة الشرعية.

ويري أنه إذا تم الاحتفاظ بالرئيس الأفغاني حامد كرزاى وهو فاقد الشرعية، فعلى الحكومات الغربية محاولة إنقاذ أفغانستان وكذلك مواجهة معضلة فقدانه الشرعية. وهنا يُطرح تساؤلٌ حول ما إذا كانت الحكومات الغربية تلقى بكل دعمها خلف قائد شوه صورته أمام المجتمع المحلى أو الإبقاء به على مسافة من الأمر، بحيث يحتمل أن يفشل بدون دعمهم.

هل الجولة تحقق معدل مشاركة أعلى؟

بدأ رانى مولين، وهو خبير في الانتخابات، حديثه بالإشارة إلى أن الانتخابات في كابل كانت أقرب إلى النزاهة عنها في المحافظات الريفية. وصرح بأنه على الرغم من معرفة المراقبين الغربيين بأن النتيجة لن تكون نزيهة، فهم لم يدركوا كيف تم التحايل على الإقبال في يوم الانتخابات، وفى الوقت ذاته كان أسوا البدائل هو عدم إجراء الانتخابات في كل المناطق.

وعند الحديث عن احتمالية إرجاء الانتخابات رأى أنه من الصعب فعل ذلك مع حلول الشتاء ونظرًا لتصاعد هجمات طالبان، والذي سيؤدى حتمًا إلى غلق صناديق الاقتراع حتى الربيع القادم، تاركة الرئيس كرزاى منتخبًا بشكل غير ديمقراطي في مكتبة.

وطرح تساؤل مفاده: هل ستضيف جولة الإعادة الثانية أي شيء؟. فنسبة الإقبال على التصويت في انتخابات أغسطس الماضي قدرت بنسبة 30%، وهذا بسبب التهديدات الحقيقية بالعنف من قبل طالبان. وتوقع بأن الجولة الثانية ستشهد إقبالاً أقل وهذا لأن معظم الأفغان قرروا عدم المخاطرة بالموت مرتين في العام ذاته في خضم العنف الذي يحصد آلاف الأرواح، وخاصة إذا كان ذلك من أجل نظام فاسد.

واختتم مولين حديثه عن المخاوف بشأن مستقبل أفغانستان بعد هذه الانتخابات. وأكد في حديثه على أن المصالح الأميركية تتحقق مع حكومة شرعية تعتمد على المؤسسات أكثر من اعتمادها على شخص. ولقد أعرب أيضًا عن مخاوفه من أن الانتخابات الرئاسية الملطخة بالدماء هذا العام قد تقوض من الانتخابات البرلمانية العام المقبل.

الوضع الآن

وفي حديثه عن الوضع الحالي في أفغانستان أشار وينبوم، إلى أن الرئيس الأفغاني قد تراجع عن الصفقات التي عقدها مع قادة الحرب في المحافظات الشمالية والغربية والذين ساعدوه قبيل الانتخابات