حكيم الكويت يعرف أدق التفاصيل ويتابعها
صباح الأحمد.. القابض على جمر الديمقراطية
عامر الحنتولي من الكويت: فجر الخامس عشر من يناير/كانون ثاني عام 2006 استقل الشيخ صباح الأحمد الصباح، رئيس وزراء الكويت آنذاك، طائرته الخاصة قاطعا زيارته الخاصة الى مدينة صلالة في سلطنة عمان عائدا الى الكويت، حال احاطته علما أن الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح قد وافته المنية بعد صراع مرير مع المرض، كان على رئيس السلطة التنفيذية وقتذاك أن يتعاطى مع أحداث كثيرة وكبيرة، فمن يأتي تاليا في هرمية القيادة السياسية هو الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، ولي العهد آنذاك الذي لم تكن صحته تسمح بإعتلائه سدة الحكم أميرا، إذ راهن كثيرون على دخول الكويت أزمة سياسية كبيرة.
كان على صباح الأحمد أن يتعاطى مع نصوص دستورية صرفة في شأن انتقال مسند الإمارة، فالشيخ سعد لم يكن يقوى على ممارسة شؤون الحكم بسبب مرضه الشديد الذي أثبت بوثائق طبية، فالأخير زج في معركة لا يعرف عنها، وهو ما تنبه له الشيخ صباح الذي طالب أقطاب الحكم بإحترام سيرة وتاريخ الشيخ سعد وعدم التجريح ببطولاته وصلابته التي أمتدت لعقود في خدمة الكويت، وكان حتى آخر لحظة لا يريد أن ينحى الشيخ سعد عبر قرار للبرلمان، إلا أن تأخر خطاب الشيخ سعد بالتنحي دفع البرلمان الى اصدار قراره.
ومذ آل إليه مسند الإمارة في التاسع والعشرين من شهر يناير/كانون ثاني من العام ذاته، جوبه الشيخ صباح بملفات كثيرة كان عليه أن يفتحها جميعا ضمانة لإستقرار الكويت داخليا، وصورتها خارجيا، إذ سرعان ما حسم الشيخ صباح مسألة ولاية العهد بإختياره لأخيه الشيخ نواف الأحمد الصباح، ثم عين مديرا لديوانه هو نجله الشيخ ناصر رجل الثقة والمهام الخاصة لأكثر من عقدين خلت، قبل أن يكلف إين أخيه الشيخ ناصر المحمد الصباح رئيسا للوزراء، بعد أن أدى الأخير قسطه في الديوان الأميري الكويتي لأكثر من عقد كان خلالها لا يفارق الأمير الراحل، إلا أن الشيخ ناصر صدم ومن خلفه القيادة السياسية ببرلمان صدامي عطل قرارات ومشاريع حكومته، إذ لم تعمر حكومته الأولى أكثر من ثلاثة أشهر، وبعد مضي خمسة أشهر على تولي الأمير الكويتي مهامه الدستورية أمر بحل البرلمان و الدعوة الى انتخابات برلمانية مبكرة.
استفحال الأزمة
الحال تكرر في السنوات التالية، إلا أن الأزمة استفحلت ووصلت حدود غير مسبوقة منذ بداية هذا العام على وقع التهديد والوعيد بمساءلة رئيس مجلس الوزراء، إذ أصبح الأمر واقعا مع بداية شهر مارس آذار الماضي، فهذا الشهر شهد تقديم ثلاثة استجوابات الى الشيخ المحمد في غضون أسبوع، وهو ما استجوب تدخل الأمير، وسط حراك كان مؤكدا لجهة تقديم استجواب رابع للشيخ المحمد، وآخر لوزيرة التربية والتعليم الدكتورة نورية الصبيح، إذ خلافا لما كان سائدا من تكهنات وجه أمير الكويت خطابا الى شعبه صارحهم فيه بإستيائه من مظاهر التأزم السياسي وغياب التنمية وتعطيل مصالح البلاد والعباد، معلنا في ختام خطابه دعوة لمواطنيه بإنتخاب مجلس أمة جديد، إذ ظلت التكهنات تروج حتى نهاية الخطاب الأميري عن توجه لتعليق البرلمان وتعليق نصوص دستورية ، كما أن أمير الكويت هاجم بشدة بعض وسائل الإعلام التي أسهمت في إذكاء الصراعات السياسية، ووسمها بأنها معاول هدم، بيد أن أمير الكويت كان قد مهد لخطابه بقبول إستقالة الحكومة وتفويضها تصريف العاجل من الأمور.
الشيخ صباح الأحمد الذي غالبا ما يأوي الى فراشه في وقت مبكر، بعد تناول عشاء خفيف بدارته الشخصية quot;سلوىquot; المطلة على ساحل الخليج العربي، رفض في شهر آذار مارس الماضي دعوات وجهت إليه من جانب أقطاب في أسرة الحكم، وساسة ووجهاء وأعيان بتعليق العمل بالدستور وتعليق الحياة الديمقراطية، وأصر على التمسك بالنظام الديمقراطي والدستور بحذافيره، مؤكدا لمن ناصحوه أنه لن يقبل بحرمان الشعب الكويتي من الخيار الديمقراطي الذي ظل يحسد عليه طيلة العقود الماضية، قبل أن يبلغهم أنه لن يتردد في اتخاذ القرار المناسب والملائم لمستقبل الكويت، إذ شكل خطاب أمير صدمة لكثيرين كانوا يراهنون حتى بدء الخطاب الأميري، على لجوء الأمير الى تعليق الحياة البرلمانية، وتعيين رئيس وزراء جديد خلفا للشيخ ناصر المحمد، إذ راجت تكهنات حول ترشيح نائب الشيخ المحمد ووزير الدفاع للمنصب، إلا أن مراجع كويتية أفتت وقتذاك أن الأمير سيسمي رئيس الوزراء المقبل بعد الإنتهاء من الإنتخابات، مع ترجيح تكليف الشيخ المحمد بتأليف الوزارة الجديدة.
أدق التفاصيل
وغالبا ما يفاجئ الأمير الكويتي -الذي يهوى الصيد برا وبحرا داخل وخارج الكويت- وزراء ومسؤولين بأوجه تقصيرهم في أداء عملهم، ويستدعيهم بين الحين والآخر ليحدثهم عن أخطاء وتجاوزات داخل وزارتهم ومؤسساتهم، الأمر الذي يثير حيرة هؤلاء المسؤولين الذين يخرجون من لقاء الأمير غالبا وهم على قناعة أنه من الصعب اخفاء الحقائق عن الأمير لأنه يعرف الصغيرة والكبيرة، وكل شاردة وواردة كأنه يجول تلك الوزارات والمؤسسات يوميا متخفيا، إذ يستيقظ غالبا في وقت مبكر من الفجر ليطالع ملفات وتقارير اصطحبها معه الى مقر اقامته، قبل أن ينطلق الى مقر الحكم ليمارس مسؤولياته اليومية وبرنامج عمله، إلا أنه لا يخفي تفاؤله بمستقبل الكويت، ويراقب عادة بإبتسامته الشهيرة المشهد السياسي على رقعة إمارته الصغيرة، حيث كان لأكثر من خمسة عقود أحد أركان نهضتها وقيامتها الحديثة، واللاعب الأساسي في مهمات داخلية وخارجية كثيرة تجلت في أزمات الإقليم وفي مقدمتها الحروب العربية مع إسرائيل، ثم الحرب العراقية الإيرانية، قبل أن quot;يهندسquot; أزمة احتلال بلاده حين جند جميع حكومات العالم للتنديد بالإحتلال العراقي لها عام 1990، والوقوف الى جانب قرار اعادة الشرعية إليها، إذ أمضى أشهر الإحتلال السبعة يغفو في طائرة ويستيقظ في مطار الى أن تحررت الكويت بالقوة العسكرية.
أسرته
أمير الكويت الأرمل منذ منتصف عقد الثمانينات فجع في العام 2002 برحيل ابنته الوحيدة الشيخة سلوى بعد صراع مع مرض عضال، وشوهد الأمير صباح متأثرا بشدة خلال مراسم دفنها وتقبل العزاء بوفاتها، إذ أسمى دارته الحالية تيمنا بها إذ كانت إبنته الراحلة قد وضعت لمساتها الفنية على المحتويات الداخلية للقصر الذي لم يشهد دخول الشيخة الراحلة إليه بعد انتقل والدها للإقامة فيه، وكان قبل نحو عقدين من هذا التاريخ قد فجع أيضا برحيل إبنه الطفل الشيخ أحمد الذي وافته المنية في العاصمة البريطانية لندن، وللأمير الكويتي اثنان من الأبناء هما الشيخ ناصر وزير شؤون الديوان الأميري المتزوج من الشيخة حصة كريمة أمير الكويت الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، والشيخ حمد العازب حتى الآن، والبعيد عن السياسة، والمولع بالإقتصاد والبزنس، إذ يعد من أدهى العقول الإقتصادية على مستوى المنطقة الخليجية.
التعليقات