اختيار الملك عبد الله له أظهر سير المملكة نحو مزيد من التسامح
الشيخ عادل الكلباني .. إمام الحرم الذي لقب بـ quot;أوباما السعوديquot;
انحناءة أوباما أمام العاهل السعودي تثير زوبعة
أشرف أبوجلالة من القاهرة: أفردت اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية تقريرا مطولا سلطت من خلاله الضوء علي واقع المساواة العرقية الذي بات معلما ً هاما ً في نسيج الحياة الاجتماعية داخل المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة. وجاء في العنوان الذي اختارته الصحيفة لموضوعها quot; إمام أسود يكسر القاعدة في مكة المكرمة quot; ndash; حيث ركزت الصحيفة من خلال تقريرها على الشيخ عادل الكلباني، إمام الحرم المكي، ذو البشرة السمراء، الذي اعتبرته الصحيفة مثال على ذوبان الفوارق العنصرية بالمملكة وتأصيل لمبدأ ( المنصب يذهب لمن يستحق بغض النظر عن لونه أو أصله ) . واستعرضت الصحيفة في بداية حديثها مشوار وصول الإمام إلى الحرم المكي.
وقالت أن الشيخ عادل الكلباني كان قد حلم منذ عامين بأنه سيصبح إماما ً للمسجد الحرام في مكة المكرمة. وأشارت الصحيفة إلى أن الإمام استيقظ بعدها ليدرك أنه كان مجرد حلم ليس أكثر أو أقل. وبرغم ما هو معروف عنه من عذوبة في الصوت، إلا أن الشيخ عادل من أصحاب البشرة السوداء وابن أحد المهاجرين الفقراء الذين قدموا إلى المملكة من الخليج العربي.
وأكدت الصحيفة على أن إمامة المصلين في المسجد الحرام يعد شرفا ً استثنائيا ً، لكنه كان يحجز دائما ً للعرب من ذوي الأصول السعودية. لكنه فوجيء عندما تلقى مكالمة هاتفية في شهر سبتمبر الماضي من شخص يخبره بأن الملك عبد الله اختاره ليكون أول إمام أسود للمسجد الحرام في مكة. وبعدها بأيام قليلة، بدأ يتردد الصوت العميق للإمام صاحب الملامح الإفريقية بكل عذوبة داخل جنبات المسجد الحرام، وقد بدأت تبث الصلوات التي يؤمها عبر المحطات التفلزية الفضائية لمئات الملايين من المسلمين حول العالم.
وقالت الصحيفة أنه منذ ذلك الوقت، بدأ يطلق بشيء من الدعابة على الشيخ عادل لقب quot; أوباما السعوديquot;. وحرصت الصحيفة في الوقت ذاته على إبراز حقيقة المعاملة الخاصة التي يحظي بها الأئمة الكبار داخل هذا البلد شديد التدين، وأكدت الصحيفة على أن كثيرون رحبوا باختياره الشيخ عادل الكلباني ليكون إماما للحرم المكي، واعتبروه دليلا ً آخرا ً على المجهودات الحذرة التي يقوم بها الملك عبد الله للسير بالمملكة العربية السعودية نحو مزيد من الانفتاحية والتسامح خلال السنوات القليلة الماضية.
ونقلت الصحيفة عن الكلباني قوله :quot; يحاول الملك أن يخبر الجميع بأنه يرغب في قيادة هذا البلد كبلد واحد، دون عنصرية أو تفريق. سوف يحظى أي شخص كفؤ بغض النظر عن لونه أو أصله على فرصة أن يكون قائدا ً، لصالح نفسه ولصالح بلادهquot;.
من الناحية الرسمية، أوضحت الصحيفة أن مهارة الكلباني في تلاوة القرآن كانت سببا رئيسيا وراء فوزه بهذا المنصب، الذي يقوم به الآن ndash; شأنه شأن باقي أئمة المسجد الحرام الثمانية ndash; الذين يحتويهم المسجد الحرام خلال شهر رمضان الكريم فقط. لكن الأهمية العنصرية التي حظيت بها اللفتة التي قام بها الملك كانت جلية وواضحة. ثم أردفت الصحيفة بقولها أن الشيخ عادل ndash; شأنه شأن معظم السعوديين ndash; سارع بالتحذير من أي عنصرية هنا ليست خطأ الإسلام، الذي ينادي بالمساواة. كما أن النبي محمد نفسه، الذي أسس الدين الإسلامي في البلاد منذ 1400 عام، كان له رفاق من أصحاب البشرة السوداء.
وصرح الشيخ عادل للصحيفة، وهو يتكأ بذراعه علي وسادة في غرفة الاستقبال الخاصة بمنزله :quot; لدينا في التاريخ الإسلامي العديد من الشخصيات الإسلامية ذات البشرة السوداء. وليس الأمر كما يحدث في الغربquot;. وأكدت الصحيفة في ذات السياق علي أن المملكة العربية السعودية أكثر تنوعا ً من الناحية العرقية عما يعتقد كثير من الغربيين. وأضاف الشيخ عادل بقوله :quot; أخبرنا النبي بأن الطبقات الاجتماعية سوف تظل باقية، بسبب الطبيعة البشرية. وهذه هي جزء من الممارسات التي كانت موجودة قبل الإسلامquot;.
وأشارت الصحيفة إلي أن البشرة السوداء لم تكن العقبة الوحيدة التي استطاع الشيخ عادل أن يتغلب عليها. فبعد أن أتي أبيه في خمسينات القرن الماضي من رأس الخيمة بالإمارات العربية إلي المملكة، عمل ككاتب صغير في الحكومة السعودية. ولم يكن لدي أسرته سوي قدر قليل من المال، وبعد أن أنهي دراسته الثانوية، حصل علي وظيفة في شركة الخطوط الجوية السعودية بينما كان يتحصل علي دروس مسائية في جامعة الملك سعود. ثم درس بعدها الدين، وحفظ القرآن بمشقة، ثم درس الفقه الإسلامي. وفي عام 1984، أصبح إماما ً، وعمل لفترة وجيزة في المسجد الملحق بمطار الرياض.
وبعدها بأربعة سنوات، حصل علي وظيفة مرموقة بعد أن أصبح إمام مسجد الملك خالد، ثم استمرت رحلته مع الإمامة حتي أصبح إماما ً للمسجد الحرام في مدينة مكة المكرمة. ومن ثم عاودت الصحيفة لتؤكد علي أن الشيخ عادل يعكس من الناحية اللاهوتية، التطور العام للتفكير السعودي علي مدار العقدين الماضيين.
وفي نهاية حديثه، قال الشيخ عادل :quot; إن قراءة القرآن أمام الآلاف من الأشخاص لا تمثل مشكلة بالنسبة لي. لكن المكان وقدسيته يتميز بالاختلاف الشديد عن أي مكان آخر يمكن أن تصلي فيه. فبداخله، يمكنك أن تجد ملوك ورؤساء وأناسا ً عاديين، وجميعهم يقفون خلفك كإمام. وهذا يعطي إحساس بالفخر، وخوف من الله سبحانه وتعالىquot;.
التعليقات