من الملاحظ أن الشعر العراقي الجديد قد حقق، خلال السنوات الأخيرة، نقلة "من لغة الاستعارة، إلى لغة المجاز المرسل التي لكونها مميّزة بالتجاور والتعاقب، تكشف عن مركز حيث المخيلة طاقة وليس بؤرة" (جاكوبسن). فها هو الشاعر كاظم خنجر بديوانه "نزهة بحزام ناسف" (80 صفحة) الصادر حديثا عن "دار مخطوطات"، قد حوّل الكلمات التي فرزها الواقع العراقي المأساوي (ملثمون، قتلة، جثث، مقابر جماعية، طائفية، حزام ناسف، انفجار، مدافع...الخ)، إلى جزء من المعجم الشعري، محاولا الانفلات من مقاربات جاهزة، ومن كليشيهات تنتظر متكأً ما. هذا الانفلات يضعه على تماس فوري مع لغة الحاضر. والتجاور بين الكلمات، هنا، حر في خلق معنى، معانٍ. فكل قصيدة/ شظية تحمل حصّتها من السيرة اليومية، وتعاقبها السردي، فهي لا تحلم، لا تعيش هواجس يقظة، إنها مشغولة بتدوين ما يطرأ، وهناك الكثير مما يطرأ ويغيّر تركيب الواقع؛ بنية الجملة الشعرية: "نعلم أنك تسمعنا هناك تحت الكتل الكبيرة، وتُدرك جيداً بأننا لا نستطيع إخراجك؛ لأننا لا نتنفس تحت الكتل المجاورة".&
&
القصائد في "نزهة بحزام ناسف" تكاد تكون أشبه بصور الأشعة. فالشاعر هنا يحاول مسك تفرقع حياة العراقي اليومية، بصور صوتية تركض (من بين معاني نَسَف: السرعة: نَسَفَ الماشي أي أسرعَ) أحيانا مقطوعة النفس، مقتضبة، وكأن انفجارا سيقع في منعطف الديوان! الكائنات / الكلمات كلُّها منسوفةٌ أي مُغَربلَة: "علينا ألاّ نلعب بالشظايا الذكريات"!
&لو كان الشاعر قد ترك القصائد تتلاحق من دون عناوين، ومًصمَّمة بشكل هندسي ملائم، لكان قد أحسنَ صُنعاً. فالديوان، في نظري، كلّه قصيدة واحد طويلة، تشظّت تشظي الواقع الذي خرجت منه، كما أن تجمّعها في ديوان لهو حزام يشدّ بعضها إلى بعض، مجرد ملاحظة عابرة.
&
قصائد كاظم خنجر لا تقدّم لغتها الخفيّة واقعاً، وإنما كتأويل الواقع. تأويل لا يحتاج إلى استخدام الصور لإيصال... لا أدري ماذا، فإن ما أمامه هو بحد ذاته صور، صور ملموسة لا غبار عليها من الناحية الواقعية: القتل قتل، لا حاجة إلى الدوران والالتفاف عليه بلغة مبهمة. الوضوح صفة هذا الديوان، سُلّمه!&
&
كل شيء فيه يتحرك كالكاميرا، ما إن تكتمل اللقطة: "يتجولون بالمخطوفين ليومين. إنهم يستعدون لفيلم جديد"، حتى تدور في محلّة أخرى: "الأفغاني يُلقي بياناً أمام الجميع، في شأن إغلاق قاعتين لكمال الأجسام". عيونك تزوغ مع الأسطر، وكأن ثمة سيناريوهات عديدة تنتظرك. وفجأة يختلط الشخصي مع العام، العائلي مع الخارج، وكأن كلّ قصيدة ردهة ("نحن"، هنا، هي "هُم")... وأحياناً&صالة حيث تشعر في ظلمتها بالضوء، وحين تخرج إلى النور تشعر بحجم الظلمة جد كبير... لكن "في بطن الجارور، لا شيء سوى جمجمتك المثقوبة في صورة الأشعة"!
&
"نزهة بحزام ناسف" ديوانٌ منبعه التصالح... لكن ليس مع مستنقع الواقع العراقي الحالي، وإنما مع الأفق الذي لا يبعد عنا سوى بضعة أمتار: القصيدة بلا لثام!
&
&
هنا بعض ما جاء فيه:
&
رَجْم

أفتح عينيَّ كبيضتين مكسورتين على تلٍّ من الأحجار.

تفجير&

رائحة الكهرباء الميتة في المنزل .
الانفجار الثاني 7:40
تدور كملعقة في كوب دم .
أذنك على عيون التلفونات المغلقة...!!&

قصف
نعلم أنك تحت كتل الأسمنت والقضبان المعدنية ، نعلم
أنك مازلت تتنفس؛ لأن الصاروخ كان مُحاذيا لغرفتك،
وها نحن نرى أطفالك العُراة بجثثهم المفتتة، كما ونعلم
أنك تسمعنا هناك تحت الكتل الكبيرة، وتُدرك جيداً بأننا
لا نستطيع إخراجك؛ لأننا لا نتنفس تحت الكتل
المجاورة.

رايات سود
الراياتُ المرفوعة
في شوارعكم وشوارعنا
على جسوركم وجسورنا
على عيونكم المكسورة وعيوننا المكسورة
على قتلاكم وقتلانا
الرايات كراهيتنا التي ترفرف
الرايات سكاكين من قماش&
&


&

ملثّمون 2
ماء النهر الذي يرمون فيه الجثث تُصفّيه دائرة الماء
صباحاً ،
لنشربه نحن في المساء .
مرةً ،
شممت رائحة أخي فيه
في الولايات البعيدة عن الأنهار
يحرقون الجثث لتشمّ أخاك بسهولة .
&


&

حصار&
في الحصار
وضعوا لنا الأسمنت في الصحون
لهذا شيء دنا مباني من الجوع
&