واشنطن: لعله من المفارقات التي قد تحدث على الساحة الدولية، أن نجد الصورة الأميركية لدى أفريقيا أفضل حظًّا مما هي عليه في مناطق أخرى من العالم، على الرغم من أنها ظلت بعيدة لفترات طويلة عن دائرة اهتمامات السياسة الأميركية. فعلى نحو ملحوظ شهدت القارة الأفريقية نهجًا مختلفًا لإدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش عن سابقيه. فقد اهتمت إدارته منذ توليها بإنهاء الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في السودان، إلى جانب ما أطلقه من مبادرات ركزت على تنمية أفريقيا، مثل: خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز، ومؤسسة تحدي الألفية بالإضافة إلى إنشاء القيادة العسكرية الأميركية الخاصة بأفريقيا (أفريكوم) كذلك تضاعف المساعدات المالية ثلاث مرات، كل هذا ساعد على خلق صورة أميركية إيجابية داخل القارة الإفريقية.
وعلى رغم ما أنجزته الإدارة الأميركية السابقة إلا أنه ما يزال هناك تحديات تواجهها الإدارة الأميركية الجديدة في أفريقيا حددها جنيفر كوكوستيفن موريسون في دراسة نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بعنوانquot;أفريقيا في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش: توصيات لإدارة أوباما the Bush quot;، تتمحور حول حالة عدم الاستقرار والصراع الذي تشهده الكونغو، والسودان والصومال، وغيرها من الدول. ذلك في ظل ما تشهده الولايات المتحدة الأميركية من أزمة اقتصادية حادة قد تزيد من تفاقم الفقر، وسوء التغذية، وحالة عدم الاستقرار بين الدول الأفريقية.
وفي هذا الصدد، تجلت عديدٌ من الدراسات التي تؤكد على أهمية الحفاظ على المكاسب الأميركية التي تحققت عبر القارة الأفريقية وعدم التنازل عن وضع القارة التي تزايدت أهميتها الاستراتيجية للمصالح الأميركية والذي ينذر بأنها ستكون على أولويات أجندة الإدارة الأميركية الحالية، إدارة أوباما.
وفي ظل هذا الزخم من التوصيات يعرض تقرير واشنطن لدراسة بعنوان quot; كيف يساعد الرئيس أوباما أفريقيا . وأميركا على حد سواء؟ نشرها موقع مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن العاصمة وهي أحد المؤسسات التي أُنشئت عقب أحداث 11 من سبتمبر وتعني بتعزيز التعددية، والدفاع عن القيم الديمقراطية، ومحاربة الإيديولوجيات التي تهدد الديمقراطية.
أعد الدراسة جيه بيتر فام وهو مدير معهد نيلسون للشؤون الدولية والعامة في جامعة جيمس ماديسون وزميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن العاصمة ونائب رئيس لرابطة دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا.
أوباما وكاريزما الجذور الأفريقية
بدأت الدراسة بإبراز تاريخ أوباما المتميز عن سابقيه من الرؤساء الأميركيين، فهو أول أميركي من أصول أفريقية يصبح رئيسًا لأكبر قوى عظمى سياسيًّا، وعسكريًّا، واقتصاديًّا، وثقافيًّا على مستوى العالم. وهو ما يجعله موضعًا لآمال عدد كبير من الأفارقة الطامحين في تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وأفريقيا، وفي هذا الصدد، أكدت الدراسة على أن ما يأمله الأفارقة مما سيقوم به باراك أوباما من أجل القارة هو أمر شاق، وهو ما يرجع لفخرهم الهائل في كونه نجل رجل من قرية صغيرة في غرب كينيا، إلا أن ذلك سيعطيه فرصة غير مسبوقة تمكنه من تطوير القيم والمصالح الأميركية في القارة بالنظر إلى الطموحات الأفريقية للسلام، والاستقرار، والتنمية. إلى جانب تأمين المصالح الأميركية الرئيسية في أفريقيا، التي تشمل حل الصراعات المدمرة في المناطق الجغرافية الحساسة مثل الصومال، والسودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى جانب مكافحة الإرهاب، والتطرف، والخروج على القانون مثل عمليات القرصنة الصومالية، وفتح الأسواق للصادرات الأميركية، والاستثمارات إلى جانب الوصول للطاقة والموارد الطبيعية الأخرى.
وفي هذا الصدد، ينبغي الإشارة إلى أنه غالبًا ما تدور العلاقات الأميركية ـ الأفريقية حول قضايا الطاقة والأمن. ومن هنا، حددت الدراسة خمس خطوات يمكن من خلالها تحقيق خطوات ملموسة في هذا المنعطف التاريخي.
تطور المنظور الأميركي لأفريقيا
بدايةً، تشير الدراسة إلى أهمية البناء على الخبرات الأميركية السابقة في القارة. ومن ثم فعلى الرئيس أوباما الإلمام بجهود الرؤساء الأميركيين السابقين. وتشير ضمن تناولها للسياق التاريخي للسياسة الأميركية تجاه القارة إلى الاهتمام الأميركي بالقارة لما واجهه الوجود الأميركي من تعثر في الصومال ورواندا، الذي دفع الرئيس كلينتون إلى بداية الاهتمام بالقارة واتباع أكثر توازنًا تؤكد على السياسات الديمقراطية، والنمو الاقتصادي، والحكم الرشيد، فعلى سبيل المثال، صدر قانون النمو والفرص الأفريقية(أغوا) عام 2000، والذي قلل إلى حد كبير العوائق التي تعترض التجارة بين الدول الأفريقية والولايات المتحدة الأميركية. وقد كانت صناعة المنسوجات، النتيجة المباشرة لهذا القانون، فقد تضاعف تصدير الملابس الأفريقية لأميركا سبع مرات.
وقد بنى الرئيس جورج دبليو. بوش على هذا التراث، طوال فترة رئاسته التي استمرت ثماني سنوات، وهو ما تجلى في قانون النمو والفرص الأفريقية الذي تمكن من تجديده والحفاظ عليه، بالإضافة إلى ما أطلقه من مبادرات تنموية منذ عام، ومنها على سبيل المثال، مؤسسة تحدي الألفية، خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز)، ومبادرة الرئيس الخاصة بالملاريا (PMI)، وقد كان لهذه المبادرات أثر إيجابي لتعزيز أواصر التعاون بين الولايات المتحدة الأميركية ودول القارة الأفريقية. وفي هذا الصدد أكدت الدراسة على أهمية الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة في القارة، والعمل على توفير موارد كافية للحفاظ على تمويل هذه البرامج والمبادرات.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت الدراسة إلى حاجة الوكالات الأقدم لحكومة الولايات المتحدة الأميركية، وتشمل وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية(USAID)، للموارد من أجل تقوية عملها في أفريقيا، التي زادت أهميتها الاستراتيجية لأميركا، ومن ثم هناك سعي أميركي للتغلب على انكماش القدرة الأميركية في التأثير على الأحداث في القارة.
معضلة الأمن والتنمية
أشارت الدراسة إلى وجود إدراك واسع بأن الأمن شرط لابد منه من أجل تحقيق التنمية الدائمة في أفريقيا، وهو ما يمثل مصلحة لا تخص الأفارقة فحسب، لكن أيضًا الولايات المتحدة الأميركية، والمجتمع الدولي ككل. ومن هنا جاءت فكرة إنشاء القيادة العسكرية الأميركية الخاصة بأفريقيا (أفريكوم) (AFRICOM)، التي تتضافر مهامها مع وكالات الحكومة الأميركية والشركاء الدوليين، في خلق ارتباط أمني دائم من خلال برامج عسكرية ـ عسكرية وأنشطة أخرى تحت رعاية الجيش بالإضافة إلى العمليات العسكرية الأخرى التي تم توجيها لتعزيز بيئة أفريقية مستقلة وآمنة. ومن ثم فهي تشكل خطوة هامة للمساعدة في تغطية الاحتياجات الأمنية للقارة.
لا تمثل أفريكوم فقط إطارًا مؤسسيًّا جديدًا يربط الولايات المتحدة الأميركية بأفريقيا، لكن أيضًا تحولاً هامًّا في استراتيجية الولايات المتحدة من رد الفعل العسكري، إلى إطلاق التهديدات، ثم إلى ممارسة نهج وقائية تعزز الآمن الإنساني، وذلك من خلال منع نشوب الصراعات، حيث تكمن أهمية عمليات تحقيق الاستقرار بعد انتهاء الصراع.
وفي هذا الصدد أكدت الدراسة على أهمية أن تقنع إدارة أوباما الكونغرس، بتوفير الموارد الضرورية للنهوض بالقيادة الجديدة: ففي مقترح الميزانية لعام 2009، طلب الرئيس بوش 390 مليون دولار من أجل أفريكوم، غير أن اللجنة الفرعية لمخصصات الدفاع في مجلس النواب التي يرأسها النائب جون مورثا قللت هذه القيمة للثلث، فقد وافقت على 266 مليون دولار فقط. وهو بالكاد يحقق العمليات المتواضعة حاليًا للأفريكوم، والتي ركزت بشكل مكثف على المساعدة في الحرب على الإرهاب والتطرف، وبناء قدرات للعسكريين الأفارقة. وهنا دعت الدراسة إلى ضرورة أن تسهم الحكومة الأميركية والقطاعات الخاصة، والشركاء الأميركيين الأفارقة، في بناء القدرات الأمنية الأفريقية.
التنمية غاية لابد منها
أشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من كون الأمن شرط مسبق للتنمية، إلا أنه بدون تقدم يذكر للتنمية، يصبح تحقق الأمن وهم خادع. ولهذا أصبحت عمليات الاستقرار الآن صلب مهام الجيش الأميركي التي لابد أن تٌعطى الأولوية مقارنة بالعمليات القتالية لتوفير الأمن، والخدمات الضرورية، وتغطية الاحتياجات الإنسانية للسكان على المدى القصير، والمساعدة في تطوير إمكانية تأمين الخدمات الضرورية، واقتصاد السوق، وقواعد القانون، والمؤسسات الديمقراطية، والمجتمع المدني القوي على المدى الطويل.
ومن ثم أشارت الدراسة إلى أن الأهداف الأمنية للأميركيين والأفارقة لا تستطيع في النهاية أن تتحقق وتستمر إذا لم يتم جنبًا إلى جنب الاستثمار في بناء القدرات الأمنية، وتطوير البنية التحتية قانونيًّا وماليًّا. وفي هذا الصدد أشارت الدراسة إلى ما أفرزته الأزمات المالية الحالية في الولايات المتحدة الأميركية من مناخ سياسي يصعب معه الإيفاء بالمساعدات التي وعدت بها حملة أوباما، ومن ثم تحتاج الإدارة الجديدة للبحث عن طرق مبتكرة لتشجيع القطاع الخاص لأن يكون أكثر ارتباطاً بجهود التطوير والتحديث للبنية التحتية الأفريقية، والذي يكفل حاليًا من خلال شركة الاستثمارات الخاصة (OPIC) وبنك التصدير والاستيراد في الولايات المتحدة، والحوافز الضريبية، التي لا تتطلب نفقات عامة مباشرة مما يشكل نقطة جذب.
من أجل الاندماج في السوق العالمي
بينت الدراسة إلى أنه رغم أهمية وضع البنية التحتية في أفريقيا، إلا أنها ليست غاية في حد ذاتها. فهي وسيلة تمكن الأفارقة من أن يصبحوا مندمجين في السوق العالمي، وذلك من خلال توفير فرص إضافية للموارد الطبيعية الوفيرة للقارة واقتصادات السوق حديثة النشأة. وتطرح الدراسة على الإدارة الجديدة أن تحشد جهودها من أجل تفعيل دور القطاع الخاص، وخاصة المشروعات الصغيرة للاستثمار في أفريقيا، وخلق فرص جديدة ليس فقط لرجال الأعمال الأميركيين، لكن أيضًا للأفارقة.
ولمواجهة الركود الذي يفرض قيود مالية على ما قد تتخذه حكومة الولايات المتحدة الأميركية من سياسات، وفي ظل حقيقة وجود دول أخرى مثل الصين، والهند، واليابان، وروسيا، لديها اهتمامات اقتصادية خاصة بأفريقيا، فإن إدارة أوباما تحتاج أن تقوم بحوار جاد مع أعضاء مجتمع الأعمال الأميركي وأصحاب المصلحة الأخرى لتحديد الكيفية الفضلى لحشد الموارد المتاحة مع الأخذ في الاعتبار ما قد يتمتع به المسهمين المحتملين الآخرين في بعض الأحوال من ميزة نسبية.
علاقات متعددة الأطراف
أشارت الدراسة إلى أنه بالنظر إلى كلٍّ من الحدود التاريخية غير المستقرة لعديدٍ من الدول الأفريقية، والرغبة الحالية لعديدٍ من الحكومات والشعوب الأفريقية للعمل عبر القارة والمنظمات الإقليمية، يتعين على إدارة أوباما، خاصة وزارة الخارجية بقيادة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، توفير الدعم الأميركي للتعاون بين الاتحاد الأفريقي، والهيئات دون الإقليمية مثل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا(الايكواس)، والجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي(السادك)، والمؤسسات متعددة الأطراف مثل البنك الأفريقي للتنمية، والمنظمة البحرية لغرب ووسط أفريقيا(MOWCA).
بالإضافة إلى مبادرات الأمن الأميركية في أفريقيا، والتي تحتاج لتعاون متعدد الأطراف إلى جانب التعاون الثنائي. على سبيل المثال، دفعت زيادة أهمية خليج غينيا الاستراتيجية إلى أهمية الوعي بقدرات المجال البحري للدول المطلة على سواحل قصيرة مثل توجو(56 كيلومتر)، وبنين (121 كيلومتر) وهنا ظهرت أهمية التعاون لحراسة الساحل دون الإقليمي الذي سيخدم بشكل أفضل المصالح الوطنية للدول فرادى. وأشارت الدراسة إلى خطاب أفادت به كتلة النواب السود بالكونغرس في واشنطن، بالأسبوع التشريعي السنوي في سبتمبر، وضع من خلاله جان بينغ رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي، قائمة بخمسة توقعات تنتظرها أفريقيا من الإدارة الأميركية الجديدة، وهي كالتالي: وجود رابطة مستمرة مع أفريقيا كما صورتها المهام الدبلوماسية المنفصلة للاتحاد الأفريقي، تشجيع التفاعل على مستويات أعلى في الحوار، تقوية علاقات عمل مؤسسية بين السلطة التنفيذية والتشريعية للحكومة الأميركية ولجنة الاتحاد الأفريقي، التأكيد على ضمان تنفيذ القيادة الأميركية لتعهداتها العالمية بشأن أفريقيا، دعم مبادرات وبرامج الاتحاد الأفريقي كخطوة أولى.
وجدير بالذكر، أن هيلاري كلينتون قد أشارت إبان لجنة الاستماع التي عرضت فيها سياسة الولايات المتحدة الخارجية، فيما يخص أفريقيا، إلى أنه quot;تكمن أهداف السياسة الخارجية لإدارة أوباما في المصالح الأميركية السياسية، الاقتصادية، والإنسانية، التي تشمل مكافحة جهود القاعدة للبحث عن ملاذات آمنة في الدول الفاشلة في القرن الأفريقي، ومساعدة الأمم الأفريقية للحفاظ على مواردهم الطبيعية وجني منافع عادلة منهم، وقف الحرب في الكونغو، إنهاء الاستبداد في زيمبابوي والخراب الإنساني في دارفور. لكن نحن أيضًا ننوي دعم الديمقراطيات الأفريقية مثل جنوب أفريقيا وغانا، التي حققت مؤخرًا تغيرها الثاني للسلطة من خلال انتخابات ديمقراطية. نحن لابد أن نعمل بجد مع أصدقائنا الأفارقة للوصول لأهداف الإنمائية للألفية في الصحة، التعليم، والفرص الاقتصاديةquot;. مما يعني أن القارة السوداء لم تزل تحتل أهمية في أجندة السياسة الخارجية الأميركية.
التعليقات